آراء

هل تلدغ روسيا من ذات الجحر مرة ثانية؟

لطالما سمعنا وحفظنا هذه المقولة، ونقصد بها "اكذب أكذب حتى يصدقك الناس"، وبالطبع فإن أكثر من عمل بهذه المقولة ونفذها بأمتياز وحتى يومنا هذا، هي بريطانيا (رأس الشر العالمي) أولا، وتليها الولايات المتحدة الامريكية، ومن بعدهما النخب الاوربية، ولا نريد الخوض في تفاصيل وأمثلة كثيرة عن تلك الاكاذيب التي يسوقها العالم الغربي ضد البلدان والشخصيات السياسية التي لا تتوافق مع مصالحه ومخططاته، لأنهم (أي العالم الغربي) يحاولون " خمد " أي صوت حق، يحاول زعزعة امبراطورياتهم الاستعمارية المبنية على الهيمنة واستعباد الشعوب ونهب ثروات البلدان، بحجة انهم قادة النظام العالمي .

وما يدور الان في العالم، "والهستيريا" الانغلوسكسونية والغربية ضد روسيا، ومحاولة تصوير ما يدور على الأرض الأوكرانية على انه صراع روسي اوكراني، وان الغرب يساعد القيادة النازية الجديدة المتمثلة في السلطة الحاكمة في أوكرانيا بأسلحة للدفاع عن نفسها، ولكن الحقيقة هي، ان العالم الغربي وجد من يحارب بالنيابة عنه ضد روسيا، والتي برأيهم تعدت " خطوطها الحمراء " التي رسومها بدمائهم بعد الحرب العلمية الثانية، ودعوتها (أي روسيا) بضرورة انشاء نظام عالمي جديد يعتمد على تعدد الأقطاب، ورفض سياسة الاستعمار والهيمنة على مقدرات الشعوب،ليكون بديلا عن النظام العالمي الذي بناه وكما يقول الغربيون " بدمائهم "، وسيدافعون عنه ببسالة .

وسنحاول من خلال هذه السطور ان نسلط الضوء على واحدة من الأكاذيب الامريكية، والامر متروك لكم في تقييمها، وسبب ظهورها اليوم، ففي الوقت الذي دخلت فيه العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا شهرها الثامن، ظهر علينا مستشار الأمن القومي السابق للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، جون بولتون، تلك الشخصية المثيرة للجدل، والتي يعرفها القاصي والداني " بوحشيته "، شخصية لا تعرف سوى لغة الحروب وسفك الدماء، ويديه حتى اللحظة ملطخة بدماء شعوب عديدة، ليكتب مقال لمجلة 19Five، يقول فيه ان " الهدف الاستراتيجي الواضح لواشنطن هو أن تتحالف روسيا مع الغرب وأن تصبح مرشحًا مناسبًا لحلف شمال الأطلسي، وهو ما كنا نأمله بعد انهيار الاتحاد السوفيتي" .

وبحسب بولتون، فإن الولايات المتحدة تريد تحقيق "أوروبا سلمية وآمنة" بما يخدم المصلحة القومية للولايات المتحدة، وإن السلطات الأمريكية قالت مرارًا وتكرارًا إنها غير معنية بتغيير السلطة في روسيا، وان "تغيير النظام" ليس هدف حلف شمال الأطلسي والمملكة المتحدة، (على الرغم من دعوة السناتور الأمريكي، الجمهوري "ليندسي جراهام" إلى اغتيال الرئيس فلاديمير بوتين)، وليس غريبا ان يكون ما كتبه بولتون، مكملا " للكذبة الامريكية " التي كان قد اطلقها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، في مقال افتتاحي لمجلة The Atlantic، في أبريل الماضي، " بأن الولايات المتحدة عرضت على الرئيسين الروسيين بوريس يلتسين وفلاديمير بوتين إمكانية انضمام روسيا إلى الناتو، والاشارة الى إنه في التسعينيات، حيث تطورت العلاقات بين حلف شمال الأطلسي وموسكو، وذكّرت بأن روسيا شاركت في ذلك الوقت في برنامج الشراكة من أجل السلام.

والحقيقة في هذه الواقعة، كانت على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي قال في وقت سابق، إن مثل هذه المبادرة جاءت من الجانب الروسي، ووفقًا له، فانه أثناء زيارة بيل كلينتون لموسكو في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، سأل كيف سيكون رد فعل الولايات المتحدة على انضمام روسيا إلى الكتلة الدفاعية، لكن رد الفعل على هذا السؤال "كان مقيّدًا للغاية"، ويعتقد الكرملين أن أبواب الناتو كانت مغلقة أمام روسيا في ذلك الوقت، لكن الولايات المتحدة تصر على أن موسكو نفسها رفضت أن تصبح عضوًا.

وبالتزامن مع هذه التصريحات، كشف الرئيس الأمريكي جو بايدن، عن احتمال لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال قمة مجموعة العشرين المقبلة في إندونيسيا، وإن مثل هذا الأمر تحت الدراسة ولم يتضح بعد، ومثل هكذا كلمات وفي هذا الوقت بالذات، لا يمكن لها ان تكون عابرة كما يتصورها البعض، فتوالي الضربات على رأس الإدارة الامريكية باتت توجع، وتشعر الرئيس الأمريكي " بالإهانة " تارة عندما وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على مرسوم انضمام جمهوريتي لوغانسك و دونيتسك ومناطق زاروبوجيه و خيرسون الى روسيا، في وقت " يهرج " اعلامه الغربي وذيوله، وأركان جيوشه الالكترونية، بالترويج لانتصارات وهمية او محدودة هنا وهناك، وبث اخبار " مظلة " عن دحر الجيش الروسي من المناطق التي سيطر عليها، وان الاليات وجثث الجنود الروس تملأ ساحات المعارك وما الى ذلك .

وتارة أخرى في الضربات المتلاحقة، والتي لا تقل إيلاما، وهي تلك التي وجهتها له منظمة أوبك +، فقد اعتبرت صحيفة "تليغراف" في تقرير لها، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن "يشعر بالإهانة الشديدة " بعد قرار دول "أوبك" وروسيا بخفض إنتاج النفط بشكل حاد، لأن الاتفاق على خفض الإنتاج مليوني برميل يوميا، هو بمثابة إذلال عميق لجو بايدن، وانتصارا كبيرا لروسيا، وبمثابة زلزال يدّوي بهزاته وارتداداته في أوساط صنع القرار الأمريكي التي انفجرت غضبا عقب الخطوة متهمة المجموعة بالانحياز إلى صالح روسيا.

اما الضربة الأخرى فهي ذلك الانقسام داخل الاسرة الاوربية، رغم كل المحاولات التي تبذلها الولايات المتحدة سواء بالترهيب او الترغيب، بضرورة التماسك ضد روسيا، الا ان كل هذه المحاولات بدأت تتناثر رويدا رويدا، وبدأت تعلو أصواتا تنادي بإعادة النظر في سياسة العقوبات الخاطئة تجاه روسيا، لأن تلك العقوبات لم تحقق الآمال التي تم تعليقها عليها... فأوروبا تنزف بينما تحصل روسيا على أموال لا بأس بها ومن الواضح أن سياسة العقوبات الخاطئة لبروكسل يجب تغييرها.

ومع اقتراب الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة الامريكية والتي ستجري في نوفمبر القادم، سيحاول الأمريكيون بكل السبل اطلاق النوايا السلمية " المخادعة " تجاه روسيا، وتكثيف محاولات تليين الموقف الروسي تجاه المفاوضات بشأن وقف العملية العسكرية الخاصة، والذهاب الى طاولة المفاوضات، بتنازلات روسية، لتستغلها الإدارة الامريكية وتجييرها على انه انتصار سياسي يسجل لصالح الرئيس الامريكي، عله يساعد في رفع شعبية جو بايدن، والتي تدنت الى أسوأ مستوى لها، ولكننا نعتقد بأن روسيا " لن تلدغ من ذات الجحر مرة ثانية " .

***

بقلم : الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم