آراء

السُّودانيّ.. غمامة الدَّعوة والمالكيّ!

عُين محمد السُّودانيّ رئيساً للوزراء، ويُعد مِن الشَّباب قياساً بغيره، وينفرد عمَّن سبقوه أنَّه مِن عراقيي الداخل، غير مرتبط بجنسية وبولاء سابق، دَرس وعمل باختصاصه الزّراعيّ منذ (1997). أما انتماؤه لحزب «الدَّعوة»، فيبدو كان أُسرياً لا عقائدياً. تتوافر مميزات في السُّودانيّ- اللَّقب نسبة لقبيلة السُّودان العِراقيَّة الأصول- كونه غير ملوث بانتماءات خارجية، والحرب مع جيش أجنبيّ، والتَّجنيد في الميليشيات مع العمل المخابراتي، حيث توجد المعارضة، وكان فرضاً عليها مِن قِبل العواصم التي تقيم فيها.

ثم ابتعاده الرَّسميّ عن «الدَّعوة» وكتلته (2019)، وتشكيله لتكتل «الفُراتين» (2021)، وهي تسمية نادرة، لعلَّ الفرزدق (ت: 110هـ) أول مَن أطلقها: «حواريةٌ بين الفُراتين دارها/لها مقعدٌ عالٍ برودٌ هواجره» (الدّيوان)، ثم كتب أحمد شوقي وغنى محمد عبد الوهاب ببغداد (1932): «أعظم بفيصلٍ والبلادِ/ مَلكِ الشَّطِ والفراتين». إنَّه اسم جليل، جدير بالسُّوداني حفظ قَدرهِ.

يرى الكثيرون سيتظلل السُّوداني بغمامة الدَّعوة، ويصبح تابعاً لنوري المالكيّ، المتورط بقضايا كبرى، خلال فترة رئاسته للوزارة (2006-2014)، حتّى قيل: عاد المالكي بشخص السُّودانيّ، ونحن نهيبُ بالأخير قلب الانطباع عنه، وهو قادر بـ «الفُراتين» وأهلهما.

استفاد حزب «الدّعوة» مِن السّمعة «الجهاديَّة» التي منحها له النظام السَّابق بسبب قسوة الملاحقات، حتَّى أصبح عنواناً للمعارضة الإسلاميَّة، لكنَّ هذا الحزب الذي بدأت خليته الأولى (1959)، وساهم بنشر الصَّحوة الدِّينيَّة المدمرة، ظهر أنّه عاجز على إبراز قادة بمستوى تلك السمعة. فلم يجد أكثر كفاءة مِن كاظم الحائري، المملوء بغضاً للعِراق والعِراقيين، ولا إبراهيم الجعفري، ولا المالكي، ولا مِن مَن لا يُجيد سوى التّحريض القاتل.

فما حصل عليه «الدَّعوة»، مِن بريقٍ في المعارضة، خفت عندما تسلم السّلطة، صار عنواناً للتَّجاوز والفساد وتوزيع العقارات، ودعم الميليشيات، وتخرج منه أعتى القتلة، المعلقة صورهم كعظماء فوق رؤوس العراقيين اليوم. يتكئ «الدَّعوة»، في احتفالاته، على ذِكر «الشُّهداء»، حتى غدا على ألسنة العراقيين، بين ماضيه وحاضره، والقول لإبراهيم بن سيابة (ت: 198هـ): «قد كُنتُ قبل اليوم أُدعى مسلماً/ واليوم صار الكُفر مِن أسمائي» (ابن المعتز، طبقات الشُّعراء). فهل لدى محمَّد السُّودانيّ القدرة على الابتعاد الفعلي عن المالكيّ وحزبه الذي تنتظره محاكم في قضايا كبرى، منها الخيانة الوطنيَّة؟!

نُقدر للسُّودانيّ النَّجاح، لو عمل بفريقٍ عراقي صِرفٍ، مِن أبناء تكتله «الفراتين»، وهو المطلع على مساوئ ما بعد (2003) القواتل، إذا حدد موقفاً مِن ثنائية الجيش والحشد الولائي، وإنَّ عمل خلاف ما أراد المالكي مِن إنشاء حرس ثوري، حسب تسريبات التسجيلات الشَّهيرة، وهي واحدة مِن اللَّواتي سيُحاكم عليها.

عدا هذا، سينتهي السُّودانيّ معولاً بيد المخربين، وظيفته دفع الرَّواتب وإصدار الجوازات لا أكثر. نجده مخيراً بين العِراق والخنوع، حيث ولاة الدَّعوة، فالأخير، وفق عقيدته، لا يعترف بوطن اسمه العِراق، والذَّوبان في الولاية عنده حيث تمتد العقيدة.

أقول: سينجح السُّوداني بقدراته وعراقيته، لكنَّ الظَّل تحت غمامة الدَّعوة والمالكيّ، سيحوله إلى عمود مِن أعمدة الخراب! وليحفظ للحكيم خالد بن صفوان (ت: 121هـ)، قوله فيمَن أصاب أموالاً، فارتفع بها، والسُّلطة عندهم تعني نهب المال لا حكمة السّياسة، وفي مقدمتهم قادة الدَّعوة، حيث الضّياع بحي السَّيدة بدمشق: «قَدَ انْطَقَتِ الدَّراهمُ بعد عِيٍّ/ أُناسًا طالما كانوا سُكوتا/ ما عادُوا على جارٍ بخيرٍ/ ولا رفعوا المَكْرُمَةٍ بيوتاً» (سبط ابن الجوزيّ، مرآة الزَّمان).

***

رشيد الخيون - كاتب عراقي

 

في المثقف اليوم