آراء

أوكرانيا تنسف صفقة "الغذاء" بمساعدة بريطانية

كشف وزارة الدفاع الروسية، عن قيام نظام كييف بتنفيذ هجوما " إرهابيا " على سفن أسطول البحر الأسود وسفن مدنية في سيفاستوبول، والسفن المدنية التي كانت على ممرات خارجية وداخلية للقاعدة، باستخدام 9 طائرات مسيرة و7 مسيرات (بحرية)، وأدى الى إصابة كاسحة الألغام البحرية إيفان غولوبيتس بأضرار طفيفة، دفع روسيا الى الإعلان عن وقف العمل بصفقة " الغذاء " الخاصة بتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود .

الهجوم الذي وصفته وزارة الدفاع الروسية "بالإرهابي"، تم تنفيذه من قبل القوات التابعة للمركز الخاص 73 الأوكراني للعمليات البحرية، وبتوجيه من متخصصين بريطانيين موجودين في مدينة أوتشاكيف، بمنطقة نيكولايف، واستهدف سفن أسطول البحر الأسود الضامن للممر الآمن "لسفن الحبوب" وفق المبادرة الدولية بتصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية، وهذا يعني أن اوكرانيا خرقت وبشكل متعمد احد بنود الصفقة " الغذاء " والموقعة في يوليو الماضي بمشاركة الأمم المتحدة وتركيا وروسيا وأوكرانيا، وركزت على انه لا يُسمح للسفن الحربية والطائرات والطائرات بدون طيار بالاقتراب من السفن .

ويأتي الهجوم في الوقت الذي يتفاوض فيه نائب الأمين العام للأمم المتحدة، مارتن غريفيث، والأمين العام لمؤتمر المنظمة العالمية للتجارة ريبيكا جرينسبان الذين زاروا موسكو، لبحث تمديد صفقة الغذاء، وقد طلبت موسكو عقد جلسة لمجلس الأمن في 31 أكتوبر على خلفية الهجوم الأوكراني على السفن المشاركة في "الصفقة الغذائية"، واخطرت البعثة الدائمة لروسيا لدى الأمم المتحدة الأمين العام بأن روسيا ستعلق مشاركتها فيها، في حين اكدت وزارة الخارجية، ان تعليق " صفقة الحبوب " سيكون اعتبارا من يوم السبت التاسع والعشرين من أكتوبر الجاري، والى أجل غير مسمى، بسبب عدم ضمان سلامة السفن.

وأشارت الخارجية الروسية إلى أن موسكو، وبعد تعليق المشاركة في صفقة الحبوب، أعطت تعليماتها لممثليها في مركز التنسيق المشترك في إسطنبول، وشددت المتحدثة باسمها، في قناتها على "تلغرام"، إنه "النفاق الإجرامي "، ففي الوقت الذي يشارك فيه متخصصون بريطانيون في الهجوم الإرهابي الذي نفذه نظام كييف على سيفاستوبول، يقوم السفير البريطاني (في موسكو، ديبورا برونيرت) بوضع الزهور على صخرة سولوفيتسكي عشية اليوم إحياء لذكرى ضحايا القمع السياسي، مؤكدة ان موسكو ستطرح قضية الهجمات الإرهابية في البحر الأسود وبحر البلطيق بمشاركة لندن على المنصات الدولية بما في ذلك مجلس الأمن، للفت انتباه المجتمع الدولي، إلى سلسلة من الهجمات الإرهابية التي ارتكبت ضد روسيا في البحر الأسود وبحر البلطيق، وتورط بريطانيا فيها.

والكريملين من جانبه قال من جانبه عدم وجود خطط لإجراء محادثة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان حول تعليق روسيا لمشاركتها في صفقة الحبوب، ورد المتحدث بأسمه على سؤال عما إذا كان بوتين يخطط للاتصال بأردوغان بشأن تعليق مشاركة روسيا في صفقة الحبوب قائلا: "حتى الآن لا توجد مثل هذه الخطط".

وأوضح مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، انه تم استخدام ممر إنساني آمن مخصص لتصدير المواد الغذائية من أوكرانيا لتمويه الهجوم على سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم الروسية، وقال نيبينزيا في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حول تعليق مشاركة روسيا في صفقة الغذاء إن "الهجوم تم تمويهه بالممرات الآمنة المعدة لتنفيذ ما يسمى بمبادرة البحر الأسود"، وأشار إلى أن السفن والبنية التحتية لميناء سيفاستوبول، التي تعرضت للهجوم، استُخدمت لضمان تشغيل الممر الإنساني، وأكد أنه على خلفية الهجوم الأوكراني على سفن أسطول البحر الأسود، لا تستطيع روسيا "ضمان سلامة السفن المدنية" المشاركة بمبادرة البحر الأسود.

الأمم المتحدة هي الأخرى اكدت انها على اتصال بالسلطات الروسية على خلفية قرار موسكو تعليق المشاركة في صفقة الحبوب، وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن الأمم المتحدة، وأضاف "لقد اطلعنا " على تقارير من روسيا حول تعليق مشاركتها في صفقة حبوب البحر الأسود على خلفية الهجوم على أسطول البحر الأسود الروسي، " ونحن على اتصال مع السلطات الروسية بشأن هذه المسألة"، وأكد أنه يتعين على جميع الأطراف الامتناع عن الأعمال التي قد تعرض صفقة الحبوب للخطر.

والحالة هذه فإن موسكو التي تشعر " بالخديعة " مرة أخرى من قبل الغرب، بسبب خرقه فقرات صفقة " الغذاء "، وهو ما أشار اليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من أن الغرب لم يكن نزيها بما فيه الكفاية فيما يتعلق بصفقة شحن الحبوب من أوكرانيا، كون معظم الشحنات لم تتوجه إلى الدول الأشد فقرا كما تم إعلانه، وانه ووفقا لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، والذي يتضمن مساعدة البلدان المحتاجة، تم تحميل سفينتين فقط من أصل 87، حيث تم تصدير 60000 طن فقط من المواد الغذائية (من أوكرانيا إلى الدول المحتاجة) من أصل 2 مليون طن، وهذا يمثل 3% فقط".

وترى موسكو، أن اتفاق تصدير الحبوب والغذاء يطبق بطريقة سيئة، وتشير إلى أن تمديده سيعتمد على مدى التقدم في تنفيذه، وان هناك مفاوضات جارية حاليا، وتمت محادثة مع ممثلي الأمم المتحدة حول كيفية التنفيذ الكامل للمكونين الرئيسيين لهذه الصفقة، لأن الرئيس (الروسي فلاديمير بوتين) كان محقا تماما، عندما قال إنه في حين غادر عدد كاف من السفن الموانئ الأوكرانية، لا يزال الجزء الثاني من الصفقة، وهو تصدير الحبوب والأسمدة الروسية، يواجه صعوبات للأسف"، ولذلك لا بد من تغيير هذا الوضع، و"سنقوم بذلك، مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أنه في نوفمبر يقترب مدة هذا المشروع على الانتهاء"، وقال أندريه رودينكو، نائب وزير الخارجية الروسي، أن "قرارنا بشأن جدوى تمديد (هذه الصفقة) سيعتمد على كيفية تنفيذ جميع مكوناتها، وننظر في سير تنفيذ (الصفقة)، لسوء الحظ، لا يجري تنفيذها كما كان مخططا لها، وكما وعدتنا الأمم المتحدة".

وتعرب روسيا عن رأي مفاده بأنه من الضروري وضع قيود محددة على تصدير الحبوب من أوكرانيا، حيث يتم شحن معظم الحبوب إلى الاتحاد الأوروبي وليس إلى البلدان النامية كما تم إعلانه، وإن الدول الأشد فقرا تفقد إمكانية الحصول على المواد الغذائية الأساسية بسبب شرائها من قبل الدول المتقدمة، وأشار الرئيس الروسي إلى أن 345 مليون شخص يعانون بالفعل من انعدام الأمن الغذائي في العالم، وهو عدد أعلى بنحو 2.5 مرة من المستوى الذي كان في العام 2019، مؤكدا ان ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية يمكن أن يصبح مأساة حقيقية لمعظم البلدان الفقيرة التي تواجه نقصا في الغذاء وموارد الطاقة وغيرها من السلع الحيوية.

وطالبت روسيا، سكرتارية الأمم المتحدة بتزويدها بإحصائيات حول المتلقين النهائيين للحبوب التي يتم تصديرها من موانئ أوكرانيا كجزء من الصفقة الغذائية، وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن هذه البيانات ضرورية " وهذا ليس مجرد فضول بل يتوقف على ذلك تعديل وإعادة توجيه الأعمال المقبلة لتنفيذ صفقة الحبوب"، والإشارة إلى أنه فيما يتعلق بـالوجهة النهائية لوصول كل واحد من هذه السفن الحاملة للحبوب، فتعطي إحصائيات الأمم المتحدة صورة متناقضة للغاية، وأن الجزء الثاني من صفقة الحبوب وخاصة تصدير الحبوب الروسية والأسمدة "لا يتم تنفيذه تقريبا"، وأوضح أنه من الضروري أن تكون هناك "استثناءات قانونية واضحة من العقوبات" بالنسبة للشركات الروسية وكذلك الضمانات للدخول الحر للسفن الروسية إلى الموانئ الأوروبية والسفن الأجنبية إلى الموانئ الروسية، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على التصدير الحر للحبوب الروسية.

أن إحدى القضايا المركزية في هذا الأمر هي العقوبات المفروضة على بنك "روس سيلخوزبانك" الذي يعد مؤسسة مالية رئيسية تخدم صادرات الحبوب والأسمدة الروسية إلى الأسواق العالمية، ويؤكد رئيس الأكاديمية الدبلوماسية بالخارجية الروسية ألكسندر ياكوفينكو، بأن اتفاق اسطنبول فاشل إلى حد كبير، ولا يمكن الوفاء بجميع الالتزامات على الرغم من الوعود الغربية، وأشار إلى أن المنتجين الروس "لديهم مخاوف معقولة من أنه لا يمكن الوفاء بجميع الالتزامات"، على الرغم من تصريحات الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بأن المواد الغذائية والأسمدة لا تخضع للعقوبات الغربية.

أن أسباب قلق الشركات المصنعة الروسية بسبب العقوبات، هو استحالة، "إنشاء قناة مصرفية مستقرة لتسديد مدفوعات المنتجات بالدولار واليورو"، لأن البنوك الروسية منفصلة عن نظام "سويفت"، والسبب الثاني هو أن شركات التأمين الغربية لا تؤمن السفن التي تحمل الحبوب والأسمدة من روسيا، وبالتالي تعطلت لوجستيات النقل وأخيراً، ووقع مالكو معظم شركات الأسمدة الروسية وجزء من إدارتها تحت العقوبات الغربية مع كل ما يترتب عليها، وأنه نتيجة لذلك، كما يقول ياكوفينكو فإن صفقة اسطنبول "فشلت في كثير من النواحي".

وعلى مبدأ " ضربني وبكى، سبقني واشتكى "، دعا الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إلى استبعاد روسيا من مجموعة العشرين ردا على قرارها تعليق المشاركة في صفقة الحبوب، ونسى ذكر أسباب هذا التعليق الذي جاء بعد الهجوم الإرهابي على ميناء سيفاستوبول في القرم الروسية، اما واشنطن فقد اعتبرت أن قرار موسكو تعليق المشاركة في "صفقة الحبوب" يمثل استخدام الغذاء "كسلاح"، وزعم البيت الأبيض الأمريكي أن قرار موسكو تعليق المشاركة في "صفقة الحبوب" خطوة "لها تأثير مباشر على الدول المحتاجة وأسعار الغذاء العالمية"، فضلا عن تفاقم الوضع مع الأزمة الإنسانية والأمن الغذائي، في حين أعلنت ممثلة المفوضية الأوروبية، نبيلة مصرالي، أن المفوضية تدعو جميع الأطراف في صفقة الحبوب إلى الامتناع عن الإجراءات الأحادية التي يمكن أن تعرضها للخطر، وقالت أنه يجب على جميع الأطراف الامتناع عن أي عمل أحادي يمكن أن يعرض مبادرة حبوب البحر الأسود للخطر، وهي مبادرة إنسانية مهمة لها تأثير إيجابي واضح على وصول الغذاء لملايين الأشخاص حول العالم.

المطالبات الروسية بتعديل الاتفاق وبما يتناسب مع تنفيذ بنود " صفقة الغذاء " التي يحاول الغرب تجاهلها، بحجة ان العقوبات الغربية لا تشمل المنتجات الزراعية الروسية والاسمدة، في الوقت الذي يضع أمامها كل العراقيل، منها عدم الموافقة على انشاء قناة مصرفية مستقرة لتسديد مدفوعات هذه المنتجات، وفصل البنوك الروسية من نظام سويفت، ورفض الشركات الغربية التأمين على البواخر والناقلات للحبوب الروسية والأسمدة، بالإضافة الى ان روسيا حققت موسم حصاد كبير فاق جميع التصورات، وقد يصل الى 150 مليون طن، وهذا مالا يسعد الغرب .

ان العوامل أعلاه، بالإضافة الى ان بريطانيا وأوكرانيا، كانا يتوقعان الرد الروسي، ما حداهما بتخطيط وبدعم بريطاني، للقيام بهجومها " الإرهابي " لتعطيل الاتفاق، الذي سينتهي الشهر المقبل، لأن الغرب على ما يبدو قد أكتفى من الحصول على الحبوب هذا العام، وإن أوكرانيا لن تحصل على حصاد وفير هذا الموسم، وبالتالي جاءت ضرورة تعطيل الاتفاقية، لأنها علقت مبادرة أممية، تتعلق بوضع البلدان التي تعاني من الفقر والجوع، وأضاف عليها الصبغة " الإنسانية "، وذلك لإثارة الراي العام العالمي ضد روسيا، وردا على ذلك قررت روسيا التبرع للبلدان الفقيرة ب (500) الف طن من الحبوب !!.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم