آراء

منتدى الحوار بالبحرين.. الصَّابئة والإيزيدية

عُقد بالمنامة في يومي 3 و4 نوفمبر الجاري منتدى الحوار، كان حجر المنتديات الدَّوريَّة الأممية «وثيقة الإخوة الإنسانيَّة» الموقعة بأبوظبي(في 4 فبراير 2019)، التي وقعها الأزهر والفاتيكان. فبما أنَّ النّزاعات أخذت الغطاء الدِّينيّ، فلابد مِنْ لقاء بين الكنيسة والمسجد، وتتجدد اللقاءات للتذكير بأنَّ الأديان منارةٌ للسلم، وقد تكون بؤرةً للنزاع باسم الله، وفق إفتاء رجالاتها، وفي الحال الأخيرة لعبت الدَّوافع السياسية دوراً مفضوحاً على مدى التَّاريخ، وما زالت تلعب، حتَّى القتل الجماعي(مساجد نيوزلندا 2019) و(كنائس سريلانكا 2019) مثالاً.

كان التَّعرف على أصحاب المِلل والنِّحل، في المنتدى، مِن أشكال العمائم، تُحار بمعرفة أهل هذه الملة أو تلك، لغرابة طراز العِمامة ولونها. سألتُ عن معتمر العِمامة الخضراء ذات الذُّؤابة الطويلة، المزركشة بألوان زاهية، مِن أي نِحلة؟! القصد، وفق محيي الدِّين بن عربي(ت: 1240م): «عقد الخلائق في الإلهِ عقائداً/ وأنا شَهدتُ جميع ما اعتقدوه»(الفتوحات المكية).

استرعى انتباهي وجود صابئة العِراق وإيزيديته، ممثلين بريش أمة، بجبته وعمامته البيضاوين، وأمير الإيزيديين، باللّباس المدني، تاركاً الجبة والعِمامة البيضاء لبابا شيخ، مفتيها الدِّينيّ. كان ثالثهما بطريرك الكلدان ممثلاً لمسيحية العِراق، شاكياً ما تتعرض له رعيته.

سُئلتُ عن ريش أمة والأمير: «هل هما موحدان»؟! قلت، وأشرت إلى شيخ الصَّابئة: يقرون بالإله الحي الأزلي، الواحد الأحد. أما الإيزيديون فهم الإلهيون، لكنَّ اللّغط طال الدِّيانتين، اعتبرت الأولى عبدة الملائكة والماء، واسموهم بـ«المغتسلة»(النَّديم، الفهرست)، لأنَّ طقوسهم تتم على حافات الأنهار، والثَّانيَّة لها صِلة بالشَّيطان، بسبب جهلِ المحيطِ، وعدم تدريس الدِّين المقارن، كي يفهم أهل الوطن الواحد عقائد بعضهم بعضاً.

حضرتُ لقاءً جمع بين وزير التَّسامح والتَّعايش الإماراتي وأمير الإيزيديَّة، ومع أنني اقحمتُ نفسي في اللِّقاء، لكنَّ ما حصل للإيزيديين مِن إبادات، جعلني آخذ دور الإيزيديّ الضَّحية، فتدخلتُ وسط استغراب الحضور، موضحاً أنّ العراق مُتحفٌ للعقائد، ولتلك الإبادات دوافع شريرة، فلم يعرف قاتل الإيزيديّ أنّه عندما يُصلي يقول: «باسم الله المقدس الرَّحيم الجميل». كذلك ما حصل للصابئة، والمندائي يقول: «بشميهون إد هي ربي»، أي باسم الحي ربي.

ما حصل لأهل الأديان والمذاهب كافة، غير منفصلٍ عن«الصَّحوة الدّينيَّة»، التي كرست العنف الدِّينيّ بامتلاك الحقّ المطلق، بينما الحقٌّ بالاعتقاد سُنةٌ إلهية وإنسانيّة، للمؤمن وغيره، ثُبت ذلك في صحيفة «يثرب» العام الهجري الأول. لم تميز الصَّحيفة بين دينٍ وآخر، وكان الأبرز فيها المادتين (45) و(42) «إن الجار كالنّفس غير مُضار ولا آثم»، دون تحديد الدِّيانة(ابن هشام، السِّيرة). فكم ظلم الصَّابئة والإيزيّدية ومثيلاتهما؟!

تُعد مؤتمرات الحوار اعترافاً باختلاف العقائد، فدعوة الصَّابئي، والإيزيدي والهندوسي والبوذي، وجلوس البابا إلى هؤلاء كافة وشيخ الأزهر، باحتفال دولي، وتوقيع وثيقة إخوة إنسانيَّة، ما كان يحصل زمن هيمنة الصَّحوة الدِّينية.

تبدلت الدُّنيا، فالفاتيكان لم يعدَّ نفسه قبل عقود، صار يشجب سباق التسلح، والأزهر ليس نفسه، يُقصي أمثال عليّ عبد الرَّازق(ت: 1966)، ولا عواصم الدُّول التي تجري بها تلك الحوارات نفسها، فالكلّ أخذ يشعر أنَّ ما يُصيب شرق الأرض يسري بغربها. لا يشعر بالتغيير مَن تأخذه العزةُ بإثم التَّطرف، وجعل الدِّين سلاحاً سياسياً، تحت عناوين، الدِّين لا يعرف معانيها، وللرصافي(ت: 1945): «أسماء ليس لنَّا سوى ألفاظها/ أما معانيها فليست تُعرف»(الدِّيوان). فهل عرفتَ معنىً لـ «ثأر الله»، أو «جُند الإمام»، أو «التَّكفير والهجرة» وغيرها من العناوين الغريبة المبهمة؟!

***

د. رشيد الخيون - كاتب عراقي

 

في المثقف اليوم