آراء

إعادة إنتشار وليس إنسحاب

كم نحن حزينون على وسائل الاعلام الغربية، وحملاتها المظللة ضد روسيا، لأنهم " كالطبال الذي يحتفي بعرس ابنه "، فتراه " يضرب " على طبلته وبقوة، لكسب اهتمام الحضور، وحثهم على الرقص و"الهنجلة" معه، ويحاول تضخيم المناسبة بأكبر قدر ممكن، حتى تكبر وتتضخم مساعيه، لتكون " كالفقاعة " التي لا تعمر الا لدقائق، وتنفجر في وجهه، عندها يجلس على جنب كي يداري خيبته .

ومرة أخرى، يقع الاعلام الغربي بالمحظور، فقد كبرت فقاعته بشكل كبير، وهو يفسر أمر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، بإعادة الانتشار للقوات الروسية المتواجدة في خيرسون،، وأول من ضربه على رأسه لأفاقته من غفوته، هو مستشار الرئيس الاوكراني الذي قال من المبكر القول ان القوات الروسية انسحبت من خيرسون، "لأنه لازالت هناك قوات روسية، ويدفع بأخرى " !، لتوقع هذه التصريحات الاعلام الغربي " بفضيحة جديدة " تؤكد تعطش هذا الاعلام الى أي حدث مهما كان بسيطا، ويقوم هو بتفسيره على هوى اسيادهم .

والحقيقة هي أن روسيا وبموجب أمر وزير الدفاع، أتخذت قرار بإعادة نشر القوات الروسية ونقلها إلى الضفة اليسرى لنهر دنيبر وتنظيم خطوط الدفاع هناك، بما في ذلك من خيرسون، وكما ورد في تقرير قائد التجمع الجنرال سيرغي سوروفكين، فقد نشأ تهديد حقيقي للمدنيين بسبب الضربات العشوائية التي شنتها التشكيلات الأوكرانية، وفي الأيام الأخيرة، فقد تم إجلاء أكثر من مائة ألف مدني من المستوطنات المهجورة، وكذلك ظهور هناك أيضًا صعوبات في إمداد القوات الروسية، وتقوم القوات المسلحة الروسية الان ببناء دفاعات على طول الضفة الشرقية لنهر دنيبر.

قرار روسيا بإعادة انتشار قواتها، جاء بعد أن توصل القادة الميدانيين الروس، الى حقيقة، انه إذا ذهب نظام كييف إلى زيادة أخرى في إطلاق المياه من الخزانات أو شن هجوم صاروخي أقوى على سد كاخوفكا، فإن تدفق المياه سيشكل مناطق فيضانات واسعة النطاق، والتي ستؤدي إلى خسائر كبيرة بين السكان المدنيين، وسيكون هناك تهديد إضافي للسكان المدنيين وعزل كامل لمجموعة من القوات الروسية على الضفة اليمنى لنهر دنيبر، وفي ظل هذه الظروف، فإن الخيار الأنسب بالنسبة للقادة، هو تنظيم الدفاع وليس (الانسحاب) على طول الخط الفاصل لنهر دنيبر.

أن تنفيذ خطط كييف لإنشاء منطقة فيضان أسفل محطة كاخوفسكايا لتوليد الطاقة الكهرومائية قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، وتم تأكيد ذلك من خلال الهجمات الصاروخية المستمرة على سد المحطة لتوليد الطاقة الكهرومائية، وكذلك على بوابات الصرف الصحي لهذا السد، والاشارة الى انه في 26 سبتمبر / أيلول، تعرضت إحدى بوابات الصرف للقصف والتلف، وأن التصريف المكثف للمياه عبر سد محطة كييفسكايا للطاقة الكهرومائية ومحطة الطاقة الكهرومائية في اتجاه مجرى النهر، والتي تنفذها كييف منذ 10 أكتوبر، هو أيضًا سبب للقلق بشأن فيضان هذا النهر في منطقة قناتها، وفيضانات المناطق الساحلية، بالإضافة الى قصف القوات المسلحة الأوكرانية المدارس والمستشفيات والمدنيين في خيرسون، الذين تم إجلاؤهم إلى الجانب الآخر من نهر دنيبر، حيث يتم إسقاط ما يصل إلى 80-90٪ من هذه الصواريخ بواسطة أنظمة الدفاع الجوي الروسية، ولكن لازال ما يصل إلى 20٪ منهم يحققون أهدافهم، وتواجه المدفعية الروسية المضادة للطائرات الآن واحدة من أصعب المهام، وهي تغطية معبر العبارة وحماية المدنيين من هجمات أنظمة الصواريخ HIMARS وVilkha .

وفي الوقت الذي منعت القوات الروسية محاولات اختراق 12 مجموعة تخريبية تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية في الدفاع الخلفي لـ منطقة خيرسون في اتجاه نيكولاييف-كريفي ريه، فإنه يتم بناء خطوط دفاعية، تتضمن الخنادق والحواجز الواسعة المضادة للدبابات، التي يطلق عليها اسم "أسنان التنين"، وتعبر الحقول على طول الطرق، ويتم تفريغ الأغطية الخرسانية لنقاط إطلاق النار والملاجئ الرئيسية والسقوف من المقطورات الطويلة، ويجري بناء "الأسوار السورية" - سدود بطول مترين للمناورة وإطلاق النار من المدرعات، وفي العديد من المناطق، يستمر العمل على مدار الساعة، وتعمل معدات البناء في الظلام بواسطة المصابيح الأمامية، وبشكل عام، استقر الوضع في منطقة العملية العسكرية وزادت القدرات القتالية للجيش والقوات الروسية بشكل ملحوظ، وبفضل الجنود الذين تم استدعاؤهم والمتطوعين، عززت القوة القتالية والعددية، وحشد الاحتياطيات الإضافية، وأن القوات الروسية وفقا لقائد قوات العملية العسكرية الخاصة، سيرغي سوروفيكين، تستأنف هجومها على عدة محاور في مناطق العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.

ان خطة وزارة الدفاع بإعادة الانتشار لقواتها، تكشف أهمية خيرسون بالنسبة لروسيا، فالمدينة الواقعة على الضفة اليمنى، هي البوابة التي من خلالها يمكن تحرير نيكولاييف وكريفوي روغ وأوديسا ونيكوبول وزابوروجيه ودنيبرو بيتروفسك، لذلك قامت القوات الروسية ببناء ثلاثة خطوط دفاع في وقت واحد على عجل، الأول أمام خيرسون على الضفة اليمنى لنهر دنيبر، والثاني موجود بالفعل على الضفة اليسرى لنهر دنيبر، والثالث تحت شبه جزيرة القرم، لتجنب تكرار ما حدث في بوتشا وبالاكليا وكوبيانسك وإيزيوم وكراسني ليمان.

كما ان المدينة تحولت فجأة من خلفية هادئة إلى ستالينغراد ثانية أو "Malaya Zemlya-2"، وفي نفس الوقت، من المستحيل التنازل عنها، على الرغم من كل الصعوبات في الدفاع، بالإضافة إلى حقيقة أن روسيا بفقدانها لخيرسون، يعني أن تفقد روسيا موطئ قدم وحيد على الضفة اليمنى وتفقد الفرصة لتحرير نيكولاييف وأوديسا وكريفوي روج ونيكوبول وزابوروجيه ودنيبرو بيتروفسك، وسيتبع هذا الحدث مجموعة من النتائج السلبية، كما إن السيطرة على جنوب أوكرانيا بالكامل تحت سيطرة القوات المسلحة للاتحاد الروسي سيكون انتصارًا كاملاً على نظام زيلينسكي في كييف، نتيجة لأهمية استراتيجية هائلة.

وسيؤدي فقدان أوكرانيا منطقة الجنوب الشرقي بأكملها، أي من أوديسا إلى خاركوف، إلى حرمانها من الوصول ليس فقط إلى بحر آزوف، ولكن أيضًا إلى البحر الأسود، وجميع بقايا الصناعات الثقيلة والموارد الطبيعية الأساسية وإمكانات التعبئة ورأس المال البشري، وهذا في حد ذاته، إذا لم يركع كييف على ركبتيها، فسوف يقوض قدرتها على الانخراط في نزاع مسلح طويل الأمد مع روسيا ويقلل من جاذبيتها باعتبارها "أفاتارًا" لكتلة الناتو، لذلك أن القيادة الروسية تريد استخدام خيرسون كـ "فخ"، لجذب الجيش الأوكراني هناك، ولهذا الغرض، يُزعم أن الرسائل المتعلقة بالتخلي الوشيك عن الضفة اليمنى لنهر دنيبر والتراجع عن خيرسون تُلقى في فضاء المعلومات.

ان القوات المسلحة الروسية، وبحسب صحيفة ( سترانا ) الأوكرانية، ونقلا عن خبراء أمريكان، في مواقع دفاعية شمال غرب خيرسون، تستمر التعزيزات الإضافية في الوصول إلى هناك، بما في ذلك الوحدات المحمولة جواً ومشاة البحرية، على الضفة اليمنى لنهر دنيبر، وأكد المعهد الأمريكي لدراسة الحرب (ISW)، على موقف اختفاء العلم الروسي من مبنى إدارة منطقة خيرسون، وكذلك إجلاء الحكومة الإقليمية إلى جينيتشسك، يرجع هذا التطور في الأحداث تحديدًا إلى حقيقة أن القوات الروسية تستعد لمعارك حضرية في خيرسون.

***

بقلم: الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم