آراء

جزائريون يموتون داخل السّجون لمواقفهم السياسية

أمام دعوات للمّ الشمل العربي في قمّة الجزائر العربية

ربما الفضاء الأزرق أوصل صدى جزائريين وهم ينقلون صورا وكتابات عن معتقلين سياسيين يموتون داخل السجون وآخرون لا زالوا وراء القضبان الحديدة منذ ثلاثين سنة وربما في زنزانات بسبب مواقفهم السياسية، الحديث ليس عن معتقلي الحراك الشعبي، بل عن أعضاء محسوبين على تيار الجبهة الإسلامية للإنقاذ FIS، هم ليسوا أعضاء عاديين بل يمثلون كوادر الدولة فمنهم أئمة وعلماء، أطباء ومهندسين ومفكرين، يتمتعون بخبرة علمية عالمية تشهد لهم دول أوروبية، فالحديث عن حرب أهلية وقعت في الجزائر بين النظام والجبهة الإسلامية للإنقاذ، وقعت فيها أخطاء من كلا الطرفين، ووقع فيها عنف بين الطرفين وإن كان الشعب هو الضحية، فالضحية الثاني وبلغة الصراحة هو الفيس الذي أجهضت السلطة حقوقه بعد فوزه بأغلبية الأصوات وتوقيف المسار الإنتخابي، وقرار التوقيف يعني ان السلطة لم تكن جاهزة لهضم مشروع الفيس وبرنامجه السياسي في بناء دولة إسلامية.

وبلغة الصراحة فالفيس الحزب الوحيد الذي وضع قواعد تأسيس الدولة الإسلامية، فيها تنعم وتعيش كل فئات المجتمع تحت شمس الحرية وتحت سقف العدالة، كما انه لم يكن له (اي النظام) استعداد لتقبل الهزيمة السياسية، فكان القرار توقيف المسار الإنتخابي، وإجهاض المشروع الإسلامي بالإعتماد على نظرية المؤامرة، كانت السلطة ومن يقفون وراءها يرون الإسلام أنه خطر يداهمهم، وأنه دين عنف لأنه نادى بقطع يد السارق ورجم الزناة ودعا إلى الجهاد لمحاربة الكفّار، لم تكن السلطة مهيأة لا سياسيا ولا فكريا لمواجهة الفيس لا كحزب ولا كبرنامج، كانت ترى فيه الخطر القادم، رغم أن المنضوين تحت لوائه كانوا محسوبين على حزب جبهة التحرير الوطني، فالشيخ عباسي مدني رحمه الله وقادة أخرين كاوا في صفوف الثورة الجزائرية وكانوا محسوبين على الأفلان وهذا يعني في نظرها أن ابناء النظام تمردوا وخرجوا عن الطاعة ولابد من تأديبهم ومعاقبتهم .

طبعا شئنا أم أبينا أن النظم الإستبدادية دوما في صراع مع الأحزاب التي تتبنى أسلوب المعارضة، ففي نفس الفترة التي عاشت فيها الجزائر أزمة أمنية وكانت تسعى إلى إيجاد سبل للسلام كانت دول أخرى كما حدث في الموزمبيق والحرب الأهلية بين حزب فريليم الحاكم وبين منظمة رينامو المتمردة وحتى دول عربية أخرى عاشت نفس الحرب الأهلية انتهت بإبرام اتفاقيات السلام بالسبل السياسية، في جو تسوده مشاعر التسامح والإعتزاز بالإنتماء إلى البلد الواحد، كانت مطالب الفيس شرعية وهو تطبيق الشريعة الإسلامية وكان على السلطة أن تمنح الفرصة للتيار الإسلامي لإدارة البلاد، طالما الدستور الجزائري يعترف بأن الإسلام دين الدولة وطالما الفيس لم يطالب كما طالبت جماعة "الماك" بتاسيس دولة موازية أي الحكم الذاتي، طبعا لكلٍّ له رؤيته في الإصلاح والتغيير والإدارة والتسيير والحكم، أي القيادة إن صح التعبير، كان الموقف صعب للغاية فكانت حتمية المصالحة هي الحل، حينما التفت جماعة من الأحزاب بما فيهم حزب جبهة التحرير الوطني بقيادة عبد الحميد مهري حول هذا المشروع لإخراج البلاد من الأزمة وتوقيف المسار الدموي، فكان اتفاق "سانت إيجيديو"عام 1995 بروما، التقى فيه المنتصر بالمغلوب.

وقد حظيت اتفاقية الصلح بين النظام والفيس بترحيب كبير من الجزائريين الذين صوتوا على الإستفتاء الشعبي لهذا المشروع، إلا أن المشروع في نظر السلطة لم يكن يتماشى وطموحها في البقاء في الحكم، فتجسيدها لهذا المشروع على أرض الواقع كان شكليا على يد الرئيس المخلوع الذي قيل أنه جاء لينتقم، وقد تمكن من البقاء في الحكم طيلة عشرين سنة بفضل هذا المشروع الذي حمل اسماء مختلفة (الوئام، المصالحة الوطنية وقانون، الرحمة) إلى أن جاء الرئيس الحالي، هذا الأخير في حملته الإنتخابية تعهد أنه سيكون رئيس كل الجزائريين وسيمد يده لكل الجزائريين دون استثناء، لكنه لم يف بما تعهد به، ولم تتحقق وعوده كلها، رغم إصداره مراسيم العفو على المساجين في كل مناسبة وطنية، ورغم أن خطاباته كانت ترتكز على تعزيز الحوار وبناء السلام ونشر التفاهم والتعاون.

السؤال الذي يمكن أن نطرحه هنا هو كالتالي: " طالما هو مقتنع بمحاربته الفساد، ما الذي يخشاه الرئيس عبد المجيد تبون من أنصار الفيس حتى يبقيهم داخل السجون بعيدين عن أهاليهم وأسرهم وابنائهم، لماذا لا يجتمع مع قادة الفيس على طاولة الحوار، هل يخشى عودتهم إلى الساحة؟ أم أن النظام يخشى من تطبيق الشريعة الإسلامية؟ أم أن هناك أوامر من وراء البحار ملزم بتنفيذها، ما جعل الأمور تعود إلى نقطة الصفر، فالحراك الشعبي هو عبارة عن تراكمات حركتها الظروف جعلها تحرك الضمائر وتغير المواقف، حراك قاده شباب متعطش للعدالة، كان يتابع الأحداث في صمت لكن شعوره الوطني حرك فيه النزعة الوطنية و"الغيرية" على الدين والوطن فخرج إلى الشوارع في مسيرات سلمية حركت مشاعر الراي العام الدولي، ولم تستطع آلة الجيش التحرك خوفا من أن يحدث ما حدث في بداية التسعينيات، طبعا العنف والتطرف لا ترضاه أي أمّة، لكن للحق أهلٌ، وصوت الحق لابد أن يعلو، واصحاب الحق لا يمكنهم التزام الصمت، كان على مؤسسة الجيش إلا أن تؤيد الحراك الشعبي حفاظا على الإستقرار.

فسجناء التسعينيات لا يزالون داخل السجون لمدة تزيد عن 30 سنة، بعضهم أصيب بأمراض مزمنة، وآخرون توفوا داخل السجن، والبعض الآخر يتعرض للتعذيب والإهانة كما حدث مع سجناء وسارة وسجون أخرى مثل سجن البرواقية وسجن عين وسارة وسيدي بلعباس وسجن الحراش..الخ، حيث نسمع عن أبشع الممارسات في حق السجناء السياسيين، المحكوم عليهم بالمؤبد والإعدام، تهمتهم الوحيدة هي الإنتماء إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ، رغم تحفظ الصحافة الوطنية في كشف الحقائق ونقل إلى القارئ صور عن الممارسات البشعة في حق جزائريين، إلا أن الصحافة الدولية ومواقع التواصل الإجتماعي وحتى مواقع اليوتيوب كشفت العار الجزائري، ففي الوقت الذي تعقد فيه القمة العربية في الجزائر للم الشمل العربي ارتفعت أصوات من هنا وهناك تندد بأنه كان على الرئيس عبد المجيد تبون أن يعقد مؤتمرا جزائريا، للم الشمل الجزائري، ويزرع بذور الإستقرار، هاهو يدير ظهره لعائلات السجناء السياسيين منذ 1992 دون نسيان عائلات المفقودين الذين لا زالوا إلى اليوم على أمل أن يعرفوا الحقيقة كاملة.

وهنا لابد لنا من التساؤل أيضا: ماذا يعرف النظام الجزائري عن السلم والسلام؟ وماذا يعرف عن التسامح والتلاحم والتآلف؟، ولماذا يرفض النظام الجزائري إطلاق سراح السجناء السياسيين المحسوبين على الجبهة الإسلامية للإنقاذ ونحن نقرأ عن وفاة مساجين داخل السجون، مساجين كان حلمهم الوحيد تحقيق المشروع الإسلامي، مساجين يحلمون بالعودة إلى ديارهم وينعمون في كنف الحرية والكرامة، هي في الحقيقة أسئلة تتبعها أسئلة أخرى وكل جواب على سؤال يتولد عنه سؤال جديد، هل النظام الجزائري ضد الإسلام؟ هل الجزائر التي مات من أجلها الشهداء دولة "علمانية" ترفض إقحام الدين في السياسة؟ ما يجعلها ترفض المشروع الإسلامي؟، هل؟ وهل؟ وهل؟، فإذا كان الرئيس عبد المجيد تبون فعلا يريد بناء مستقبل أفضل لأبناء الجزائر، عليه أن يقف في وجه الروح العدوانية التي تسري في النظام، هذا النظام الذي يغالي بحبه للعدوان كان يُغَلِّفُ عدوانه بالدوافع والمبررات وكل ما يحمله من روح انتقامية.

إن السلم والسلام ليس مجرد صدور مراسيم رئاسية، أو اتفاقيات توقع على أوراق أو في سجل ذهبي بحضور الصحافة وأمام الكاميرات لنقلها للرأي العام بأنه في الجزائر كل شيئ على ما يرام -لا يا سادة-، فباستثناء الذين خانوا الوطن ايام الثورة ( الحركى)، نقول إذا كان الرئيس عبد المجيد تبون يريد النهوض بالجزائر، عليه أن يمد يد المصافحة لكل الجزائريين من أجل المصالحة مع جميع الجزائريين بما فيهم أنصار الفيس، هذا الحزب الذي يضم كوادر الدولة وإطارات تخرجت من جامعات أجنبية، أرادت خدمة بلادها وتحقيق العدالة، لا أشياء أخرى تخدم أجندات أجنبية، ما يمكن قوله هو أن النظام الجزائري من خلال الحراك الشعبي تعلم درسا بأن الشعب الجزائري أصبح أكثر وعيا بما ينبغي القيام به من اجل جزائر لا تزول بزوال الرجال، وإن كان لقاء "سانت إيديدو" الذي لعب دورا في تعزيز السلام بين أبناء الجزائر قادة وأحزابا قد عرض المشاركين فيه إلى العقاب والإقصاء وعلى راسهم عبد الحميد مهري وحسين آيت أحمد والنفي احيانا مثلما حدث مه الشيخ عباسي مدني فإن الجزائر أنجبت عشرات من الرجال يحملون دم عبد الحميد مهري وحسين آيت أحمد وعباسي مدني وحتى بعد رحيلهم فهناك من جاء بعدهم لحمل راية الجزائر المسلمة الحرة،عاهدوا وهم على الدرب سائرون مهما كان الثمن.

***

علجية عيش

في المثقف اليوم