آراء

بقايا شرف.. واقعة غريبة

واقعة غريبة في بريطانيا حيث اطلق احدهم كلابه على شاب قم بمواعدة ابنته ذات 12 سنة.من عمرها ووثق الحادثة في فيديو قام بنشره على مواقع التواصل الاجتماعي. وبغض النظر، عن بشاعة صورة ذلك الشاب المرعوب، وهو ساقط على الأرض، والكلبان ينهشانه، فإنّ ما أقدم عليه ذلك الرجل البريطاني، يعبّر عن الإفلاس الأخلاقي في الغرب من جهة. فقد كان بمقدوره – ومن الأفضل أخلاقيّا وإنسانيّا وقانونيّا – أن يتصرّف مع الشاب الذي واعد ابنته القاصر من منطلق حضاري راق. كأنّ يبلّغ عنه الشرطة، لكي تنصب له فخّا، وتقدّمه إلى التحقيق أو المحاكمة. أو يلاقي الشاب، ويحاول إقناعه، بأنّ سلوكه ذاك نحو ابنته القاصر مشين، ولا يليق به – وهو الراشد – أن يتحرّش بقاصر. لكنّه لم يفعل ذلك، وأقدم على تعريض حياته لخطر الموت بين أنياب كلبيه ومخالبهما

و لم يكن سلوك ذلك الشاب شاذا واستثنائيا في مجتمع غربيّ، لا يأبه لعذريّة المرأة، ولا يضع – باسم الحريّة – ضوابط دينيّة أو قانونيّة أمام ممارسة الجنس لدي القصر والبالغين.. فغالبا ما ينعقد الزواج فالديني أو المدني، بعد حدوث التواصل الجنسي وإنجاب الأطفال، أي أنّ الأبناء قد ولدوا خارج مؤسسة الزواج الشرعي والقانوني. وهي حادثة، حملت في مضمونها أمران، أحدهما إيجابيّ والآخر سلبيّ. فأمّا المر الإيجابي، فيتلخّص في دفاع والد البنت عن شرفه وشرف ابنته، وشعوره بالغيرة والنخوة، وهو سلوك رجوليّ. أمّا الأمر السلبي، فهو تصرّفه المشين، وقسوته وتعريض حياة شاب متيّم أو مغرم أو متحرّش بابنته إلى خطر مميت. وهو سلوك نمطيّ، يعكس ثقافة العنف لدى بعض الغربيين.. وهو عنف مُورس بشكل أفظع في الرحلات الاستكشافيّة والحملات الصليبيّة شرقا وغربا.

و هذا يعني ان هناك في بريطانيا وفي الغرب مازالت بقية أخلاق عند بعض الناس والأسر الذين مازالوا يحتفظون ببعض الأخلاق، بل ويدافعون عن الشرف والغيرة والنخوة. لقد أودت الفلسفة الماديّة، ونظريّات التحليل النفسي، خاصة عند فرويد، بأوروبا إلى الهاوية والانحلال الأخلاقي، من خلال إفساد المرأة، باسم الحريّة والتوجهات الليبرالية، والحداثة والعصرنة. ولم تتوقف محاولات المفسدين، ودعاة المشاع الجنسي عند المرأة، بل تعدّت إلى الدعوة إلى تقنين مجتمع الميم، وهو، لعمري، آخر مسمار يدق في نعش الأخلاق.

هل صحا هذا الرجل البريطاني من سكرة الحريّة المزعومة؟ هل اكتشف، أخيرا، ترّهات ومزاعم الحريّة الجنسيّة في مجتمعه؟ هل استيقظ ضميره الشرفي؟ هل هي بداية انهيار الفلسفة الغربيّة، الماديّة، التي وعدت البشريّة بالفردوس الأرضي؟ هل سيعود الفرد في الغرب – يوما - إلى جادة الصواب، بعدما افتقد الفلسفة الأخلاقيّة الساميّة ؟ هل سيتخلّى الغرب – كي لا ينهار – عن الفكرة الماركسيّة " الدين أفيون الشعوب"؟

لقد ارتمى الغرب العلماني، بعد الثورة العلميّة والتكنولوجيّة، منذ القرن الرابع عشر للميلاد، في أحضان مجتمع لا يعير للفضيلة أيّ اهتمام، بل أطلق العنان للأفكار الهدّامة، كي تعيث في الأسرة والمجتمع فسادا، تحت حق الفرد في ممارسة حريّته الشخصيّة.. فكانت الغرائز الجنسيّة أولى صوّر تلك الحريّة المزعومة. وتوارى دور الكنيسة، واتّخذ رهبانها وقساوستها وباباواتها، على مرّ القرون السابقة للثورة الصناعيّة وما بعدها، وإلى يومنا هذا، موقف الحيّاد في المجتمع الغربي، بل موقف الأطرش والأعمى في الزّفة، في الوقت الذي كان – وما زال - على رجال الدين، القيّام بالموعظة والإصلاح وصيانة الفرد والمجتمع من عواقب الأفكار الفلسفيّة المتطرّفة، ونظريّاتها الهادمة للبنيان الأسري السليم .

لقد اختفت، في الآونة الأخيرة، الرابطة الزوجيّة المبنيّة على المباديء الأخلاقيّة والعفّة والشرف. فصارت الممارسة الجنسيّة شائعة بين القصّر أنفسهم وبين الراشدين أنفسهم، وبين الراشدين والقصّر، ولم يعد التحرّش الجنسي جريمة أخلاقيّة يعاقب عليها القانون أو العرف الاجتماعي أو يدينها الرأي العام سرّا أو علنا، لأنّها – باختصار – حريّة شخصيّة وحقّ إنسانيّ، وخصوصيّة لا يحقّ انتهاكها، ولا يجب على كائن من كان أن يقربها أو يستقبحها...

إنّ أنصار الفلسفة الماديّة ودعاتها، قد أوصلوا المجتمع الغربي إلى طريق مسدود. حين نظرت إلى العالم الكوني من زاوية الاكتشافات العلميّة والمنجزات التكنولوجيّة والمعاملات الرقميّة، وحصرت مفهوم الحضارة في بعدها وصورتها الماديّة فقط، وبالمقابل أهملت بعدها الروحي، وهي بهذا السلوك جعلتها حضارة عرجاء، تشبه في صوتها الطائر المنتوف القوادم، وعاجزة عن توفير جرعات من السعادة والطمأنينة والحب الإنساني الحقيقي. ونظرا لهذه النقائص الفادحة، وجب على الفرد في الغرب ونظيره في الشرق، مراجعة منظومة القيّم الأخلاقيّة السائدة في العلاقات الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، تفاديّا لأفول هذه الحضارة الماديّة المتوحّشة، التي أفرزت لنا – أخيرا – مجتمعا ميميّا، يناقض الفطرة الإنسانيّة، ويهدّد النظام الأسري والعلاقات الجنسيّة السليمة بين الرجل والمرأة. والسؤال الذي أختم به، هو: إذا كان دعاة المجتمع الميمي (اللوطي) يسعون – جاهدين – إلى تزويج الذكر بالذكر، فمن يتزوج الأنثى؟ وهل يستطيع الذكر تأديّة دور الأنثى في النسل والإنجاب؟ أليست دعوتهم الشائنة تلك، مقدّمة لانقرض النسل البشري؟ إنّه لأمر عجاب في زمن العجاب..

***

بقلم الناقد والروائي علي فضيل العربي – الجزائر

في المثقف اليوم