آراء

لافروف وأهمية زيارته لبغداد

زيارة العمل القصيرة - يوم ونصف فقط -  التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وهي الثالثة في طبيعتها للوزير الروسي بعد زياراته في 2014 و 2019 ، تكتسب أهميتها، حتى لو كانت بغداد تحت اهتمام واشنطن الوثيق، تكمن في رأي موسكو، الذي يرى في التفاعل مع القيادة العراقية يفتح الطريق لحل عدد من مشاكل الشرق الأوسط .

والأمر انعكس في حقيقة استقبال الوزير الروسي "على جميع المستويات"، من رئيس جمهورية العراق عبد اللطيف رشيد ورئيس الوزراء محمد السوداني ورئيس مجلس النواب (البرلمان) محمد الحلبوسي، إلى إجراءه محادثات مع نائب رئيس الوزراء وزير خارجية العراق فؤاد حسين، والتي أظهرت  مدى أهمية العلاقات الثنائية بين العراق وموسكو، والتي  بالمناسبة، قد قاربت على الثمانين عام، وحملت في مضامينها الاهتمام الخاص الذي توليه روسيا للعلاقة مع بغداد، والتوجهات الرئيسية للتطور التدريجي للعلاقات الروسية العراقية متعددة الأوجه، بما في ذلك توسيع الحوار السياسي، وتكثيف التعاون التجاري والاقتصادي والعسكري والتقني والثقافي والإنساني.

وعلى الرغم من أن أرقام التبادل التجاري الثنائي، لا تسر الطرفين، ولم تشهد تقدما كبيرا  خلال السنوات الماضية، ولا تتوافق مع حجم العلاقات السياسية بينهما، تلك العلاقات التي تشهد تطورا بشكل كبير، بناءا على رغبتهما المشتركة وتوافقهما في معالجة القضايا الإقليمية  والدولية  بالسبل السلمية،  إلا إن لقاءات بغداد أكدت عزمهما  على تعزيز سبل الديناميات الإيجابية للتجارة الثنائية،  بما في ذلك من خلال تنفيذ القرارات ذات الصلة الصادرة عن اللجنة الروسية العراقية للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني، والتي عُقد اجتماعها التاسع في أغسطس 2022 في موسكو، وتحليل الوضع الحالي وآفاق بناء شراكات تجارية في قطاع الوقود والطاقة .

وكما هو معروف  فانه يتم تنفيذ عدد من المشاريع الكبرى في العراق من خلال PJSC LUKOIL، PJSC Gazprom Neft، PJSC ANK Bashneft، PJSC NK Rosneft، بالإضافة إلى إيلاء أهتمام من جدول الأعمال الثنائي سيكون مناقشة خطط تعزيز التعاون متبادل المنفعة في قطاعات مثل الصناعة والزراعة، وقال الوزير لافروف أن بغداد تدرس الآن فرص سداد ديونها لشركات النفط والغاز الروسية العاملة في العراق، وأشار لافروف إلى أهمية إعفاء العلاقات الثنائية من العقوبات المفروضة من قبل الغرب.

كما أولت زيارة الوزير الروسي إلى بغداد،  الاهتمام الواجب للنظر في آفاق تطور الوضع في العراق نفسه، في المقام  عبر الجانب الروسي عن دعمه لجهود مجلس الوزراء برئاسة السيد السوداني لضمان الاستقرار والأمن في البلاد، وفي حديثه عن القضية الكردية، أكد لافروف على أن الولايات المتحدة الأمريكية تلعب بالنار مع سكان المناطق التي يقطنها الأكراد، بينما تزكي نزعاتهم الانفصالية.

وترتبط روسيا والعراق بعلاقات صداقة طويلة الأمد وتعاون متبادل المنفعة، على أساس التقارب أو التطابق في التعامل مع القضايا الرئيسية على جدول الأعمال الدولي والإقليمي، وتعد  الشراكة بين العراق وروسيا  عاملاً هامًا له تأثير إيجابي على العمليات الجارية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفي هذا الصدد، حيث قال بيان وزارة الخارجية الروسية "  نحن مهتمون بإجراء مصالحة مراقبة مفصلة حول المشاكل الإقليمية الراهنة" .

ومع ازدياد دور العراق بشكل كبير من الناحية الجيوسياسية، وباعتبارهما طرفا مهما في تسوية الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، فقد تبادل الوزير لافروف، والمسئولين العراقيين، تقييمات الحالة وآفاق تطور الوضع في سوريا، مع التركيز على مهام تعزيز تسوية سياسية شاملة وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وتعزيز إعادة أعمار البلاد بعد انتهاء الصراع،  وحشد المساعدات الإنسانية الدولية لدمشق، وتمت مناقشة الوضع في منطقة الخليج العربي بالتفصيل، بما في ذلك في ضوء المفهوم الروسي المقترح لضمان الأمن الجماعي هناك، وترى موسكو، إن لديها وبغداد  مواقف مشتركة حول كيفية تحقيق انفراج في منطقة الخليج، وانه بحكم علاقة الصداقة بينهما، فإنهما يعتبران أنه من الضروري القيام بذلك بطريقة تتوحد جهود جميع اللاعبين، وليس على حساب مخططات تسبب الانقسام.

وفي ظل ظروف الضغط غير المسبوق من الدول الغربية، ترى روسيا إن الجانب العراقي يتخذ موقفا متوازنا، ومتوازنا من العملية العسكرية الخاصة التي تنفذها القوات المسلحة لروسيا الاتحادية في أوكرانيا،  ويؤكد رفض بغداد الانضمام إلى العقوبات غير القانونية المناهضة لروسيا، وأن علاقات بغداد وموسكو الثنائية التي تم اختبارها منذ زمن طويل لا تخضع لتقلبات السوق على خلفية الظروف الجيوسياسية المتغيرة.

وتنأى روسيا بنفسها عن الوضع في العراق، معتبرة أنه شأن داخلي من شؤون البلاد، وتؤكد موسكو أن العلاقات بين العراق وروسيا تظل ودية، وفي المقابل  يتفهم العراق دور موسكو المهم في المنطقة، خاصة بعد العملية في سوريا المجاورة، والعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وقال لافروف، متحدثا عن الهستيريا الغربية، وما يسمى بـ "المجتمع الدولي" بشأن الوضع في أوكرانيا: "نحن نتذكر جيدا كيفية تسوية الموصل والرقة وغيرها من المدن بالأرض، وغيرها من جرائم الحرب التي لم تشغل بال أو قلق المجتمع الدولي لمحاسبة المتسببين في هذه الأحداث".

ومن وجهة النظر  الروسية، فإن زيارة  سيرغي لافروف  للعراق، تعتبر جزءًا مهمًا من الجهود المستمرة لتعزيز التعاون متعدد الأوجه مع شركائها التقليديين في الشرق الأوسط، والذي من المفترض أن هذا يصب في المصالح المشتركة طويلة الأجل لضمان السلام والازدهار والاستقرار في هذه المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية، وشدد الوزير الروسي في ختام زيارته لبغداد على  إن "القضية الفلسطينية هي قضية محورية وبالغة الأهمية، وجامعة الدول العربية تقف إلى جانب تضافر المجهودات لحل كافة المهام التي وضعتها الجمعية العامة للأمم المتحدة"، وأشار إلى "مماطلة" الغرب بشأن القضية الفلسطينية.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم