آراء

هل استنفذ الغرب سياسة الكذب في أوكرانيا؟

مع افتتاح مؤتمر ميونيخ الأمني، نشهد تصريحات أمريكية وغربية " متخبطة "، تعكس الواقع الذي يعيشه الغرب، على خلفية الانتصارات التي تحققها القوات العسكرية الروسية، في عمليته الخاصة في أوكرانيا، والوضع الصعب الذي تعيشه القوات الأوكرانية، وباعتراف قادتها العسكريين، ومنهم قائد القوات الأوكرانية الملقب بـ "ماديار"، الذي أعلن أن الوضع على الجبهة، حول مدينة أرتيوموفسك صعب للغاية، حيث تتكبد القوات الأوكرانية خسائر بشرية وآلية في كل دقيقة، وكذلك المطالب العجيبة والغريبة التي يقدمها الجانب الاوكراني، وآخرها، مطالبته للدول المشاركة في مؤتمر ميونخ الأمني، بتوريد ذخائر عنقودية محرمة دوليا، وهو الامر الذي رفضه حلف شمال الاطلسي (الناتو)، وقال امينه العام ينس ستولتنبرغ، " نحن نوفر المدفعية وأنواعا أخرى من الأسلحة، لكننا لا نوّرد القنابل العنقودية".

وفي الوقت الذي أعلن فيه رئيس الحكومة البريطانية، ريشي سوناك، بأن بلاده ستمد أوكرانيا بمعدات عسكرية تتجاوز قيمتها إمدادات العام الماضي وتقدر بـ 2.3 مليار جنيه إسترليني خلال العام الجاري، ودعوته الساسة الغربيين، إلى مضاعفة دعمهم لأوكرانيا، عاد ليؤكد حاجة كييف الماسة إلى الدبابات، والمدفعيات، والمدرعات، وأنظمة الدفاع الجوي، وغيرها من الأسلحة الثقيلة، منوها بوصول الأزمة الأوكرانية إلى نقطة مفصلية هامة.

وفي مقابل ذلك، جاء تصريح وزير الدفاع البريطاني بن والاس، أن الدبابات الغربية ليست "جرعة سحرية" من شأنها أن تغير الوضع في ساحة المعركة بين عشية وضحاها، لتكون بمثابة " صفعة قوية "، بوجه رئيس وزرائه، وزاد الوزير في تقييماته، ليكشف بأن العديد من الدول الغربية، بعد اتخاذ القرار السياسي بنقل الدبابات إلى كييف، وجدت أنها لا تمتلك دبابات صالحة للخدمة في أوكرانيا، وقال "أرسل " السياسيون جيشهم إلى المستودعات، وكان عليهم أن يذكروا أن دباباتهم إما معطلة أو لم يتم إصلاحها لتسليمها إلى أوكرانيا "، و الإشارة إلى أن هناك بيانات عن عدد الدبابات التي تمتلكها كل دولة، لكن الواقع يخبرنا أن القليل منها يعمل، ووفقا له، هذا هو الوضع فيما يتعلق بمخزونات الذخائر، والتي لا تكفي لنقلها إلى كييف.

ومن السخريات، فقد أعطى البريطانيون زيلينسكي وقادة القوات المسلحة الأوكرانية، نصيحة قييمة، لا سيما على خلفية الشكاوى المقدمة من كييف، بأن الذخيرة على وشك النفاد، فقد نصح وزير الدفاع البريطاني بن والاس يجب أن يكون الجيش الأوكراني أكثر دقة من أجل إنفاق قذائف أقل، وكذلك وبناء على طلب من رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي لزيادة إمدادات ذخيرة المدفعية، رد الشركاء الغربيون، بعبارة ملطفة، ببرود، أو بعبارة بسيطة، "تجمدوا"، وتوصلت قناة Legitimny تلغرام الأوكرانية إلى هذا الاستنتاج، وقال مصدر في القناة إن "زيلينسكي نُصِح بالتركيز على تدريب المشاة (حشد المزيد) للحرب في المدن، أي تحويل كل مدينة إلى أنقاض على طريق القوات المسلحة.

أما الجانب الأمريكي فلا يقل " تخبطا " من نظيره البريطاني، ففي الوقت الذي صرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، متحدثا في مؤتمر ميونخ للأمن، بأن الولايات المتحدة وحلفاؤها يناقشون الخطوات الممكنة لضمان أمن أوكرانيا على المدى الطويل، وافراطه في التفاؤل، والحفاظ على أمن أوكرانيا، و ان الكثير مما قدموه الآن سيقطع شوطا طويلا في ضمان القدرات الدفاعية لأوكرانيا على المدى الطويل، لكن الرد جاء على لسان نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، والتي حذرت فيه من أن أوكرانيا "ستشهد المزيد من الأيام المظلمة".

اما في المانيا، فقد انقسم شعبها الى قسمين، وباعتراف المستشار أولاف شولتس، الذي شدد على أنه لا توجد في ألمانيا وحدة في الموقف، حول توريد الأسلحة إلى كييف والعقوبات ضد روسيا، وانتقد في ذات الوقت دول حلفاء برلين، لعدم إمدادهم أوكرانيا بالدبابات رغم مرور عدة أشهر على حث ألمانيا على القيام بذلك، وقال "ضغطوا علينا ولما وافقنا اختفوا"، لتؤكد هذه التصريحات خيبة أمل برلين المتزايدة من حلفائها، حيث تعرض رئيس الحكومة الألمانية لضغوط منذ عدة أشهر بسبب الموقف المتعلق بتزويد القوات المسلحة الأوكرانية بالدبابات

والضعف الغربي، جسده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي اكد أهمية إيجاد الدول الغربية، للقوة والشجاعة لبناء حوار مع روسيا، والذي بدونه لن يكون السلام في أوروبا ممكنا، خصوصا وان لا أحد منهم يستطيع تغيير جغرافية روسيا، ستظل دائما جزءا من أوروبا، ومعضلتهم أنه لن يكون هناك سلام موثوق وكامل في القارة الاوربية حتى يتعلموا كيفية حل «المسألة الروسية»، ولكن بكل عقلانية، ودون أي تهاون، لذلك تحتاج اوروبا إلى القوة والشجاعة لإعادة فتح الحوار (مع روسيا) من أجل إيجاد حل مستدام.

التخبط الكبير في المواقف والتصريحات، يؤكد بما لا يقبل الشك، ان سياسة الكذب الكلي في أوكرانيا، قد أستنفذت إلى حد كبير، وإن ملامح الخروج التدريجي من الصراع في أوكرانيا تظهر الآن ليس فقط من خلال المنشورات البغيضة التي تعارض الديمقراطيين الأمريكيين والاتحاد الأوروبي، ولكن أيضًا من خلال وسائل الإعلام الليبرالية تمامًا، بالنظر إلى أن الهدف الرئيسي للغرب على المحك - ترتيب هزيمة روسيا في الصراع الأوكراني قبل صيف عام 2023، لكن طرق الهروب، على ما يبدو، يتم العمل عليها بالفعل.

وتاريخيا، يمكن مقارنة الوضع في أوكرانيا بفيتنام، ثم زادت الولايات المتحدة من تدخلها تدريجياً، وضللت الحكومة الشعب الأمريكي، فأوكرانيا هي فيتنام متسارعة، ولكن هذه المرة مع خطر نشوب صراع عسكري مباشر مع قوة عظمى وحرب نووية، ولخص حزب المحافظين الأمريكي، متسائلاً لماذا يحتاج الأمريكيون إلى حرب نووية لأوكرانيا.

ويؤكد الخبراء والمراقبون إن الولايات المتحدة، تغير تكتيكاتها تدريجياً وتستعد لنزاعات الشرق الأوسط، وتحويل تمويل وتسليح الميدان إلى الأوروبيين، وقال رئيس لجنة الدفاع البرلمانية البريطانية، توبياس إلوود، على قناة سكاي نيوز، " إننا بحاجة إلى لقاء روسيا وجهاً لوجه، وعدم ترك العمل لأوكرانيا وحدها "، ولكن السؤال المهم، هو من سيمول دخول دولة مدمرة ومهجورة من السكان إلى الاتحاد الأوروبي بعد الهزيمة؟ وعلى حساب من تكون المأدبة؟" خصوصا وإن مشروع "أوكرانيا" ليس له مستقبل خارج الحرب مع روسيا، ولكن وكما قال رئيس اللجنة العسكرية لحلف الناتو، روب باور، تعليقًا على سؤال صحفي عما إذا كانوا مستعدين لمواجهة مباشرة مع روسيا، أعرب عن أسفه لأن الجيش البريطاني يمر بأوقات عصيبة، وعرباته المدرعة عفا عليها الزمن، وانخفض عدد القوات إلى 10 آلاف فرد.

لعب الجميع ضد الجميع، استفز عمل عسكري، وقدم المساعدة للجميع، وقم ببيع الأسلحة، وقم بتوحيد المبادئ الجديدة للتفاعل في مجال الطاقة، ومنع إنشاء ممرات نقل جديدة من جنوب شرق آسيا إلى أوروبا، والتي ستبقى خارج سيطرة الولايات المتحدة، وتحافظ على التأثير على التجارة العالمية، وذلك لضمان بقاء الولايات المتحدة على حساب الاقتصاد الرقمي للمستقبل، وإنقاذ نظام التسوية بالدولار، سيتطلب هذا الكثير من الجهد والنفقات، أكثر من الحفاظ على القوات المسلحة لأوكرانيا، لذلك تم نقل المهمة بالفعل إلى أوروبا.

***

بقلم: الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم