آراء

الصحْوَة.. البواكي عَلى لَجْمِهَا!

كي ندرك أهمية ما جرى ويجري مِن كبح للصَّحوة الدِّينيَّة، والخطوات الجريئة لقطع الطَّريق على خلاياها السَّابتة ببلدان، بينما وجدت لها منابرَ ببلدان، لا بد مِن النَّظر في ما وصلت إليه هيمنتها، وعلى مجدها هذا تبكي البواكي. يربي حزب إسلاميّ منتسبيه على الاستخفاف بالأوطان وعداوة أهل الأديان. يُحكم على رجلٍ أُتهم بالسّحر بشهادة الجن، وما كنتُ مصدقاً لولا رواية مَن مارسها. نُشر الحديث في الصُّحف حينها، مِن باب الرّد على مَن تحدث ضدها.

عندما يُستغل التَّعليم، ويُعلم تقليد «ضرب المرأة»، فما بالك إذا كانت صُحفاً رسمية، وما زالت، تنشر مقابلات تعتبر ضرب المرأة شريعةً. الاختلاف بين تحية المسلم وتحية غير المسلم. يُستغل التَّعليم لإشاعة الهلع بتكريس ثقافة الموت. يُقدم درسٌ لتلاميذ الابتدائية في تغسيل الموتى، ومحاضرات عن عذاب القبر. وصل الحال إلى اعتبار قتل الأقارب جهاداً.

شاع في زمن الصَّحوة نبذ الفلسفة والعِلم، أمَّا مَن تفلسف منهم فالفلسفة عنده تقف عند تمجيد الأوهام في إيجاد نظام ديني. يُقدم كلّ هذا بلغة ينفر منها العاقل ويُتخدر بها الجاهل. قصد هذا صفي الدِّين الحليّ(ت: 750هج) ببيته: «لغةٌ تنفرُ المسامعُ منها/حينَ تروى وتشمئزُ النُّفوسُ»(الدِّيوان، النُّفور مِن الغريب).

كانت أكثر الكتب انتشاراً، بالبلدان التي طالتها الصَّحوة، الخاصة بعوالم الجن، والإعجاز العلميّ، وعندما يُسأل الوراقون عن غزارتها، في تلك الأيام، يردون بأنها الأكثر ربحاً، لأنَّ الشَّباب يصحون وينامون على صفحاتها. أمَّا عن تحضير الأرواح فقد استخدمت هذه الشَّعوذة لاستدراج الشَّباب إلى الكهوف الصَّحويَّة، فالاعتقاد بهذا الوهم يفتح المجال إلى تعليم كره الأوطان، فالإسلاميون يدارون بمرشد وخليفة وولي فقيه خارج الحدود، لا اعتبار للوطن عندهم.

ما نشاهده اليوم مِن عقائد خرافيَّة، حتَّى أصبحت حقائق في أذهان الشَّباب، غير منفصل عمَّا بدأت به الصَّحوة في السَّبعينيات. فما هي قوة ثقافة الوهم كي يغمض الطَّبيب أو المهندس عينه عمّا تَعلَّمه، ويقوم بعقد جلسات تحضير الأرواح، أو يأخذ القاضي بشهادة الجن؟ يمارس مسؤول إسلاميّ الاستخارة في إدارة الدَّولة. كيف وصل الطَّبيب إلى مُجندٍ للانتحاريين وناشرٍ للأوهام؟!

لا يقع الذَّنب فقط على شيوخ الصَّحوة وساداتها، فما هو مستوى الثَّقافة والتَّعليم، الذي اخترقته الخرافة؟! صحيح أنَّ الإسلاميين، بأحزابهم ومنظماتهم، كانوا الأساس، لكننا شاهدنا تخاذلاً أمام بدايات الصَّحوة، أن يؤتى بصحوي، يدعي التَّنوير، ويملأ العقول بخرافاته، داخلاً مِن باب العلم والأدب، والحِكمة. كانت الحكومات ترى ذلك مجاراة لعواطف الأسلمة! كيف اقتنعت أنظمة بإعلان حملات إيمانيَّة، أسست بها لأوضاع مخجلة؟

قال أحد القضاة في زمن الصَّحوة: «كان الجن يهوداً وقد أسلموا، وصاروا مِن شباب الصَّحوة، فعندما سألهم: إنْ كانوا مِن شباب الصَّحوة؟ فقالوا: نعم» (المدينة، العدد: 11667 في 16/3/1995). كان هذا دور الصَّحوة في تجهيل المجتمع، ومَن يقرأ ما حصل لا يستهن بكبحِ جماحها، وإزالة آثارها.

ضبطت بلدان الخطاب الديني، فالحرية فيه تعني الفوضى، بينما ببلدان، ومع مجدها الحضاريّ، في الماضي البعيد، تركت التعليم لحرية عقائد المعلمين، يعلمون النَّشءَ مِن مخابئ عقائدهم. تُركت الثَّقافة لأهل المنابر، فلا تستغرب أنَّ تجري محاكمة لهشام بن عبد الملك(ت: 125هج) في جامعة، المفروض أنها للعلم، أو يظهر أحد المنبريين، يبرر الهيمنة على عقارات، بأنها ليست أملاكه، إنما أملاك الإمام الغائب!

هكذا يكون تبرير الاستحواذ باسم الدِّين، بينما الفقر يتزايد. لأبي العلاء المعريّ(ت: 449هج) في صاحبنا المنبري:«توهمتَ يا مغرور أنَّك دينٌ/عليَّ يمين اللهِ مالك دِينُ/ تسيرُ إلى البيت الحَرام تَنسكاً/ويشكوك جارٌ بائسٌ وخَدينُ»(لزوم ما لا يلزم).

***

د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي

 

في المثقف اليوم