آراء

ديمقراطية أم دكتاتورية؟

إن ما يشهده العالم المتقدم اليوم من ردود أفعال على التغيرات الراهنة لا ينبىء أبدا بمبدأ الديمقراطية الذي لطالما تغنى به وعاب على الكثير من دول العالم دكتاتورية الحكام في التعامل مع شعوبها.

ديمقراطية؛ هذه الكلمة التي تحمل في طياتها مبدأ الحرية التي لطالما تفاخر العالم المتقدم بتوريدها للعالم كشكل من أشكال الحضارة.

ديمقراطية؛ يرجى ظهورها الأول إلى آثينا (اليونان القديمة)، مشتقة من demos بمعنى الشعب وKratos بمعنى حكم أو سلطة وعليه فهي تعني سلطة الشعب أو حكم الشعب.

لكن إلى أي مدى وصل حكم الشعب في العالم المتقدم؟

حينما نرى الشرطة في مكان ما من هذا العالم المتقدم تقمع مظاهرات شعبية تطالب بحقوق مشروعة وفق مبادىء الديمقراطية، حينها يكون تساؤلنا مشروعا: لماذا نفس هذه البلدان تعيب على غيرها قمع الحريات عن طريق قنواتها ومتابعيها في بلدان تريد لهم ديمقراطية على مقاسها هي وبما يخدم مصالحها؟

لا ننكر أن هذا العالم المتقدم أعطى للعالم أجمع مثالا رائعا عن التحضر والتطور في جميع المجالات وأحدث ثورة علمية انعكست على الجانب الاجتماعي والفكري للإنسان الحديث الذي ركب الموجة في مسايرة منه للتطور الحاصل في العالم دون أن يدري أنه أداة في يد العلم يحركها كيفما شاء، العلم الذي في جانب منه بعد أن كان فائدة للبشر صار هوسا لفئة قليلة من البشر تؤذي به فئة كبيرة أخرى من البشر.

معظم الحروب التي قامت في العصر الحديث ما هي إلا نتيجة لعلم أنتج أسلحة، منها النووية ومنها البيولوجية.

حرب بيولوجية حسبما يُروى تدور كواليسها في مختبرات لرقعة جغرافية تدعمها دول يُعتقد أنها من عالم ديمقراطي متحضر، ويحاربهم من يتهمه كتابهم ومثقفوهم بالدكتاتورية.

ما قول هؤلاء المثقفين في سياسات حكوماتهم التي تفرض على شعوبها، بشكل مباشر أو غير مباشر، ما تراه عند الآخرين رجعية وتخلفا وتعاملهم بمنطق الأنظمة التي تتهمها بالشمولية في حين أنها تسلب شعوبها حقوقا مشروعة لم يكن فيها جدال.

دول قامت أمجادها على حساب استعمار واستعباد وتقتيل شعوب أخرى وسلبها ثرواتها وتجهيل شعوبها في مقابل ضمان حياة كريمة لمواطنيها الذين تعتبرهم بشرا وغيرهم نصف بشر أو لا يوجد. مواطنون يعلمون أن رفاهيتهم قائمة على حساب تفقير شعوب أخرى ومع ذلك دعموا مواقف حكوماتهم في زمن ما فيما رفضها آخرون منهم دعموا الشعوب المستعمرة ضد حكومات بلدانهم شخصيا، دعم شهد لهم به التاريخ.

لا جدال في أنها شعوب متحضرة في جوانب ما من حياتها وهي كذلك شعوب تفكر وتعمل، لكنها دخلت من خلال الشاشات إلى شعوب أقل تقدما فسلبت منهم عقولهم وحولتهم لمجرد تابعين لها، تبعية لم تدم طويلا، فهاهو العالم يستفيق من غفوته أو من حالة الخدر التي أصابته ليجد ديمقراطية زائفة تكشف عن نفسها في ظل عالم متغير تصعد فيها قوى جديدة وتنهار أخرى أو على الأقل تتضاءل سطوتها مع توجه العالم نحو تعددية قطبية يكون فيها تساو ونوع من العدل في تقسيم ثروات العالم وتعدد قواه.

إن التعددية القطبية التي يسير نحوها العالم اليوم تتطلب تغييرا في النظم والايديولوجيات التي قام عليها العالم سابقا، ليس تغييرا جذريا بين ليلة وضحاها، لكن تغيير تدريجي مبني على أسس تخدم الإنسان، خاصة وأننا نشهد منذ زمن اضمحلالا لهذا الإنسان وسط دكتاتوريات مختبئة تحت غطاء ديمقراطي بدأت تكشف عن وجهها بقمع حرية الرأي والتظاهر والتعسف في تمرير قوانين مرفوضة شعبيا ودكتاتورية رأس المال الذي وسع الفجوة بين الغني الذي لا يزداد إلا غنى والفقير الذي لم يعد يستطيع مقاومة عجلة الرأسمالية التي لا تعترف بالديمقراطية إلا إذا عادت عليها بالمنفعة.

إن تعطش الفرد في بعض الدول الفقيرة أو السائرة في طريق النمو إلى الحرية يجعله لا يعرف كيف يختار طريقه نحو الحرية، فبدل أن يتجه للعمل والتفكير الذي يعود عليه وعلى الصالح العام بالمنفعة، على العكس من ذلك يغرق في مستنقع التشاؤم وعدم الفعالية التي تجعل منه فردا كئيبا دائم التذمر والاعتراض بدل النهوض ومحاولة التفكير الايجابي والعمل اللذان لا يمكن أن نتحدث عن تقدم نحو الأمام بدونهما.

إن الإنسان في ظل عالم متغير عليه تغيير نظرته لتتماشى مع مستجدات الوضع الراهن وعدم تصديق ايديولوجيات زائفة تظهر يوما بعد يوم للعلن معلنة عن انهيار جبل المثل الذي طالما أوهمت به العالم لتكشف عن وجهها الحقيقي الذي لطالما اختبأ تحت مبادئ عدة أثبت الزمن أنها مجرد حبر على ورق.

فالانسانية لا تقتضي القضاء على البشر لحساب البشر والديمقراطية لا تعني استعمار بشر لأجل منفعة بشر آخر.

إن هذه المفاهيم تتطلب تجسيدا واقعيا مع كل البشر والكائنات وإلا فهي مفاهيم تستوجب إعادة النظر في معناها وطريقة تطبيقها.

***

لامية خلف الله - كاتبة من شرق الجزائر

 

 

في المثقف اليوم