آراء

في العراق.. كذبات نيسان هي الأصدق!

تابعت كذبات نيسان عند العراقيين وحكومات 2006 وما بعدها.. كان اولها في 2003 بالأعلان ان النظام في العراق صار ديمقراطيا. وبرروا المحاصصة بأنها معمول بها في الأتحاد الأوربي ودول ديمقراطية. والكذبة ليست في (المحاصصة) بل في آلية التطبيق والمنهج ومستوى وعي قادة الكتل السياسية الذي اثبت الواقع أن اغلبية تلك الأحزاب ليست سياسية بالمفهوم الأجتماعي – الأقتصادي- الوطني، بل هي تنظيمات دينية مذهبية واثنية لا تمتلك برامج وطنية بقدر ما تهمها مصالحها.والكذبة الثانية ان اهم مبدأ في النظام الديمقراطي هو تطبيق مبدأ العدالة الأجتماعية، فيما نظام ما بعد 2003 كسر الرقم القياسي في عدد الوزارات بين بلدان العالم قياسا بعدد السكان لتنهب حكوماته ثروة البلد ما شهد العراق في تاريخه افسد وأفشل منها.

وعلى صعيد الناس، كانت كذبة نيسان في عام 2016 تكشف عن حاجات ودوافع سيكولوجية تعبّر عن شخصية الفرد العراقي.. بعضها مقالب طريفة لاسيما بين أصدقاء شباب (ينصبون) على احدهم، غالباً ما تكون عاطفية، كأن يقلد أحدهم صوت فتاة تبدي له إعجابها به وولعها فيه.. فيصدّق، ويطلب منها اللقاء، فيأتي الى المكان الذي فيه من حاكوا له المقلب!. وتوزعت أغلب (كذبات نيسان) العراقية حينذاك، بين مقالب تحمل أخباراً مفزعة (شدّ حيلك اخي.. ترى الوالد انطاك عمره، أو.. اخوك.. دعمته سيارة وأخذوه للمستشفى، أو اسرع يمعود.. . ترى صار حريق بمنطقتكم.. .)، وأخرى سياسية تحمل أيضاً خبر موت من يكرهون، أو مفارقات لا تحصل مهما يكون!.

وفي العام (2018) ذكرت (الرشيد نيوز) أن أبرز ما تداوله العراقيون في هذا اليوم (1 نيسان): (خبر زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى طهران، عقب تظاهرات شهدتها بغداد ضد زيارة ابن سلمان إلى العاصمة، بينما كتب الأستاذ في علم النفس قاسم حسين صالح، في هذا اليوم أن محطة CNN العالمية نشرت خبراً عاجلاً ينص على إصدار الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً للسفارة الأميركية في بغداد برفع الكتل الكونكريتية المحيطة بالمنطقة الخضراء).

ولم تخل مشاركة العراقيين في (كذبة نيسان) من الطرفات، بينها أن صاحب مكتبة ودار نشر المعقدين فارس الكامل، نشر على صفحته الشخصية في موقع فيسبوك، رسالة درامية محبوكة عن خبر اعتزاله مهنة النشر وبيع الكتب، ذيّلها باعتذار إلى أصدقائه ممن قرأوا الرسالة لأنها "كذبة نيسان".

وما لا ينتبه له كثيرون، أن نيسان كذّب على العراقيين كثيراً، بدءاً من عام 2003 (مستثنين ميلاد الرئيس القائد في 28 نيسان!)، فحين تم تشكيل مجلس الحكم، ظن العراقيون أن هؤلاء السياسيين سيعملون لخدمة العراق، وانكشفت الكذبة بعد سنة في كتاب بريمر (عام في العراق) بقوله إن الشيعة جاءوا يطالبون بحقوقهم وكذا فعل السنّة والكرد، ولم يطالب أحد بحقوق العراقيين.

ومن كذبات نيسان العراقية تأكيد النائب علي العلاق في مداخلته بجلسة البرلمان (الاثنين 28 آذار 2016) بأن "السيد العبادي مستعد أن يعلن غداً حكومة تكنوقراط مستقلة، إن وافقت الكتل السياسية"، وعلقنا في حينه بأن تشكيل كابينة جديدة مطعّمة بتكنوقراط.. ممكن.. لكن أن يُقال أن المحاصصة انتهت في العراق بأمان.. فتلك أقوى كذبات الأول من نيسان!

ومن كذبات نيسان عام (2019) رفع شعار (الأغلبية السياسية للقضاء على المحاصصة والطائفية) فيما اثبتت الأحداث بأنه لا يمكن لزعيم طائفي أن يكون ديمقراطياً، لأنه يؤمن بأن طائفته فوق الجميع وأن مرجعيته لها تعلو على مرجعيته للناس والوطن.

ومن كذبات نيسان عام (2020) أن السيد نوري المالكي دعى الى تلبية مطالب متظاهري انتفاضة (ثورة) تشرين، ويعرف ان اهم مطالبهم هو (محاكمة الفاسدين)، ويعرف ويعرفون انه هو الذي تستّر على الفاسدين بتصريحه علنا:(لديّ ملفات للفساد لو كشفتها لأنقلب عاليها سافلها).لكنه صدق يوم قال (جميعنا فاسدين) مؤكدا صدقه بجوابه على استفسار المذيع:بمن فيهم أنت؟.. (نعم بمن فيهم أنا).. واعلن في العام نفسه أنه سيرشح نفسه لرئاسة الوزراء!.

وبصفحاتنا بالفيسبوك وتوتير كانت اصبوحتنا في (1 نيسان 2020): ( الرئاسات الثلاث في العراق ومعها رئيس وزراء سابق، تبرعوا بأربعة ملايين دولار لخلية الأزمة دعما لتأمين الخدمات الطبية للعراقيين)، فاكتشف المتابعون انها كذبة وعلقوا قائلين:(بالمشمش، اول كذبة من الحكومة يفرح بيها الشعب، ما صارت مثلهم بالتاريخ كان استحوا، ما معقولة بس لا كذبة نيسان.. .)

وكانت اشهر كذبة اعلامية عراقية حدثت قبل يوم من واحد نيسان( 2020) ان الأمام علي كان قد تنبأ بـ(كورونا) في نهج البلاغة، مستشهدا بابيات شعرية، فسلقه العراقيون بألسنة غلاظ وكأنهم في نيسان ايضا لا يكذبون!، ولا كأن رجل دين معمم ونائب برلماني لم يكذب حين اعلن في خطبته ( من دخل الأيمان قلبه لن يصاب بكورونا)!.. ولا تقولوا (ان هذا معتقده) لأنه كان يعرف ان رجال دين كبار اصيبوا بكوفيد 19. ولا قول الدكتور حسين الشهرستاني، ان عالما امريكيا اراد ان يصبح مسلما بعد ان قرأ القرآن، ولما سألهم ماذا عندكم بعد.. اعطوه نهج البلاغة، فلما فرغ منه قال آسف، سأبقى على المسيحية لأن نهج البلاغة اكثر تاثيرا من القرآن.

وحين تشكلت حكومة مصطفى الكاظمي في 2020، قالوا عنه انه ليس منتميا لاحزاب نهبت ثروة الوطن وافقروا اهله، وانه سيكون نزيها، وحدث ان انتهت ولايته بسرقة القرن!

وفي 2022 تشكلت حكومة محمد شياع السوداني ووعد بانه سيقضي على الفساد، تبين بعدها انه غير قادر حتى على مساءلة حيتان الفساد الذين طالبت المرجعية بمحاسبتهم، وقتل اكثر من ستمئة عراقي لأنهم رفعوا شعار (محاسبة الفاسدين).

وتبقى حقيقة صادقة، ان الحكومات العراقية هي اكذب الحكومات في تاريخ العراق السياسي على مدى مئة عام.. وانها تكذب ليس في نيسان فقط بل حتى في يوم عشرة عاشوراء، الذي يبكون فيه على الامام الحسين فيما لو ان من يعتبرونه امامهم وقدوتهم ظهر الان مطالبا بالاصلاح واسترداد المليارات، لخيروه بين الرجوع من حيث اتى وبين القتال.

وتبقى أقبح وأوجع هذه الكذبات، يوم هزج العراقيون بساحة الفردوس معتبرين التاسع من نيسان 2003، يوم (التحرير) تبيّن لهم بعدها أنه كان بداية لمرحلة تاريخية من الضحايا والفواجع والتدمير، قابلة للتمديد في مستقبل ليس لهم فيه حق تقرير المصير.!

***

أ. د. قاسم حسين صالح

في المثقف اليوم