آراء

نبيل الربيعي: الأحزاب الشيوعية العربية وذيليتها للاتحاد السوفيتي (1)

لأجل استجلاء بعض مما يحدث من تغيير أو اجتهاد في النظرية والتطبيق وما شاب ذلك من أحداث داخل الاتحاد السوفيتي والعلاقات التبادلية مع الأحزاب الشيوعية العربية على المتتبع الاطلاع على وثائق الحزب الشيوعي السوفيتي التي تم كشفها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

كانت تتواجد داخل قيادات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي خصومات وصراعات كبيرة، وأيضاً أفكار وآراء مختلفة ومتضاربة داخل مؤسسات الأبحاث العلمية، ولكنها لا تظهر للعلن، وتلك طبيعة راسخة عند جميع الأحزاب الشمولية. ومن ضمن تلك القيادات يفغيني بريماكوف، وهو سياسي وصحفي سوفياتي، أوكراني المولد روسي الوظيفة، اشتغل بالصحافة خدمة للحزب الشيوعي فاكتشف الشرق الأوسط وألف عنه عدداً من الكتب، وعمل في جهاز الاستخبارات أيام الاتحاد السوفياتي وبعد تفككه، ثم أصبح رئيسا لوزراء روسيا. فكان يقدم للقيادة السوفيتية صورة سيئة جداً عن طبيعة الأحزاب الشيوعية العربية وعملها، في حين رئيس معهد الاستشراق السوفيتي السيد بابا جار غفوروف يحمل تصور آخر ويتحدث بالضد مما يقدمه بريماكوف. ولكن الغريب أن جميع هؤلاء فضلاً عن اعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي حين يحضرون اجتماعاً مشتركاً تختفي النزاعات ونبرة الخلاف لصالح توحيد الخطاب الآيديولوجي لعموم الاتحاد السوفيتي.

علماً كانت هناك رغبة عارمة تجتاح بعض معاهد الدراسات السوفيتية وأيضاً داخل أوساط اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي. تلك الرغبات والسياسات تعمل لأجل حل وإنهاء وجود الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية والنامية، وتعزيز الروابط الاقتصادية والسياسية بالذات مع البلدان التي تسلك الطريق اللارأسمالي. فلم يكن هناك بين أوساط القيادة السوفيتية ايجابياً لجميع الأحزاب الشيوعية العربية، وكان يؤشر لحضور أعضاء قياداتها إلى موسكو فقط لغرض تلقي التعليمات والاستجمام.

ودائم ما كانت القيادة السوفيتية تجد ما يصعقها ويثير استغرابها من تصرفات وأفكار غير واقعية يعرضها بعض قادة الأحزاب الشيوعية العربية. وبدورها فإن تلك الأحزاب كانت تؤله الحزب الشيوعي السوفيتي وتجد فيه المرشد والمعلم والأب الروحي الذي لا غنى عنهُ، ودائماً ما تجد فيه العصا السحرية لحل مشاكلها حتى الداخلية منها. وبدورهم كان السوفييت يدركون جيداً هذا الأمر ويتعاملون مع تلك الأحزاب بشيء من عدم المبالات، فتراهم لا يعيرون اهتماماً جدياً للآراء التي تقدمها الأحزاب الشيوعية العربية، وفي الغالب يهملون طلباتها التي لا تتوافق والسياسة العامة للدولة السوفيتية. وفي العديد من المرات تراهم يجدون في طلبات الأحزاب الشيوعية العربية ما هو غير واقعي لا بل لا يمكن تناوله والنقاش فيه أو حوله.

وفي الكثير من الأوقات أهمل السوفييت علاقتهم هذه، ولهذا وضعوا موظفين صغار أغلبهم يعملون في أجهزة المخابرات وليس لهم مناصباً حزبية مؤثرة ليكونوا وسطاء بين الأحزاب الشيوعية العربية والحزب في الاتحاد السوفيتي. ولم يكن ليمر طلب لمقابلة أو اتصال أو التماس وحتى حاجة بعينها إلا من خلال هؤلاء. وعلى سبيل المثال يذكر السيد خليل عبد العزيز في كتابه (هارب من الإعدام ذاكرة شيوعي بين الموصل وموسكو) ص228 "فإن أحد هؤلاء كان يدعى (نيجكين) عمل في فترة ما بعد ثورة 14 تموز 1958 ملحقاً ثقافياً في السفارة السوفيتية في العراق. ثم عين وسيطاً مخابراتياً. نيجكين هذا كان يبتز مسؤولي الحزب الشيوعي العراقي ولا يوافق على إيصال طلباتهم إلى القيادة السوفيتية دون أن يقدم له رشا معينة، ودائماً ما كان يحددها هو وليس هم... وعند قدومي إلى موسكو قابلت الرفيق سلام عادل فنصحني بأن لا أقبل الذهاب إلى مصح أو منتجع لو عرض علي ذلك، فسألته عن السبب، فأجابني بأن ذلك يمثل شيء من الاستخفاف وعدم الجدية للمناضل العراقي".

كانت القيادة السوفيتية تحمل الحساب للحزب الشيوعي الوحيد وهو الحزب الشيوعي السوداني بقيادة عبد الخالق محجوب. فقد كان لهذا الحزب رأي حر ومستقل ودقيق وثابت وناضج في علاقاته مع السوفييت، ولم يكن ذيليلاً في يوماً ما خلال قيادة محجوب، ودائماً ما كان الشيوعيون السودانيون يوجهون نقداً حاداً للسياسة الدولية للسوفييت، وهذا الموقف كان يسبب صداعاً وحرجاً للقيادة السوفيتية، لذا كانت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي وفي بعض الأحيان كانت تمتنع عن دعوة الحزب الشيوعي السوداني لحضور لقاءات الأحزاب الشيوعية العربية.

وفي الجانب الآخر فقد كان أكثر الأحزاب الشيوعية خنوعاً وذيلية، هي بعض الأحزاب الشيوعية العربية مثل: الحزب الشيوعي السوري بقيادة خالد بكداش واللبناني بقيادة نيقولا الشاوي والحزب الشيوعي الأردني بقيادة فؤاد نصار وحزب التقدم والاشتراكي المغربي بقيادة علي يعته. فلم تكن لهؤلاء كلمة أو رأي يعتد به عند السوفييت، وإنما عرف عنهم الخضوع وقبول أي رأي يعرض عليهم، فقد كانوا في حالة موافقة دائمة ورضوخ لجميع ما يمليه عليهم الجانب السوفيتي.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وجدت وثيقة هامة تم الكشف عنها، ويذكر خليل عبد العزيز في مذكراته ص230 قائلاً: "تشير لرسالة موجهة من قبل السيد خالد بكداش سكرتير الحزب الشيوعي السوري إلى زعيم الأممية الاشتراكية ديمتروف يطلب فيها اعتماده مسؤولاً مباشراً ووحيداً عن جميع الأحزاب الشيوعية العربية، وتحصر العلاقة به ومن خلاله في جميع ما يخص تلك الأحزاب، وبدوره فقد قام ديمتروف بإحالة رسالة خالد بكداش إلى المكتب السياسي للحزب الشيوعي (السوفيتي) الذي رفض طلب بكداش رفضاً تاماً".

***

نبيل عبد الأمير الربيعي

في المثقف اليوم