آراء

إبراهيم ابراش: هدف (إسرائيل) من التفرد بحركة الجهاد الإسلامي

منذ الصِغر ونحن نقرأ عن السياسة الاستعمارية البريطانية التي تشتغل تحت شعار (فرِّق تسد) ونفذتها في كل البلدان التي استعمرتها من الهند إلى مصر وفلسطين الخ، ويبدو أن الكيان الصهيوني صنيعة بريطانيا يعمل على هدي هذه القاعدة في تعامله مع الشعب الفلسطيني وحتى في تعامله مع الأنظمة العربية.

فعندما عجز هذا الكيان المصطنع مدعوما بتحالفاته مع غالبية قوى الغرب الاستعماري طوال مائة عام من الصراع عن كسر إرادة الشعب الفلسطيني ودفعه للاستسلام من خلال القوة العسكرية فإنه يسعى لتدمير المجتمع الفلسطيني داخلياً من خلال إثارة الفتنة والشقاق ونشر الفساد والمخدرات واستقطاب بعض الأفراد والمكونات الاجتماعية إلى جانبه، وقد نجح العدو بالفعل في تحقيق اختراقات بهذا الشأن عند فلسطينيي الداخل ويواصل محاولاته عند فلسطينيي الضفة والقدس وغزة، وحتى عند فلسطينيي الشتات فبصماته واضحة في كثير من الخلافات بين أبناء الجالية .

يسعى العدو لتحقيق هذا المخطط عند سكان القدس وفي الضفة من خلال الفصل بين المدن والقرى وخلق أوضاع مغايرة سياسياً واجتماعياً واقتصاديا في كل منطقة مع محاولة صناعة قيادات عشائرية وسياسية واقتصادية محلية، أيضاً نشر الفساد وتسهيل دخول السلاح لأطراف محددة، وحتى داخل السلطة وحزبها يعمل على خلق فتنة من خلال تقريب بعض القيادات له على حساب أخرى أو الإيحاء بذلك وترويج شائعات وأكاذيب عن بعض القيادات. 

وفي هذا السياق نحذر مما يخطط له العدو في قطاع غزة من محاولة خلق فتنة وحرب أهلية بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي، من خلال مساعدة حركة حماس على إدارة القطاع وتسهيل الحياة في القطاع من خلال السماح لآلاف العمال من غزة بالعمل في الداخل وتسهيل دخول الأموال القطرية واستمرار المشاريع المصرية مع تجنب استهداف قيادات حماس ومقراتها الرسمية وغير الرسمية، وفي نفس الوقت استهداف قيادات حركة الجهاد الإسلامي في القطاع وفي الضفة.

نُدرك أن حالة الانقسام والخلافات الداخلية لا تعود لإسرائيل وحدها بل هناك أطرافا أخرى  تتحمل المسؤولية، وتاريخيا كانت الأنظمة العربية تتدخل في الشأن الفلسطيني تحت عناوين كالبعد القومي للقضية والأمن القومي العربي أو مساعدة الشعب الفلسطيني وفي بعض الحالات كانت هذه التدخلات تُضعف الوحدة الوطنية وأحيانا تؤدي إلى صدامات وخلافات شديدة، كما كانت تدخلات باسم البعد الديني للصراع حيث لعبت جماعات الإسلام السياسي دورا سلبيا في الحالة الفلسطينية وما زال دورها سلبيا، إلا أن سيطرة الكيان الصهيوني على كل فلسطين وتحكمه بكل مناحي الحياة فيها جعل قدرته أكبر وأخطر على التدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني بشكل مباشر أو من خلال التنسيق بشكل مباشر أو غير مباشر مع أطراف عربية وإقليمية.

لقد نجحت القيادة الفلسطينية وخصوصا الرئيس أبو مازن في تجنيب الشعب الفلسطيني حرباً أهلية عندما قامت حماس بانقلابها على منظمة التحرير الفلسطينية وسلطتها في يونيو 2007 حيث كان العدو يراهن على حرب أهلية في قطاع غزة وفي الضفة إلا أن القيادة كانت حذرة لهذا الأمر ولم تسمح به حتى وإن اتهمها البعض بالعجز والتواطؤ في تنفيذ مخطط الانقسام، وحتى بعد اندلاع فوضى ما يسمى (الربيع العربي) تعاملت قيادة منظمة التحرير بحكمة وهدوء وتجنبت الانجرار لهذه الفوضى أو دعم طرف على آخر، بالرغم من أن حركة حماس انزلقت نحو ذلك وسعت لتعزيز حالة الانقسام وهناك اتهامات لها من السلطة الفلسطينية بمحاولة نقل الفتنة والحرب الأهلية إلى الضفة.

نأمل من حركتي الجهاد الإسلامي وحماس الاحتكام إلى العقل والتوصل لتفاهمات مع بقية الفصائل في القطاع لكيفية الرد على العدوان الصهيوني وعدم تمكينه من تحقيق أهدافه بخلق فتنة وحرب أهلية تقضى على ما تبقى من مقومات صمود عند فلسطينيي القطاع، وأن تكون هذه التفاهمات مقدمة لوضع استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة استراتيجية الحرب والإرهاب عند العدو في الضفة والقطاع وفي الداخل وفي الشتات.

***

ا. د. إبراهيم ابراش 

في المثقف اليوم