آراء

إبراهيم أبراش: هل ستغير (إسرائيل) المعادلة القائمة غي قطاع غزة؟

الجولة الحالية من العدوان على جبهة غزة قد تكون السابعة منذ عام 2008 ما بين الحرب والتصعيد، وفي كل جولة يتم الحديث عن هدنة أو تهدئة وتقول إسرائيل إنها حققت أهدافها بالرغم من تعرضها لإطلاق عشرات وأحياناً مئات الصواريخ على بلدات غلاف غزة ومدن رئيسة فيها ، ونفس الأمر بالنسبة لفصائل المقاومة التي تتحدث دائماً عن انتصارها مع أنه سقط خلال هذه المواجهات أكثر من أربعة آلاف شهيد وآلاف الجرحى وخراب ودمار للبنية التحتية دون تحرير ولو شبراً واحداً من فلسطين أو يتم رفع الحصار عن غزة كما تواصل تطوير قدراتها الصاروخية وتعلن رسمياً معاداتها لإسرائيل ورفضها لعملية السلام.

بالرغم من مرور سنوات على هذا الوضع فإن إسرائيل تتعامل بسياسة النفس الطويل مع الفصائل في غزة وتصبر على ما تتعرض له من صواريخ تسيء لقوة الردع عندها، وتبرر ذلك بأن استمرار حكم حماس في غزة يخدم إسرائيل استراتيجياً من خلال تكريس الانقسام والفصل بين غزة والضفة وجعل مشروع الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة وعاصمتها القدس مستحيلة التحقق،وهذا ما كرره نتنياهو أكثر من مره في رده على معارضيه في الحكومة أمثال بن غفير كما أن هذا الوضع في غزة يبعد الأنظار عن معركتها الحقيقية على الضفة والقدس لاستكمال مشاريعها الاستيطانية.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن:إلى متى ستستمر المعادلة القادمة في غزة بعد توقف عملية السلام وصيرورة غالبية الضفة والقدس تحت السيطرة الإسرائيلية؟ وإذا كانت إسرائيل تراهن على تحييد حماس من ساحة المواجهة بما مكنته لها من تسهيلات اقتصادية ومالية، فهل من ضمان باستمرار الوضع على حاله وخصوصاً بعد خروج/ إخراج غالبية قيادات حماس من جماعة الإخوان المسلمين الذين شاركوا في صناعة الانقسام من قطاع غزة ؟ وإلى متى سيصبر الكيان الصهيوني العنصري الذي تقوده حكومة يمينية عنصرية إرهابية متطرفة على تطوير فصائل المقاومة في غزة وخصوصاً حركة الجهاد لقدراتها الصاروخية وغياب الأمن والأمان،في الوقت الذي يهدد هذا الكيان بضرب إيران ويسعى بدولة يهودية تمتد من النيل إلى الفرات ويتبجح بأنه الدولة الأعظم في الشرق الأوسط؟ والى متى سيستمر حكم حماس مستقراً وألا تتغير معادلة السلطة في غزة؟

نستحضر هذه التساؤلات ونحن نشهد جولة التصعيد الحالية،فمع أن إسرائيل كانت تعلم بأن  الجهاد الإسلامي سيرد على اغتيال قادته الثلاثة فجر الثلاثاء التاسع من مايو الجاري  بإطلاق الصواريخ ومع ذلك أقدمت على فعلتها وما زالت تواصل عمليات الاغتيال وترفض أي هدنة، وهذا يطرح تساؤلات حول أهداف إسرائيل من هذه العملية؟

وفي اعتقادنا أن أهداف إسرائيل ليس فقط اغتيال قادة الجهاد وليس فقط لحسابات داخلية سواء ترضية بن غفير وسموترتش اللذان يريدان التعامل بقسوة مع حماس وغزة، أو محاولة نتنياهو صرف الأنظار عن أزمته الداخلية والاتهامات الموجهة له بالفساد، بل لها أهداف إستراتيجية بعيد المدى منها: محاولة خلق فتنة وحرب أهلية داخل القطاع بين حركة الجهاد وحماس وقد يصل الأمر بتهديد حركة حماس باستهداف قياداتها إن لم توقف الجهاد الإسلامي عن إطلاق الصواريخ وإنهاء وجوده المسلح في القطاع أو استيعابه في سلطتها، وربما تأمل إسرائيل بفتنة  بين الجهاد والشعب في مراهنة أن يثور الشعب على حركة الجهاد ويُحملها مسؤولية معاناته إن استمر إغلاق المعابر وتعطيل سير الحياة العادية.

ولكن،لأن نجاح مخطط نتنياهو بخلق فتنة داخلية غير مؤكد فقد يسعى العدو لتغيير المعادلة القائمة في قطاع غزة بإنهاء الدور الوظيفي لحماس وخلق واقع جديد في القطاع وخصوصاً إن شاركت حماس في المواجهة، وفي هذا السياق فإن حركة حماس في وضع صعب فإن لم تشارك في الحرب تفقد مصداقيتها داخلياً كما ستفقد الدعم والتمويل  الإيراني، وإن دخلت الحرب ستتعرض سلطتها وقياداتها لردة فعل قوية من إسرائيل.

بعيداً عن تهويل وتضخيم بعض الفضائيات ومن تستضيفهم من محللين سياسيين وأمنيين واستراتيجيين  لقدرات المقاومة وتحقيقها لتوازن الردع والرعب مع إسرائيل وما يمكن أن تحققه صواريخ المقاومة من إجبار العدو على الخضوع لشروط المقاومة وشروط الجهاد الإسلامي  أيضا مع احترامنا للمحللين السياسيين الذين يهدفون لرفع الروح المعنوية عند الشعب والمقاتلين ومع تقديرنا لبطولات المقاتلين في حركة الجهاد وكل فصائل المقاومة في كل ربوع فلسطين .... علينا استحضار تجربة الحروب السابقة حيث تم إطلاق آلاف الصواريخ على إسرائيل والكل يعرف النتيجة، ولذا نتمنى على حركة الجهاد الإسلامي أن تتوقف عن إطلاق الصواريخ حتى بدون شروط لأن المعركة ليست معركتها لوحدها مع إسرائيل وليست معركة غزة مع إسرائيل بل معركة الكل الفلسطيني حتى وان كان المستهدفون بالاغتيال من حركة الجهاد.

نتمنى أن تتوقف المواجهة في أقرب وقت لأن العدو الصهيوني قد يلجأ لإطالة أمد الحرب  لاستدعاء تدخلاً دولياً ومرابطة قوات دولية على حدود غزة وبالتالي يتم ترسيم حدود غزة مع اسرائيل تمهيداً لإعلان دولة الفلسطينيين في إطار حل الدولتين الذي يطالب به المجتمع الدولي وبهذا يصل مخطط الانقسام وصناعة دولة غزة إلى مرحلته النهائية، ولا نريد أن تبدو حركة الجهاد الإسلامي وكأنها جزء من هذا المخطط..

***

إبراهيم أبراش

في المثقف اليوم