آراء

مزهر جبر الساعدي: امريكا والصين.. اللعب على تزاحم المصالح

اذا تمعنا جيدا في الاوضاع الدولية سواء في المنطقة العربية او في جوارها الاسلامي او في المحيط الهاديء والهندي، أوفي بحر الصين الجنوبي والشرقي،أ وفي شبه الجزيرة الكورية، أوعلى حافة اوروبا حيث تدور هناك الحرب في اوكرانيا. اضافة الى الاختناقات الاقتصادية في اقتصادات الدول العظمى والكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة؛ نلاحظ بصورة واضحة ان العالم يشهد خضات وهزات قوية؛ سوف تقود الى تغييرات عميقة واستراتيجية، تغير شكل العالم.. الولايات المتحدة تحاول بمختلف الطرق والوسائل ايقاف هذا التغير والتحول، او على اقل تقدير او احتمال ابطاء حركته، حتى يتسنى لها؛ ايجاد فسحة من الزمن للالتفاف عليه ومن ثم احتواءه لصالحها، في محاولة منها لإيقاف حركة تطور التاريخ هذه، ليس بالمعنى الميكانيكي، او بالطريقة التي تلغيه، بأفعال مضادة كابحة؛ لإيقاف حركته؛ لأن خبراء سياستها يدركون تماما ان هذا ضربا من ضروب المحال، بل، بأفعال ديناميكية؛ تفتح  بها، لها، طرق واتجاهات حركية في الاقتصاد والسياسية والتجارة والمال والاعمال، والشراكات في  هذه الصعد جميعها؛ بإيجاد بوصلة وخارطة طريق تفضي الى السيطرة على اتجاهات حركته في الحقول كلها وعلى مساحة العالم؛ لصالح بقاء، في هذه الحالة؛ هيمنتها الجزئية، بإعطاء هامش من المساحة للشركاء والحلفاء في صياغة وصناعة القرار الدولي على ان تكون هي في جوهر وصلب صناعة وصياغة هذه القرارات. بما يعني؛ تلبية حاجة التاريخ للتطور والتغير، طبقا لتفسيراتها ورؤيتها لهذا التطور والتغير. الولايات المتحدة الامريكية لم تغادر حتى اللحظة غرورها ونرجسيتها القاتلة لها مستقبلا، قبل غيرها، والتي لا ترى لأي تطور وتغير في العالم الا من زاوية نظرها هي لكل هذا الذي يحدث الآن في العالم، بالقفز على مشاكلها الداخلية، وعلى التقليص الجزئي لهيمنة الدولار حتى من اغلب شركائها في المنطقة العربية، وفي غيرها من مناطق المعمورة، ناهيك عن الصين وروسيا، وناهيك عن منظمة البريكس، وخطط هذه المنظمة باستخدام العملات الوطنية لدولها في التبادل التجاري والمالي والاقتصادي، ولو بدرجة قليلة في الوقت الحاضر، لكنه سوف يتوسع كما يعلن زعماء هذه المنظمة؛ الصين وروسيا والهند وجنوب افريقيا والبرازيل.. اضافة الى منظمة شنغهاي  واوراسيا. من ابرز واهم هذه الوسائل الامريكية، للسيطرة على التحولات التاريخية التي يشهدها العالم؛ هو محاصرة، او العمل على تطويق الدولتين اللتان تعملان، الصين وروسيا؛ على ايجاد الظروف والبيئة لتسريع عملية انضاج التحولات التاريخية والدفع بها الى السطح بزيادة عوامل انضاجها وسرعة هذا الانضاج على قطار التحول التاريخي و تدفع به ليتدافع؛ لأخلاء سكك السير لصالحيهما، مع قطار الكوابح الامريكية المركب على القاطرة الامريكية المتحركة بسرعة هستيرية على السكة المصممة امريكيا على اعتراض وتغير سير واتجاه قطار التحول التاريخي بالسيطرة على سكك هذا التحول التاريخي؛ لخدمة مخططها هذا. على هذا الطريق، تقوم امريكا بافتعال الازمات والمشاكل، مع الصين بالدرجة الاهم ومع روسيا بالدرجة الاقل مستقبلا والساخنة حاليا، والبالغة الخطورة عليها وعلى روسيا وعلى العالم ايضا، واقامة الشراكات والتحالفات مع الدول الاخرى والتي لها مشاكل ونزاعات ما، مع الصين؛ لتطويق الصين ومحاصرتها، واستفزازها. من ابرزها؛ هي قضية تايوان، بالإضافة الى النزاع في بحر الصين الجنوبي والشرقي. تعتبر الصين ان تايوان جزء من الاراضي الصينية طبقا للقانون الدولي وبالاتفاق مع الولايات المتحدة الامريكية في وقت سابق من القرن العشرين؛ عندما كانت الولايات المتحدة تتعاون مع الصين بالضد من الاتحاد السوفيتي، وحين كان هناك بين الصين والاتحاد السوفيتي، خلاف حدودي، والذي جرى حله، في وقت سابق من القرن الحادي والعشرين. لكن الولايات المتحدة تغيرت سياستها مع الصين منذ عام 2007فقد رأت ان التطور الصيني يشكل تهديدا جديا على مراكز قوتها وهيمنتها على العالم، ولو بعد عقود من ذلك التاريخ، وهذا هو الذي صار الآن؛ هاجسا امريكا يقض مضجعها، ويسبب لها القلق والخوف من هذا التطور في ظل عالم يتغير بتزاحم وتدافع عوامل وعناصر التغير لهذا العالم والتي هي اصلا، من طبيعة هيكلية هذا العالم، التي ما عادت هذه الهيكلية تستجيب او تلبي متطلبات هذه المتغيرات البنيوية والتاريخية والحاسمة في آن واحد لعالم اليوم. لذا نلاحظ هنا ان الصين منذ زمن ليس بالقليل؛ لها نشاط كبير في بحر الصين الجنوبي، ولم يثر هذا الاهتمام الامريكي، أو الخشية والقلق الامريكي من هذا النشاط، قبل سنوات كما هو الوضع الحالي، أو الاهتمام والقلق الامريكيين الحاليين؛ بما يجري في بحر الصين الجنوبي في الوقت الحاضر، كما انها (الصين) تعتبر تايوان جزء من الصين، وكما قلنا بدعم امريكي في الامم المتحدة في وقت سابق من القرن العشرين، وحتى لسنوات قليلة، لم تقم امريكا بما تقوم به في الوقت الحاضر من دعم لتايوان في مسار واتجاه يقود او ينتهي باستقلالها او على الاقل؛ لجم السعي الصيني بالعمل على ضمها الى البر الصيني؛ بأمدادها بالسلاح والدعم الاقتصادي والسياسي والثقافي، وتشجيع حكومتها بالتمرد على الصين؛ بإعلانها (امريكا) بانها لن تسمح للصين بضم تايوان بالقوة العسكرية وانها لن تقف على الحياد في هذا الصراع اذا ما اندلع في اي وقت. ان الصين من غير المحتمل جدا، ان لم اقل امرا اخر؛ لم تقدم على ضم تايوان بالقوة العسكرية في الوقت الحاضر، وفي الامد القصير، وما بعد القصير ربما بكثير، في ظل هذا التزاحم في الاحداث والحروب.. على الرغم من تصريح الخارجية الصينية مؤخرا؛ من ان الصين لن تقوم بضم تايوان بالقوة العسكرية، بل انها اي الصين تعمل سياسيا على عودة تايوان الى البر الصيني الام، الا اذا ما حدث تطور يتقاطع كليا مع هذه السياسة عندها سوف يكون للصين اسلوب اخر؛ والمقصود هنا بالتطور الذي قصدته الخارجية الصينية؛ هو اعلان تايوان الاستقلال او اي شكل اخر قريب من هذا التوجه حسب قراءتي المتواضعة لقصد الخارجية الصينية. القيادة الصينية تدرك ان هذا الضم وبهذه الطريقة لن يكون في صالحها، ويقوض من اندفاعاتها الاقتصادية الكبيرة جدا والواسعة جدا، هذا من جانب اما من الجانب الثاني فهي اي الصين لا تحتاج لهذا الضم العسكري وهي تعرف على وجه اليقين ان هناك في الداخل التايواني من يؤيد الانضمام الى البر الصيني الام، قوى واحزاب لا يستهان بها، ولها قوة وتأثير منتج في الشارع التايواني، لناحية نتائج الانتخابات في المقبل من الوقت، في تايوان. وحتى لو فازت الحكومة الحالية في هذه الانتخابات فمن المستبعد جدا ان لم اقل اكثر من هذا؛ ان تقم الصين بضم تايوان في الوقت الحاضر؛ لأسباب اقتصادية في اتجاهين، اولا خطط الصين في التوسع التجاري والاقتصادي في العالم، وما هو ذا صلة عضوية بهذا الجانب؛ الذي يتمحور حول التسويق الصيني لنفسها من انها تسعى الى حل النزاعات بالتفاوض وبالطرق السلمية، سواء ما هو يتعلق بها او بالنزاعات في العالم، وثانيا ما سوف تقوم به الولايات المتحدة الامريكية من تجيش للعالم اقتصاديا وسياسيا ضد مصالح الصين في العالم وعلى وجه التحديد في اوروبا وفي امريكا ذاتها؛ وتحطيم طروحات الصين؛ ببناء عالم خال من الحروب، يسوده الامن والسلام، والمنفعة المتبادلة؛ باستثمار تداعيات الضم الصيني بالقوة العسكرية لتايوان؛ اذا ما حدث وهو من الصعوبة جدا؛ ان يحدث، ان لم اقل اكثر من هذا. ان الدولتين العظميين، الصين وروسيا عقدتا شراكة استراتيجية، وعملا على تنميتها وتطوريها بجميع الاتجاهات؛ بنتيجة حاجتيهما لهذه الشراكة والتعاون، وليس الحلف العسكري على الرغم من ان روسيا تريده وتسعى إليها، إنما هي تدرك من ان الصين لا تريد هذا الحلف ان يكون واقعا على الارض؛ عليه فليس هناك في الافق اي حركة صينية في هذا الاتجاه او هذا المسار؛ ببساطة أنه لا يخدم استراتيجيتها، بل يتقاطع معها كليا. أما الحديث عن الحلف العسكري، بين روسيا والصين، او الحرب المقبلة مع الصين من قبل البعض من المسؤولين الامريكان؛ فهو من باب التخويف وشد الهمم وشحن العزائم لنخب الظل الامريكية، الصاحبة الحقيقية؛ في صناعة القرارات الاستراتيجية للولايات المتحدة الامريكية والتي تتركز؛ في زيادة الانفاق العسكري، وزيادة الانفاق في الاعمال المخابراتية لزيادة عدد الدول الشريكة او السائرة في الفلك الامريكي، بعد احداث التغيرات لأنظمة الحكم في الدول المستهدفة امريكيا، كما حدث مؤخرا في باكستان مثلا، وترسيخ وتثبيت الانظمة في الدول الأخرى التي هي اصلا ضمن النطاق الامريكي، مع وضع الموانع في تركيبتها السياسية والاقتصادية والعسكرية؛ للجم التفكير بالانفلات من القافلة الامريكية الدولية، او التقليل من التفكير بوضع احد اقدامها على الدرب الاخر المناوىء لها او المتنافس معها بالسيطرة على كل الدروب الكونية، والتوسع في الاحلاف والشراكات بين امريكا والدول الكبرى وغيرها من الدول التي تشكل طوقا حول مساحة التنافس، او الصراع، أو الصدام الانابي، بين امريكا من جهة وروسيا والصين من الجهة الثانية، الواقعة فعلا كما هو حال الحرب في اوكرانيا، او المفترضة والمتوقع الصراع فيها مستقبلا. في محاولة امريكية لأبعاد الصين عن روسيا او على الاقل التأثير على حجم وسعة وعمق الشراكة الصينية الروسية؛ تتوالى تصريحات للمسؤولين الامريكيين بأهمية التعايش السلمي والتنافس الشرعي والمشروع مع الصين؛ لتجنب الدخول في حرب باردة جديدة وكأن هذه الحرب ليست قائمة فعلا، وهي تغطية لحقيقة السياسة الامريكية اتجاه الصين بثوب ممتلىء بالثقوب الذي لا يحجب الواقع الموضوعي للصراع التنافسي بين القوتين العظميين الصين وامريكا وليس التعايش التنافسي السلمي. مؤخرا وفي تناقض صارخ مع واقع السياسة الامريكية هذه؛ تكلم المسؤولون الامريكيون عن اهمية التعايش التنافسي السلمي مع الصين؛ وزير الخارجية الامريكية، ووزيرة الخزانة الامريكية التي قالت قبل اسابيع من انه لا يمكن فصل الاقتصاد الامريكي عن الاقتصاد الصيني، وايضا وزير الدفاع الامريكي الذي طلب لقاء نظيره الصيني، لكن وزارة الدفاع الصينية لم ترد بالإيجاب، وطلبت من امريكا قبل السماح بلقاء الوزيرين؛ هو رفع العقوبات عن وزير دفاعها، حتى الآن لم تستجب امريكا لهذا الطلب الصيني. ان هذا لا يعني باي حال من الاحوال؛ تزكية للصين وروسيا، بل العكس هو الصحيح. إنما تغير النظام العالمي الحالي بنظام عالمي اكثر عدلا؛ يخدم دول العالم الثالث وحتى الدول متوسطة القوة..

***

مزهر جبر الساعدي

في المثقف اليوم