آراء

مزهر جبر الساعدي: قتال المأجورين.. سحب الروح الانسانية الى الهاوية

في معاينة للأبعاد الاستراتيجية للحرب في أوكرانيا؛ يلاحظ الفاحص لها بقراءة متمعنة؛ ان اطراف هذه الحرب لا تتواني عن استخدام او استثمار جميع ما يتيسر لها من عوامل الانتصار وكسر عنق الخصم؛ ليس الاسلحة كما ونوعا، وليس زحفها الى خارج حدود حركتها جغرافيا؛ في فتح اراض اخرى للمعارك فقط على شراسة هذه التطورات وخطورتها على العالم و على السلام العالمي، بل انها تشتري البشر بأثمان بخسة لزيادة زخم قوات القتال في ارض المعارك. امريكا تستخدم اسلوب شراء البشر للقتال من خلال شركات الخدمات العسكرية، وقد استخدمت هذه الشركات في غزوها واحتلالها للعراق، وتثبيت وجودها فيه لاحقا ولسنوات.. روسيا هي الأخرى استخدمت الشركات الخاصة بالخدمات العسكرية، وفي صدارتها شركة فاغنر للخدمات العسكرية. الرئيس الروسي بوتين صرح قبل ايام ان روسيا في صدد اصدار تشريعات قانونية تنظم قانونيا عمل الشركات الخاصة بالخدمات العسكرية. ان صراع امريكا وروسيا هو صراع مصالح كونية، او ربما مستقبلا بعد عدة سنوات، ربما لا تتجاوز العقد من الآن؛ صراع الصين وامريكا هو ايضا وبكل تأكيد؛ صراع مصالح ونفوذ. لذا، نلاحظ؛ ان هذه القوى الدولية ترصد مبالغ هائلة لتطوير قدراتها العسكرية كما ونوعا؛ لأثبات وجودها وهيمنتها في ساحات الحروب والصراعات الدولية. هذه الحروب والصراعات الدولية سواء ما كان منها في داخل البلد الواحد او بين دولتين في بيئة ملتهبة وساخنة بنيران فوهات البنادق والمدافع؛ تدفع الناس للهروب والنجاة بحياتهم الى ارض الله الواسعة بحثا عن الأمن والسلام والاستقرار. ان هذا القوى العظمى التي يحكمها او يتحكم فيها وفي استراتيجيتها؛ راس المال الذي يشكل وفي جميع الاحوال والظروف خارطة طريق لتلك القوى الدولية العظمى. لقد حوَلت هذه الدول التي تتحكم بمصائر الشعوب والدول الانسان الى اداة او الى سلعة معروضة للبيع والشراء ويتحكم فيها؛ العرض والطلب حسب مقتضيات حاجة الاسواق. الفرق بين سلع الاستهلاك التي يحتاجها الانسان في ادامة حياته او توفير وسائل الراحة والفرح وما الى ذلك من المعروض في الاسواق من السلع الاستهلاكية او غيرها من السلع المعمرة؛ هو انها تطور يخدم البشرية، ويفتح افاق رحبة وواسعة يطل الانسان من خلالها على عوالم جديدة، واكتشافات جديدة لخدمة حياة البشر وحيوية وألق ورونق هذه الحياة.. أما عروض الاسواق من البشر للاستخدامات العسكرية؛ فهذه الاسواق لها شروطها في البشر المعروض جهدا عسكريا للبيع زمنيا ومكانيا؛ من هذه الشروط وليس جميعها ان يكون عسكريا محترفا، او يتم اخضاعه للتدريب حتى يصبح محترفا، وقاتلا لا يرمش له جفن حين يقتل الناس حتى وهو لم يعرفهم في حياته. وليس دفاعا عن حدود وطنه، فاغلبهم قادمون من بلدان لا علاقة لها بهذه الحرب، او عن مباديء يؤمن بها؛ تهددها قوات الطرف المقابل بالسقوط والإمحاء من خارطة الوجود، بل انهم يقاتلون من اجل رواتب مغرية؛ يعيدون بها ربما صياغة حياتهم من جديد وعلى مسارات جديدة. لذا نلاحظ انتشار الشركات الخاصة بالخدمات العسكرية والتي يتم الاستعانة بها في حروب الدول العظمى، وفي العمليات التي في اكثرها تكون عمليات قذرة تقوم بها تلك الدول في غزواتها وفي اي من حروبها، الاستثناء الوحيد من تلك القوى العظمى ولأمانة الكلمة هي الصين حتى الآن، ربما بسبب الكثافة السكانية لشعوب الصين، وربما ايضا احالة سلوكها هذا للعقيدة الشيوعية التي تطبقها جزئيا في عدة وعاءات رأسمالية حاكمة؛ على واقع سياستها الاقتصادية والتجارية والثقافية والسياسية. ان هذا يؤكد بوضوح تام، لا لبس فيه ولا غموض، بل يجري الحديث عن هذه الشركات الخاصة بالعمليات العسكرية بصريح العبارة، وكأنها امرا طبيعيا، يقع في السياق الانساني؛ وليس تجليا قاسيا لوحشية الامبريالية الكونية، وسحقها لإنسانية الانسان، وتحويله الى مادة معروضة للبيع والشراء في عالم الاسواق الحرة. ان هذه الشركات اخذت في السنوات الأخيرة تنمو وتتطور وتتوسع مهامها، اكثر كثيرا مما كانت عليه حالها قبل عقود طويلة، أي ان وجودها في الماضي؛ كان محدودا ويقتصر على تجنيد المرتزقة  للقتال في الحروب.. بصورة محدودة جدا؛ عددا ومهاما واماكن انتشار في حروب دول المعمورة. أما في هذه السنوات الأخيرة فقد صار وجودها يأخذ الاطار القانوني؛ أي انها شركات تعمل في اطار القانون ومحميه بمحددات هذه القوانين، حالها حال بقية شركات المنتجة للبضائع التي تحتاج لها اسواق التجارة الحرة. ان هؤلاء البشر الذين يبيعون جهدهم البدني والعقلي ومهاراتهم القتالية، لقاء رواتب مغرية جدا؛ ليسوا قتلة ومجرمون عند خط الشروع في مقتبل حياتهم، بل ان واقع الحياة وانعدام فرص التطور والحياة التي نتج عنها حكما؛ انعدام فرص تنمية قدراتهم المعرفية، بمعنى اخر اكثر ربما اكثر وضوحا ودقة؛ ان خرائط الحياة التي انتجتها الامبريالية العالمية، سواء في بلدانهم النامية التي تتعرض الشعوب فيها الى استبداد انظمة الحكم المدعومة من القوى العظمى، او بسبب القتال والحروب الداخلية في بلدانهم، او حتى في البلدان المتقدمة؛ طردتهم هذه الخرائط من داخلها الى خارجها ووضعتهم على هامش الحياة. ان هذا الاقصاء من الحياة هو السبب في رغبة هؤلاء في البحث عن اسس او طريق به ومن خلاله؛ يصنعون لهم حياة ولو بعد حين ان كتب لهم فيها النجاة من هذه الحروب التي دخلوها طوعا من اجل صناعة حياة جديدة تليق بهم كبشر. ان هذا لا يعني وفي جميع الاحوال تزكية لهؤلاء وتبرئة لهم ولأعمالهم القتالية، بل ادانة لهم، ولكل من يبيع نفسه وجهده ومهاراته وعقله من اجل المال فقط، بصرف النظر عن ما يلحقه ليس من ضرر فحسب، بل بتصفية حياة لبشر لا يعرفهم وفي وطن ليس وطنه وفي حرب ليست حرب وطنه.. أو في حرب هي لتدمير وطنه.. بحسب المراقبون؛ ان روسيا وتركيا وامريكا؛ تقوم هذه الدول بتجنيد المقاتلين السوريين للقتال في اوكرانيا في خندقين متقابلين أي قسم الى جانب الجيش الروسي والقسم الاخر الى جانب الجيش الأوكراني. قسم في شركات خاصة للخدمات العسكرية والقسم الأخر وهو قليل جدا يعملون منفردين مع الجيشين اللذين يخوضان حربا ضروسا منذ اكثر من 500يوم. وبحسب المراقبون ايضا؛ يجري تجنيد المرتزقة للقتال في حرب اوكرانيا لصالح اوكرانيا من اوروبا وايضا من امريكا. الاعلام الغربي وحتى الاعلام الروسي يؤكد ان هؤلاء يقاتلون نصرة لأوكرانيا او نصرة لروسيا، وهذا امر غير صحيح بالكامل، انه خديعة اعلام ليس الا. أما الحقيقة فهؤلاء المرتزقة يقاتلون من اجل المال والمال فقط..  عليه؛ فأن هذه الشركات الخاصة بالخدمات العسكرية؛ تدفع او تضخ الى المجتمع الانساني عدد غير قليل من القتلة المأجورين؛ بعد انتهاء مهامهم القتالية، ورجوعهم الى المجتمع الذي جاءوا منهم. حتى لو امتلكوا المال وبدأوا حياة جديدة؛ فأن هذه الحياة من الصعوبة جدا؛ ان تكون حياة سوية.. هذا من جانب اما من الجانب الثاني؛ فهؤلاء سوف يكونون اداة جاهزة للبيع في ساحات القتال وفي ساحات خلق الفوضى والاضطراب في المجتمع الذي عادوا له؛ لمن يحتاج في استثمار مهاراتهم القتالية..

***

مزهر جبر الساعدي

في المثقف اليوم