آراء

مزهر جبر الساعدي: السعودية.. استقلال القرار الاقتصادي والسياسي

منذ عدة سنوات، والى الآن؛ تخطو السعودية، خطوات ثابته في المحيط الدولي؛ لتنظيم علاقاتها في الفضاءات الدولة. وهي تأخذ في هذه السياسية سواء الاقتصادية او السياسية مصلحتها في كل خطوة تخطوها بحسابات دقيقة وواضحة. بالتالي وبالنتيجة؛ تؤسس على قاعدة متينة وراسخة؛ للقرار المستقل في الاقتصاد والسياسة، من غير ان يقود هذا او يفضي الى خسارة اي من الشركاء الدوليين، سواء الشركاء التاريخيين (الولايات المتحدة الامريكية) او الشركاء الجدد (روسيا والصين) في عالم يسود فيه الاضطراب والقلق؛ لجهة المآلات النهائية التي سوف، مستقبلا؛ يكون عليها النظام الدولي، الذي أخذ منذ عدة سنوات؛ في التشكل لنظام دولي جديد. ان النظام الدولي الحالي المبني على القواعد والمعايير الامريكية والغربية، والذي كما يقول عنه المراقبون؛ من انه سوف ينتهي بانتهاء المرحلة الانتقالية هذه، التي تسود فيها؛ الاضطرابات والقلق والفوضى والحروب؛ ليترك الساحة الدولية؛ لنظام متعدد القيادات الدولية. ان السعودية في حقل الطاقة، وبالذات في حقل النفط؛ اتخذت القرار الذي يخدم مصالحها، ومصالح الدول الأخرى سواء العربية او الدول الأخرى، بصرف النظر عن مصالح الولايات المتحدة الامريكية؛ فقد خفضت انتاج النفط بما ادى الى ان تحافظ اسعاره على مستويات مقبولة، على الرغم من الطلب الامريكي في اتجاه زيادة الانتاج لخفض الاسعار. كما أنها قامت بتعزيز سياسة تنويع مصادر تسليحها، وتوطين البعض منه، لتتوسع في التوطين لاحقا؛ بخطوات اولية عدها المراقبون؛ قاعدة لانطلاقة جديدة؛ لتثبيت قرارها السياسي والاقتصادي المستقل، واستثمار منتج لصراع القوى العظمى في الوقت الحاضر ومحطاته الختامية. ومن الجهة الأخرى حافظت على شراكتها التاريخية مع الشريك الامريكي. فقد حضر في جدة، قادة امريكيون وسعوديون، وممن اشرفوا على المفاوضات بين الجيش السوداني بقيادة  البرهان وبين قوات الدعم السريع بقيادة  محمد حمدان دقلو والملقب بحميدتي، من اجل تثبيت وقف اطلاق النار في السودان، والذي لم يتم تثبيته نهائيا حتى هذه اللحظة، اي وقف دائم لأطلاق النار. لكن الجهود السعودية والامريكية مستمرة في هذا الاتجاه كما صرح بذلك الامريكيون والسعوديون. لقد اثنى الامريكيون على تعاون السعودية في هذا المجال. ومؤخرا تم عقد مؤتمرا موسعا؛ لمناقشة السلام في اوكرانيا في مدينة جدة، والذي ضم اكثر من اربعين دولة بما فيها اوكرانيا والصين الهند والبرازيل وجنوب افريقيا، الدول الأخيرة باستثناء اوكرانيا؛ وهي الدول المؤسسة لمنظمة البريكس، وهذه المشاركة من دول البريكس تحمل دلالات سياسية. مؤتمر جدة، لم يخرج باي نتيجة لجهة البحث الجدي عن الاسس لأجرى المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا. وبالتالي؛ المؤتمر لم تكن الغاية منه او غاية امريكا منه، والتي تعاونت السعودية معها من اجل عقد هذا المؤتمر؛ هو البحث الجدي عن الوسائل لدفع الجانبين الروسي والاوكراني للجلوس على طاولة التفاوض، ويظهر هذا واضحا في عدم دعوة روسيا الى المؤتمر، بل الغاية منه؛ هو لسحب دول البريكس من الموقف الحيادي الى موقف يدين العملية الروسية في اوكرانيا، ولو بصورة غير مباشرة، حسب المراقبون. أذ، ان المشاركة بحد ذاتها؛ هي تأييد ضمني لأوكرانيا، وبالتالي للسياسة الامريكية. ان الولايات المتحدة الامريكية؛ تعتبر منظمة البريكس؛ تهديد جدي ليس لها فقط بل لجميع مجموعة الدول الصناعية السبعة وحتى حلف الناتو، وخصوصا عزم وتصميم، هذه المنظمة؛ اصدار عملة جديدة للدول الاعضاء فيها، او اعتماد التبادل الاقتصادي والتجاري والمالي بين دولها على العملات المحلية، وبالذات اليوان الصيني. ان سياسة هذه المنظمة، مستقبلا، سوف تقوض سيطرة الدولار على الاقتصاد العالمي. أذ، ان هناك عدة دول تقدمت بطلبات الانضمام الى هذه المنظمة، من بينها المملكة العربية السعودية. ان السعودية لاحقا، ربما في الوقت المقبل القصير، سوف تنضم الى منظمة البريكس. اعضاء المنظمة، روسيا والصين والهند وجنوب افريقيا والبرازيل، رحبوا بها وبقوة. ان القيادة السعودية الحالية تدرك تماما التحولات الدولية المقبلة؛ فهي تستخدم جميع الاوراق من اجل مصالحها، استخداما ناجحا حتى الآن ومنتجا ومثمرا، من غير ان تقطع جسور التواصل مع الشريك الامريكي التاريخي.

***

مزهر جبر الساعدي

في المثقف اليوم