آراء

رشيد الخيّون: منتدى الشارقة.. المُنَاخ والسبْعُ سنَابل

كان «المُنَاخ» حاضراً في «المنتدى الدُّوليّ للاتصال الحكوميّ» بالشَّارقة (يومي 13 و14 سبتمبر الجاري)، تزامناً مع إعصار «دانيال»، الضَّارب «درنة» اللّيبيّة، بقسوة الزَّلازل والبراكين، مخلفاً خراباً على السُّكان والعُمران.

اختلطت في مأساة درنة كارثة الطَّبيعة بكارثة السّياسة. كان «دانيال» المارد الشَّاهد الحيّ، عندما بَحث المنتدى مخاطر المُنَاخ. تخضع البلدان كافة لمفاجآت المُنَاخ، أعاصير وزلازل ومجاعات، لكنّ ماذا عن الحصون المنيعة؟!

فالبشريّة تتزايد باطراد، وموارد اليوم ستنضب غداً، لهذا جاء شعار المنتدى «موارد اليوم ثروات الغد». بينما أنظمة تستخرج النّفط، وتوزعه رواتبَ وأجوراً، وفساد لا يترك أخضرَ ولا يابساً. تتصرف بـ«انفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»(المالكيّ، النُّخبة البهيَّة)! طرح المنتدى أفكاراً وأساليبَ، لمواجهة المفاجآت الكارثيَّة، مثل: التّحالف مِن أجل المُنَاخ، حماية الكوكب، الأمن الغذائي، وقُرئت «رسالةٌ مِن الأرض»، التي أخذت تضيق بسكانها، وتشح بمواردها.

كانت شجرة «القرم» (مخزون الكربون)، ومُحسنة للبيئة، التي لا تُكلف مياهاً عذبةً، حاضرةً في المنتدى. كذلك للعدالة حضورها بشخص القاضي الرَّحيم (فرانك كابريو)، فشغلت ذهني مقابلة محكمته بالمحاكم الثّوريّة، وشخصه بالقضاة المرتهنين للسياسة لا للعدالة. إلى جانب ذلك، أسترعى التفاتي، مِن المنتدى، الآتي: ما يستعان بالنَّص القرآني، خارج الحاكميّة الإلهيَّة، وما يتعلق بتفوق المرأة.

لا يتصور القارئ اللَّبيب أنّ أفكاراً تخص المرأة والمفهوم القرآني قد بُحثت، فالمنتدى لم يختص بالدراسات الدّينيّة ولا الاجتماعيّة، لكن ما رأيته غلب على تفكيري، عندما ألقت وزيرة التَّغير المُنَاخي والبيئة الإماراتيَّة مداخلتها، التي استهلتها مرحبةً بالقاضي الرّحيم، متحدثةً عمَّا سيتحقق العام القادم، وما عليه بلادُها مِن حاصلٍ ومؤمل، لمواجهة المخاطر المُنَاخيّة حتّى العام 2050، وما هو التَّناسب بين عدد البشر، وما يحتاجون إليه مِن غذاء، يوم ذاك.

دعت الثّقة والمعرفة، التي تكلمت بها، التّفكير بأصحاب عقيدة نقص العقل والدِّين، و«ولاية المرأة»، وفق الحديث: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» (ابن الأثير، جامع الأُصول)، مِن دون النَّظر إلى إصلاحات الملكة (بوران)، المقصودة في الحديث حسب شروحهم، معمرة القناطر، مُصلحة الأرض، ومخففة الضّرائب (الطَّبريّ، تاريخ الأُمم والملوك).

 وأردفُ بمثال النُّسوة، القادمات مِن مدغشقر، اللّواتي أنتجن الطّاقة الشّمسيّة لبلدتهنَّ، وقُدمن، في المنتدى، بعنوان «الطَّاقة مِن يد امرأة». الأمر الثّاني: ليس أكثر مِن الجماعات الإسلاميَّة استشهاداً بالآيات، اختاروا نصوص القتال والمواجهات، تاركين الصَّالحات لكلَّ زمان ومكان، تلك التي نسخوها بآية السّيف (البغدادي، النّاسخ والمنسوخ). كان عنوان مشروع القمح بالشَّارقة «سبع سنابل»، عبارة قرآنيَّة تنتصر للأمن الغذائي المطروح في المنتدى، «كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ» (البقرة: 261). لا يمنع أن تكون مرتبطاً بالقرآن، وتوظف المفردات الدَّاعمة لإسعاد النَّاس بالتّنمية، دون اختراع لنظريات يحاولون إطلاق مسميات دينية عليها، فالمعنى لا يقبل تنظيراً وتأويلاً، إنما تكفي دلالة اللّفظ «سبع سنابل»، ليكون عنواناً لحقلٍ، لا لحزب وصاروخ وكتائب، المشروع الذي أعلنت الشّارقة به الاكتفاء الذاتي مِن القمح: تزرعه وتحصده وتطحنه وتخبزه. أقول: كم بلادٍ، أرضها اشتاقت إلى اليابسة لغزارة الماء (رحلة ابن بطوطة)، وتجدها تستورد الطَّماطم، ويباع فيها غير تمرها، وهي أم النَّخيل، وكم بلادٍ قدمت المرأة، في إدارة ووزارة، لكنْ بجهادها الحزبيّ ضد حقوق بنات جنسها.

لا شأن لهم بالحقول والسّنابل، وما يُعمر الأوطان، كأنهم «مستأجَرِينَ يُخرِّبونَ دِيارَهُمْ/ ويُكافئونَ على الخرابِ رواتبا» (الجواهريّ، الوتري 1947). أقدم السُّؤال للمستأجرين المتنمرين على ثروات بلدانهم، ماذا أعددتم لمواجهة تحديات مثل إعصار «دانيال»، و«الاحتباس الحراريّ»، و«الجفاف»؟! أم أنّ نظريتكم الاقتصاديَّة: «انفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»؟!

***

د. رشيد الخيون - كاتب عراقي

في المثقف اليوم