آراء

برنارد كينديك: المؤسسات الاسترالية واسكات المعارضين للمذابح الجماعية

ترجمة: عباس علي مراد

عنوان المقال بالانكليزية

Australia’s institutional silencing of those who dare to object to mass slaughter

BERNARD KEANEDEC 21, 2023

Crikey

***

إذا تجرأت على التحدث علنًا ضد القصف الإسرائيلي لغزة في أستراليا، فإنك تخاطر بالتعرض للرقابة أو فقدان وظيفتك، لأن أي انحراف عن الخط المؤيد لإسرائيل يعتبر مشكلة.

إذا كنت تعرف أين تمكن مصلحتك، فلا تتحدث علناً في أستراليا ضد المذبحة الجماعية العشوائية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة.

لا تدعوا إلى العدالة والتوازن في التغطية الإعلامية. لا تدقق في ادعاءات المدافعين عن إسرائيل وإسرائيل نفسها.

 لا تذكر أن إسرائيل قد ترتكب جرائم حرب. لا تقولوا أن هذا فصل آخر في صراع أطول بكثير شهد فظائع وهمجية وعنفًا جنسيًا ومذابح من جميع الأطراف.

لا تشيروا الى أنه يجب الحزن على الأطفال الفلسطينيين الذين ذبحتهم القنابل الإسرائيلية بقدر الحزن على الأطفال الإسرائيليين الذين ذبحتهم وحوش حماس الفاسدة.

إن الرقابة التي فرضتها مؤسسة القناة التاسعة الأعلامية على الصحفيين كانت بمثابة ضربة خطيرة للصحافة الحرة.

وفي أحسن الأحوال، سيتم تصنيفك كمعاد للسامية، أو مؤيد للاغتصاب وقطع رؤوس الأطفال. إذا كنت صحفيًا أو عضوًا في البرلمان، فسوف تتعرض لانتقادات علنية من قبل قادتك. قد تكون وظيفتك مهددة، وقد تخضع للرقابة وقد تفقد وظيفتك.

لنأخذ على سبيل المثال رئيس وزراء نيو ساوث ويلز(من حزب العمال)، كريس مينس، الذي كان يدير عملية الدفاع عن إسرائيل. وبعد أسبوعين من فظائع حماس التي بدأت الهجوم الأخير، انتقد مينس نوابه لتوقيعهم رسالة تعرب عن دعمهم لفلسطين وطالبهم "بالتحدث بصوت واحد". كما هاجم مينس أنصار الفلسطينيين، وقال إنه لن يُسمح لهم بالاحتجاج والتظاهر، واشتكى من تكلفة مراقبة الشرطة بشكل مكثف لهم. كما وبخ مينس نواب حزب العمال الذين انتقدوا إسرائيل منذ ذلك الحين.

أيضاً، فقد هاجم مدراء وسائل الإعلام التجارية الأسترالية الصحفيين الذين دعوا إلى التوازن في التغطية. مؤسسة القناة التاسعة الأعلامية  تفرض رقابة على الصحفيين الذين وقعوا على رسالة مفتوحة تدعو إلى التوازن والدقة في تغطية الصراع، حتى صحيفة صحيفة الغارديان الأسترالية والتي عادة ما تكون أكثر وعياً وتوازناً انتقدت الصحفيين الذين وقعوا على الرسالة.

شركة نيوز كورب لم تكتفي بدعم المذبحة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل بصورة آلية فحسب، بل عملت جاهدة على تأطير أي شيء أقل من الدعم الكامل لإسرائيل باعتباره معاداة للسامية. وقد انخرطت في مطاردة أي شخصيات إعلامية فشلت في دعم إسرائيل بشكل كافٍ، وسخر أحد صحفيي نيوز كورب من " مدوني المومياء"  الذين يعبرون عن دعمهم لسكان غزة، وتشويه سمعتهم والقضاء على مصداقيتهم حتى يكونوا عبرة لغيرهم ممن قد يفكر في دعم الغزاويين وانتقاد أسرائيل.

أيضاً، الصحفيون من هيئة البث الأسترالية أي بي سي (ممولة من الدولة) الذين وقعوا على الرسالة المفتوحة تعرضوا لانتقادات، وقد قامت أي بي سي بطرد المذيعة ا أنطوانيت لطوف بسبب دعمها لفلسطين على وسائل التواصل الاجتماعي. وكانت لطوف قد شاركت في كتابة مقال ل"كريكي" أشارت فيها إلى عدم وجود أدلة على الادعاءات التي روج لها أنصار إسرائيل وشركة نيوز كورب بأن المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين هتفوا "بقتل اليهود بالغاز" امام دار الأوبرا في سيدني.

شكك في السردية المؤيدة  لإسرائيل، واخسر وظيفتك – حتى لو لم تكن تعمل كصحفي.

سلوك شركة نيوز كورب هو المعيارونموذج أعمالها هو الترويج للكراهية والانقسام والتظلم الأبيض. وتعتقد نيوز كورب إن صمت المدافعين المتعصبين عن حرية التعبير عن الهجمات على الصحفيين ليس مفاجئًا - فحرية التعبير لا تُستخدم إلا للضغط على شركة نيوز كورب، حتى ولو أدى دعمها لإسرائيل وتشويه سمعة منتقديها إلى المزيد من ذبح الفلسطينيين والخلق الحتمي لجيل آخر من الناس الغاضبين والمظلومين المصممين على الانتقام من إسرائيل، فذلك أفضل لأنه  يمكن استغلال الإرهاب كجزء من نموذج الأعمال. وقد رأينا ذلك في "الحرب على الإرهاب" الفاشلة، التي هللت لها "نيوز كورب" بحماس منذ البداية.

لكن سلوك وسائل الإعلام الأخرى وإن لم يكن بنفس القدر من التطرف، فكان يهدف أيضًا إلى تطبيع موقف غير انتقادي تجاه إسرائيل وتصوير أي شيء آخر غير الدعم على أنه إشكالي. لا يتعلق الأمر فقط بإقالة الأشخاص أو فرض الرقابة عليهم، بل يحدث بطرق بسيطة أيضًا. على سبيل المثال، ركزت الروايات المستمرة من وسائل الإعلام السياسية، وخاصة في صحف القناة التاسعة ، على كيفية انقسام حزب العمال بشأن غزة، وكيف أن هناك شيئًا إشكاليًا في أي شيء أقل من التوافق الكامل مع إسرائيل.

خطاب وسائل الإعلام الأسترالية عن غزة يكشف النضال من أجل الحقيقة في أستراليا، لنأخذ مثلاً تغطية تصويت الحكومة في الأمم المتحدة، إلى جانب 152 دولة أخرى بما في ذلك فرنسا وكندا ونيوزيلندا والنرويج وإسبانيا واليابان، للدعوة إلى وقف إطلاق النار الأسبوع الماضي فالعناوين الرئيسية لصحف القناة التاسعة في تغطيتها كانت هكذا "أستراليا تغضب إسرائيل بتصويت الأمم المتحدة المفاجئ على وقف إطلاق النار".

فقد ركزت تغطية صحف القناة التاسعةعلى ان تظهر للقراء بأن التصويت "لم يذهب إلى مجلس الوزراء للموافقة عليه"، "وكان بمثابة صدمة للعديد من كبار الوزراء" وأزعج بعض "المجموعات اليهودية البارزة". ونقلت آراء السفير الإسرائيلي على نطاق واسع، ومنحت السيناتور الليبرالي ديف شارما البوق الدعائي لنتنياهو مساحة لاتهام بيني وونغ(وزيرة الخارجية)  بـ "الاستسلام". كل ذلك من أجل دعوة لوقف إطلاق النار تتضمن المطالبة بالإفراج عن جميع الرهائن.

ثم أعقب ذلك مقال مفصل حول كيف كان القرار بشأن التصويت "سريًا" وانقسام حزب العمال، ثم مقال آخر ادعى أن حزب العمال "يتعرض لضغوط لاتخاذ موقف كموقف أقرب شركائه الأمنيين الدوليين" واتهام الحزب بعدم التحرك بشأن فرض العقوبات على حماس.وحتى نكتشف حقيقة تلك الادعائات كان علينا  أن نقرأ المقال إلى النهاية لنكتشف أنه كان يعيد تدوير نقاط الحديث لوزير خارجية الظل في الائتلاف سيمون برمنغهام، بدلاً من أن يعكس أي تصريحات أو "ضغوط" أو اتهامات من العالم الحقيقي.

لكنك فهمت الرسالة: أي شيء أقل من الدعم القوي لإسرائيل يمثل مشكلة، ويعكس المعارضة الداخلية ونتاج القرارات المتخذة سراً. فالطبيعي هو دعم إسرائيل دون أدنى شك. أما الأمر غير الطبيعي فهو التشكيك بأي شكل من الأشكال في الرواية الإسرائيلية، أو التعبير عن القلق بشأن مقتل 20 ألف فلسطيني (مع التحذير من أن هذا العدد "وفقاً لوزارة الصحة التي تديرها حماس في غزة"). أنسى، ذلك على مسؤوليتك الشخصية.

وفي ختام مقالته قدم الكاتب الكشف التالي: وقع برنارد كين على الرسالة المفتوحة في نوفمبر التي تدعو إلى تحسين التغطية للصراع بين إسرائيل وغزة، وفي عام 2016 زار فلسطين كضيف على شبكة مناصرة فلسطين الأسترالية.

***

 

في المثقف اليوم