قضايا

هل نبقى نجتر الخطأ في قيادة الدين؟

abduljabar alobaydiان البحث عن التأسيس القرآني للمجتمع الاسلامي كما تطرحه الفرق الاسلامية اليوم .. لا يعني مجرد اعادة انتاج مواصفات الحقبة النبوية بكامل مواصفاتها، وتنسى الموروث الثقافي لعصر ما قبل الاسلام، وليس بمقدور احد ان يلغي كل ذلك الموروث الثقافي الكبير الذي افرز لنا شعراء المعلقات، والادباء، ومجالس الملأ، واتفاقيات التجارة الدولية بين مكة عاصمة الحجاز والشام واليمن . فنتجاهلها بحجة المنتغير الاجتماعي نفسه . ان من وجهة النظر التاريخية يحتاج الى وقفة جدلية لمعرفة حقيقة التغيير.تتركز الوقفة على التحدي الفكري والعلمي لدولة جديدة طرحت فكرا يخالف فكر وعقيدة السابقين، أو قل أستمرارا للماضي بفكر جديد، فالعادة والعرف بقيا معترف بهما بنص مقدس، وهناك سورة قرآنية كاملة سميت بسورة الأعراف.لكن لا حد أنبرى لمعرفة فلسفة التوجه الجديد.، بعد ان مات صاحب الدعوة (ص) وتركها دون تثبيت.فجاءت الخلافة لتعلن أنقلابا على كل فكر جديد، وكأننا عدنا الى الماضي بثوبٍ جديد .

ان البحث عن التأسيس القرآني للمجتمع وحقوق النخبة المرافقة للدعوة من القرشيين، هو بحث بحاجة ماسة الى بحث ظاهرة ميلاد المجتمع الجديد، وأكتشاف القانون الذي يحكم الظاهرة، او الشكل العام الذي فرض على المجتمع العربي بقوة السيف والعقيدة معا .او الشكل العام الذي يفرض نفسه على كل مجتمع جديد .

لا يمكن ان ننشأ ذلك المجتمع المثالي الذي نريده مجدداً كما تدعي فرق السلفية اليوم، الا اذا استخدمت السنن او القوانين التي تُكتشف لمعرفة كيفية التأسيس وفقا لقوانين جاء به النص المقدس وطالب التطبيق، بعد ان فشلت كل المحاولات التي جربتها حكومات الدين . فهل كان العرب من الاهلية الفكرية والاخلاقية لقبول حركة التغيير عن طريق القبول بالاقناع وجدلية التفكير؟ تلك مسألة غابت عن الفقهاء والمفسرين والكثير من الكتاب المُحدثين ، فأستعاضوا عنها باجتهادات شخصية محدودة التنفيذ سموها مذاهب الاسلام، لكنها كانت قاصرة عن ادراك المسمى، والاجدر بهم كان يجب ان يسمونها مذاهب التفريق.

على الذين تزعموا حركة التغيير الاسلامي ان يفعلوا مثلما يفعل العالم الطبيعي في دراسة الظواهر بانقى اشكالها، وفي أكثر أوضاعها تحررا من أي تشويش، لكي يحققوا على الاقل الحد الادنى من النموذج الجديد، لاسيما وان الاسلام كعقيدة وتطبيق جاء بقاعدتين اساسيتين هما : لله المثل الاعلى، والاسوة الحسنة متمثلة في قائد الدعوة في التطبيق، لكن القاعدتين غابتا عن التطبيق.

أذن فنحن نختلف عن الذين يعتقدون بالعودة للقديم كما في السلفية (لان العودة عبر الزمن مستحيلة التحقيق).لكن التاريخ علمنا ان الدورة المنغلقة لا يمكن ان تدوم، وان الانسانية لابد لها ان تتعايش مع حركة التاريخ المنفتحة القابلة للتغييرلتنتهي حيث بدأت وتبدأ حيث تنتهي الى ما لا نهاية، ليخرج التغيير من الركود الى الحركة وأيمان الناس به ما دامت هناك حركة فهناك تقدم حضاري جديد.لان التاريخ لايعيد نفسه وأنه في تغير دائم، لأن صانعه هو الانسان في تغير دائم، هذا هو الذي لم يدرك منهم ...لا سيما وان الاسلام نشأ حنيفياً اي متطورا ليس كما كان في آبائنا الاولين، المؤمنون 24. اذن لا مجال للانصياع الأعمى والتقديس.لكنهم أصروا على نظرية الخطأ، فتوقفوا مكانهم دون حراك. واليوم يعود المسلسل من جديد...؟.

علينا ان نُعرف القانون الذي يحكم الظاهرة والذي يفرض نفسه على ميلاد كل مجتمع جديد. لنتمكن من ان نستخدم القانون لمعرفة شروط قيام المجتمع والتحديث.فالعرب قبل الاسلام لم يكن عصرهم جاهليا بمعنى الجهل، لكنه كان جاهليا بمقياس معرفة اصول الدين الجديد الذي فرض عليهم الحقوق والواجبات دون رضا اوقناعة التحقيق في بداية التغيير .لذا ظل الأعتقاد عندهم بين الشك واليقين.

وسط هذا التغيير المفاجىء للمجتمع العربي، ظلت الأدبيات الاسلامية تطرح علينا الاسلام عقيدة وسلوكا دون ان تدخل في العمق الفلسفي للدين. فحاولت تطبيق اطروحات عدتها اطروحات اسلامية وهي ما كانت بمستوى العمل والنظر من اصول الدين، مثل أطروحة القضاء والقدر، والحرية، ومشكلة المعرفة، ونظرية الدولة، والمجتمع والأقتصاد والديمقراطية، وتفسير التاريخ، بحيث ينتج عن ذلك فكر اسلامي معاصر، يحمل كل مقومات المعاصرة في التحديث والتطبيق، وتبقى العقيدة سليمة دون تشويش.لكنهم مع الاسف فشلوا ولم يعترفوا...؟

من هنا ظل الفكر الاسلامي يعاني من المنهج العلمي الموضوعي في التطبيق، وظل يعاني من مسألة الفلسفات الانسانية الاخرى وعدم التفاعل المبدع معها، وظل يعاني من عدم انتاج نظرية اسلامية في المعرفة الانسانية في التطبيق، فحل فيه التفكك الفكري، والتعصب المذهبي، واللجوء الى مواقف فكرية مضى عليها الزمن واصبحت تاريخ .وخاصة في ظل حكومات كان همها السلطة وليس الانسان او أصول الدين.

ونحن نقول للذين يعتقدون بتفضيل مسلم على مسلم بحجة الفِرقة او الطائفة متخذين من المواقف السياسية حجة في الفشل عليهم ان يراجعوا جدلية التغيير، لان المشكلة في الفلسفة الكبرى هي تحديد العلاقة بين الوجود في الاعيان، وصور الموجودات في الأذهان، لذا من العبث التفضيل.

لقد حكمت الشيعة باربع دول منذ القرن الثاني للهجرة ولم تستطع ان تحقيق متطلبات المجتمع الاسلامي الذي جاء بنظرية التغييرفي العدالة والحقوق، وخاصة في الحقوق الفردية وحقوق المرأة مثالا صارخا على تحدي انسانية الانسان في الحقوق.وهي الدولة المهدية في المغرب، والفاطمية في مصر، والخوارزمية في أيران، والدولة البويهية في العراق، والتي تركت لنا تحديات كثيرة للفكر والمذهب والمنهج والمدرسة ولم تضع الحلول. فيما يسميه المرحوم السيد محمد باقر الصدر(بالحاجة التاريخية) بعد الغيبة التي عبروا عنها بالأصول، فضلت دون تحقيق .

وحين سقطت الدولة البويهية في 434 للهجرة حلت محلها الدولة السلجوقية السُنية التي افرزت لنا الماوردي ونظرية الخلافة المطاعة دون شروط، والغزالي ونظرية الضرورات تبيح المحضورات، وابو المعالي الجويني وابن تيمية واخيرا محمد بن عبد الوهاب والنظرية الوهابية المتجمدة عقلاً وفكرأ والتي أفرزت لنا القاعدة وكل الفكر السلفي الذي الغى الزمان والمكان والتاريخ واسقط العقل للهروب من تحديات العصر الحديث .

كل هذه الدول التي قادها الفكر السلفي فشلت هي الاخرى في التطبيق واخرها دولة الخلافة العثمانية التي جنت على المسلمين اكثر ما جنت على اعدائها من غير المسلمين. وبعد ان اصبح النص الديني المقدس لا يشكل المعيار الوحيد للسلوك السياسي، وما دروا ان موازين الحق وعدالة القانون هي الاساس في التغييركما جاءت في رسالة محمد(ص). وهكذا قامت الدولة الأسلامية تحكم بالخطأ والتزييف الى اليوم دون تغيير.متناسية ثبات النص المقدس وحركة المحتوى في التفسير حين اعتمدت التفسير اللغوي الترادفي الخاطىء في معاني القرآن الكريم وتركت التأويل بنص الآية 7 من سورة آل عمران، فاماتت كل صحيح..

لذا من يعتقد بتفضيل فِرقة على اخرى في حكم الاسلام فهو واهم، فالمشكلة كانت سياسية منذ بداية الدعوة والتغييروليس في حقوق الناس كما طرحها التنزيل الحكيم وكما يقول التوحيدي: (ما سُلَ سيفُ في الاسلام مثلما سُلَ على الخلافة) .اذن اين الحل ...؟ الحل يكمن في أهمية التجديد والتطبيق بوعي فلسفة التغيير...وأهمية ان تكون للمشروع الاسلامي جدية على مستوى النظر والعمل في حقوق الناس دون تفضيل، اخذين بظروف العصر في التغيير، وهذا ما أدركته الديانات الأخرى واستطاعت ان تشق الكفن نحو عالم التحديث، فأنتصرت على الكنيسة ورجال الدين فكانت بدايات التقدم في المجتمع الاوربي دون تفضيل.

أما نحن المسلمون اليوم فلا زلنا نواجه مشكلة لا نعرف لها حلاً، ولم تواجهها دولة من قبل، وهي حاجتها الى التعايش مع دستور شرعي محكم لا يعترف بشرعية الدولة اليوم في أحتكار السلطة، والثروة، والمعرفة، وتصفية الخصوم السياسيين. وكان عليهم ان يتعلموا الدرس من اصول الاسلام الصحيح الذي ما عرفه المسلمون قط. فليس من حقهم ان يدعوا الاسلام وهم عنه بعيدون، لأنهم والاسلام الصحيح على طرفي نقيض..؟ قأسلامنا اليوم هو ليس اسلام محمد (ص) بل اسلام الفقهاء الجديد .

اذا لم نلتزم بهذه الشروط سيبقى المجتمع الاسلامي بكل مذاهبة المنتهية الصلاحية اليوم دواء منتهي الصلاحية في الشفاء من المرض الخطير.

الموضوع مطروح للنقاش بحيادية العلم والدين....؟ .

 

في المثقف اليوم