قضايا

الإعدام جزاء من جنس الجريمة!! (1)

hamid taoulostرغم أني ضد عقوبة الإعدام ولم أكن قط من مؤيدي الحكم به على أي شخص، وأعتبره سالبا للحياة التي لا حق لأي كان في أخذها إلا خالقها الرحيم بأرواح عباده من البشر وباقي المخلوقات، حرصا ربانيا عظيما منه سبحانه على حياة خلقه، بموجب قوله تعالى "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق"، الحرص الذي يعززه نبيه، صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "والله لحرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمة بيته الحرام"، ولكني أرى أن إباحة الإسلام للإعدام، وإجازة الحكم بعقوبتها في حالة القصاص وجرائم الحد، لم يكن إلا من أجل حياة المجتمع وسلامته من أن تحاصره الجرائم من كل جانب فتقتله، والله يريد الحياة للمجتمعات لا موتها ولذلك خاطب المسلمين جميعهم، بقوله سبحانه وتعالى: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " وذلك لأن المجتمعات التي تتهاون في زجر مجرميها، مجتمعات هالكة لا محالة، ولذلك سن القصاص "عقوبة الإعدام" كجزاء من جنس جريمة قتل النفس بغير حق بدليل قوله عز وعلا "يَا أَيها الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى "البقرة 178، ليردع بها الجناة، ويستقيم المجتمع، ويُحافظ فيه على "حق الحياة" التي يعتبر الإسلام إزهاقها، قتلا لجميع الناس كما في كتابه العزيز: "ومن قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً" المائدة: 32، صدق الله العظيم..

ورغم إجازة تطبيق عقوبة الإعدام، التي لا يجوز انزالها إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة، وقاض نزيه ومفت عالم بالحدود، فقد نص سبحانه وتعالى في مواضيع كثيرة من كتابه الحكيم، على إمكانية العفو والتصالح في عقوبة الإعدام الذي قد يجوز في جرائم فردية، لما فيه من أمن وسلم مجتمعي مصداقا لقوله تعالى: "فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ " لكنه في أحداث كبرى فيها الكثير من المجازر، كحادث محمود رمضان الذي قتل الأطفال سيدي جابر بإلقائهم من أعلى إحدى العمارات، وغيرها الكثير من أحداث القتل والتنكيل بالأبرياء لا تتوقف دوامتها في مصر، لترويع الأبرياء واستباحة دمائهم بدون حق، والتي يصبح الحكم فيها بالإعدام، ضرورة ماسة وملحة، ولها ما يبررها مصداقا لقوله تعالى : "فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ "البقرة، لأن الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان ، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً وعلى الدولة أن تحمي هذا الحق بالقانون، الذي يصبح تطبيقه في مثل هذه الحالات من الضرورات الماسة والملحة، التي عبر عنها شكسبيري بقوله :"نكون أو لا نكون" .-يتبع-

حميد طولست

في المثقف اليوم