قضايا

الإهداء الى الحكيم لقمان

اذا أردت البحث عن مفهوم كلمة امساكية في المعجم، ستجد ان هنالك كلمات مختلفة في البناء، متقاربة في المعاني، مثل تمسك واستمسك وأمسك واستمساك، وكل هذا الاختلاف يشير بحسب القرائن الى اهمية توجيه وإرشاد الحواس والمشاعر بغية اتباع او إتقان مباديء ضبط النفس الانسانية وتدريبها وتوجيهها فيزيائيا وذهنيا.

ان عملية السيطرة على السلوك، يحتاج او يتطلب معرفة وإدراك او تعلم اللغة الصحيحة للتعامل مع الذات اولا، ذلك يجعل الانسان مؤهلا اومستعدا للتعامل الحسن مع الاخرين، لذلك لو تأملت في قوله تعالى:: (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)(1). لوجدت ان عملية تغيير وبناء اي مجتمع من المجتمعات، يبتديء بإصلاح الفرد لذاته، اي تهيئتها وإعدادها لتعلم لغة الالتزام بشروط الامكان الاستعدادي للصلاح والإصلاح.

ان مفهوم الإمساك ليس مفهوما رمضانيا فحسب، بل انه عملية إرشادية أخلاقية تعبدية تهذيبية متكاملة، تحتاج الى تعلم مبادئ الانضباط، علما ان التعلم هو مسالة إصلاحية، بل أخلاقية كما يقول الفيلسوف إيمانويل كانت، كونه يحتاج الى صبر لغرض تزويد العقل بطاقة تودي الى تزكية النفس والارتقاء بها.

الإمساك يبتديء بمراقبة النظام الغذائي والغرائزي الحسي اولا، بمعنى التحكم بالميول والأهواء والرغبات، ما يتطلب تجهيز عالم الذات او او إمداد فراغه بطاقة روحية، هذه الطاقة ترتبط بقوة اكبر منها، تلك القوة تمتاز بالعلو والرحمة والمحبة، وتلك صفات الله تجدها وانت تقرا في دعاء البهاء في مفاتيح الجنان( اللهم اني أسالك من بهائك بابهاه وكل بهائك بهي)(2)،وتستمر هكذا الى نهاية الدعاء.

والبهاء في المعجم يعني الحسن والمجد والجمال والإشراق، وهذه الموازين لا يمكنها ان تحل في المعدن اوالوعاء القبيح، بل في الوعاء الحسن و النبيل، اما عملية خلق هذا الوعاء، فيحتاج الى جهود وتمارين شائقة تتطلب وقتا وصبرا.

وغاية الصيام هو الوصول الى بناء شخصية متماسكة تجمع بين قابلية المخلوق وفاعلية الخالق

فالقابل محدود والفاعل ممدود.

فالشافعي هذا الشاعر البليغ العالم المتعفف الانسان الحكيم تراه بجمع في ذاته بعض صفات ألله وكمالاته،

هو يختم القران عشرات المرات في شهر رمضان، ويعلم تلامذته عبره ومن خلاله دروس والبلاغة والعروض والنحو، ناهيك عن كنوزه الاخرى تلك التي تحثنا جميعا ان نتعلم منها عبرا ودروسا على نمط لقمان الحكيم، ويوسف الصابر العالم الجميل الممسك.

فامساكية رمضان تمثل الطريق الى اعادة ترميم النفس بغية الارتقاء بها، بعد أعدادها بشكل يتناسب مع شروط الشخصية القادرة على تحمل أعباء الصبر والعفة والعلم والزهد والأخلاق.

عقيل العبود

..................

(1) سورة الرعد اية 11.

(2) دعاء البهاء مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمي.