قضايا

في تجنب سلطة الدين واشكالياتها الخطيرة

akeel alabodلقد قرر صاحبي ان يشيد مسجدا بلا مصلين، وان يصنع منبرا بلا مذياع اومايكرفون، وان يستحضر خطبة خالصة يعدها لنفسه بعيداعن أهواء الآخرين وتطلعاتهم، لعله يستكمل ما يجب استكماله بحسب قوانين الصدق وضبط النفس وتدريبها للإصغاء الى هفواتها وعيوبها أملا في تطهيرها من الادران.

خير الدين هو دين الفطرة المقدس، وخير العلم هو علم الأخلاق والحكمة، وخير اللغات هي لغة العرب التي وردت خالصة بلا شوائب في كتاب سماوي يجمع كل الأديان.

لقد صارت سلطة الدين ليس وسيلة للترهيب فقط، بل للترغيب أيضاً، فهم يستعملون الأحكام وفقا لاستنباطاتها الفقهية، فيضيفون عليها حديثاً هنا ومروية هناك ليتم الإدلاء بها تحت يافظة تحكم الناس باسم الحلية والحرمة والاستحباب.

اما الاستحباب فهو الفضاء الذي به يتم تصنيع المبالغات وتشكيل ما يتم الاتفاق عليه من الأحاديث والروايات لجعل المتلقي بعيش تحت شروط الإذعان لما يتم الإدلاء به والترويج اليه.

وبهذا يجد التابعون أنفسهم تحت احكام من تم تسليطه عليهم ليس غصبا بل تضليلا.

فلصلاة الجمعة مثلا بركات ودرجات غير بركات ودرجات باقي الأيام، فهي بحكم الشارع المقدس تم تقريرها لاجتذاب المصلين ليصطفوا هكذا بكل ما أوتوا من مشاعر وعقول للإصغاء لما يقوله الامام.

هنا بين سلطة الامام وخضوع القائمين على الصلاة، تقف نقطة واحدة وتلك تكاد ان تكون أقوى مما هو متفق عليه بحسب العامة، وهي سلطة الوعي العام، تلك التي لم تخضع لاستنباطات اواحكام شرعية باعتبار انها جزء من منظومة الأخلاق والضمير.

فان كان خطيب المنبر اوامام الجماعة بليغا فصيحا صاحب أخلاق وثقافة قبل ان يكون متدينا اودارسا في حوزات ومدارس العلوم الشرعية، ستكون خطبته جزء من مساحة الخطاب الواجب مراعاته وفقا لما يتم استحسانه اواستقباحه ذلك بحسب قاعدتي الحسن والقبح العقلييين، بلا حاجة الى البحث عن احكام المسائل وملابساتها التي تختلف وفقا لفتاوى الفقهاء تارة، أوالمذاهب الفقهية تارة اخرى.

والمسالة هو انه بعد ان صار الدين جزء من مصالح السياسات التي يتم اداراتها بفعل القائمين عليها في هذا العالم الممتد وبعد ان اختلطت لغة هذه المصالح مع صبغة الفتوى، صار على الناس ان يبحثوا عن طريق اخر غير طريق هذا الذي اختلطت أنفاسه بأنفاس المتربصين، اي ان يتحرروا بعقولهم ومشاعرهم، وخير طريق الى ذلك هو اتباع دين الفطرة القائم على لغة المنطق والعقل.

ولو ان هذا لا يراد به منع الآخرين من الاستفسارات الخاصة بأحكام العقود المتعلقة بأمور الزواج والطلاق وإبرام الاتفاقيات والعلاقات التجارية وطرق استثمار رؤوس الأموال تجنبا للربا والسحت الحرام.

اذ الامرالملزم هنا حصرا هو الابتعاد عن تعقيد هذا الذي يدبر الان له بغية إيقاع العالم في فخ ما يسمى أوهام الاختلافات والنزاعات المذهبية والدينية.

في المثقف اليوم