قضايا

حول تحريم الصدر لحفلات شباب "بغداد بارتي"

alaa allamiهل ثمة فرق بين العقلية التحريمية والأخرى التكفيرية؟ نعم، ثمة فرق، فليس كل مرتكب للمحرم كافر "كفرا بوحا" كما يقول الفقهاء، إنما يمكن أن نقول: إذا تحول التحريم إلى عقلية ونمط تفكير خاص بشخص أو جهة معينة، فهو الطريق الأقصر نحو ترسخ وتفعيل العقلية التكفيرية بسبب التلازم والتشابه المضموني والمصدر الديني الواحد للتحريم والتكفير.

مناسبة هذا الكلام هي الفتوى أو إن شئنا الدقة "الرأي الديني" فليس من حق رجل الدين الشيعي من درجة "حجة الإسلام" أن يفتي ، الذي أصدره السيد مقتدى الصدر، والذي مفاده أن الحفلات المسائية التي يقيمها شباب بغداد وغالبيتهم من الطلاب الجامعيين، ضمن ما بات يعرف بحفلات " بغداد بارتي" والذي اعتبر فيه هذا النشاط (حرام، وممنوع، ومخالف لأعرافنا) وقد طالب الصدر الحكومة التعامل مع هؤلاء الشباب بالقانون. وإذا ما علمنا أن هؤلاء الشباب أعلنوا منذ البداية أنهم يهدفون بحفلاتهم هذه إلى تحدي التفجيرات الإجرامية التي يقوم بها تنظيم "داعش" التكفيري (وهذا التنظيم - بالمناسبة- لم يترك نشاطا جميلا ومشروعا في حياة الناس في مناطق سيطرته لم يحرمه ويعاقب مرتكبيه بالعقوبات البدنية الوحشية)، ويحتجون فيها على انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، وهربا من حر الصيف والأجواء الخانقة في البيوت، وإذا ما علمنا أيضا أن هؤلاء الشباب، وفي حركة استباقية على ما يبدو ، لما قد يفكر به ذوو العقلية التحريمية، قرروا منع تناول المسكرات الكحولية في أمسياتهم، إذا ما علمنا كل هذا سنعرف حجم الظلم وسوء الفهم الذي أوقع عليهم وعلى نشاطاتهم البريئة والنظيفة والحضارية هذه.

أما دعوة الصدر الحكومة للتعامل معهم بموجب القانون، فليرشدنا سماحته إلى القانون الذي يمنع الناس من القيام بنشاطات ترفيهية وفنية في القانون العراقي أو غير العراقي ( باستثناء الدول الدينية القديمة والمعاصرة والتي كادت تعتبر حتى الشهيق والزفير حراماً وفسقا)، وماذا سيحدث إذا لم تتدخل الحكومة وتقمع هؤلاء الشباب لعدم وجود قانون تحريمي يبيح لها ذلك، هل سيأمر السرايا المسلحة التابعة لتياره بالتدخل، أم يطلب من الكتلة الصدرية اقتراح مشروع قانون تحريمياً كهذا على مجلس النواب؟ ولماذا هذا التعامل التحريمي مع هذه الأنشطة بدلا من تطويرها ودعمها لتكون في سياق أكثر فائدة ومردودية ثقافية ومعنوية بهدف رفع التحدي و ردود الأفعال المقاومة ضد الهجوم التكفيري الذي يتعرض له العراق وشعبه؟

يقال - والشيء بالشيء يذكر - أن الزعيم السوفيتي الراحل يوسف ستالين، قرر ليلة صد هجوم العدو الألماني النازي على العاصمة موسكو أن يدعو السكان إلى الخروج الى الشوارع والقاعات والمسارح الفنية وإحياء حفلات الغناء والرقص تحديا للعدو! نستذكر هذا المثال ردا على من سيقول: ولماذا لا يذهب هؤلاء الشباب الى جبهات القتال في الأنبار بدلا من الغناء والرقص في شوارع بغداد، فهذا القائل ينسى أو يتناسى :

- أنه هو نفسه لم يذهب إلى جبهات القتال.

- و ينسى أن الحروب لا يشارك فيها الناس كل الناس.

- و أن القتال لا يكون بالبنادق فقط.

- و أن التحريم هو الطريق السالك نحو التكفير.

- و أن التكفير هو دعوة مباشرة لقتل المختلف والمخالف في أيامنا هذه!

- سؤال أخير: لو حدث المحذور، ضمن ظروف العراق المتوترة أمنيا وطائفيا، واستهدف أحد التكفيريين أو المتعصبين دينيا هؤلاء الشباب المحتفلين ببندقية رشاشة أو عبوات ناسفة وقتل عددا منهم، فكيف سيكون رد فعل أولئك الذين أصدروا أو أيدوا فتوى أو توجيهات التحريم الديني هذه؟

 

علاء اللامي*

 

في المثقف اليوم