قضايا

هندسة التمازج التعبيري للصورة باعتبارها لغة هندسية وروحية وفنية

akeel alabodالكتابة، اوالرسم، آواي نشاط، او تعبير فني، يعد هندسة روحية يمارسها الانسان، عبر ارتباطه مع مشاعره وعقله. فهي فكر، وانتماء، ولون، وهوية، بل هي طقوس لها علاقة بكيان الانسان نفسه، اي بحقيقته التكوينية.

وهذه المفردات تجمعها مقولة واحدة وهي الصورة، اما الصورة هذه، فهي اما لقطة، اي مشهد بمعنى لغة حسية؛ ينتجها الحس، اوعقلية اي من صنع العقل.

هي تشبه اي شكل تصنعه مراة الانسان، وهذه المراة هي واحدة في حقيقتها، لان الحس والعقل، يعملان في ان واحد، وفي اتجاه واحد، فهما يتناغمان لصنع هارمونيا سلوكية تجاه ذلك المشهد اوتلك اللقطة، ولا يمكن فصلهما.

ان الصورة التي يراها الانسان في الواقع، يتعامل معها على شكل هيئة اخرى، ذلك بعد حالة الانصهار معها وتحليلها سلوكيا، فهو يأخذ بصمة الصورة، على شكل استنساخ حسي وعقلي فيضفي عليها، استجابته السلوكية، علما ان لكل كائن عقلي مصنع شعوري معين، هذا المصنع هو البوصلة والمكان الخاص لترتيب هندسة وهيئة الصورة بشكلها الجديد.

ان هذه البصمة حسية يصنعها مزاج الانسان، اي بعد ان تتشكل علاقة تناغمية تتجاذب فيها ذاته؛ حقيقته الوجدانية، مع ما يراه اويحسه، وقد تأخذ بالرفض تارة، وبالقبول تارة اخرى. هذا التعامل هو تعبير انطباعي، تصوري، تفاعلي، وقد ياخذ منحى إيجابي، وآخر سلبي.

فهنالك مثلا امرأة شريرة تتحايل لتجميل الحقيقة الباطنة وإخفائها عن طَرِيق الظاهر، ما يجعلها جذابة لدى البعض ، وهذا هو المنحى السلبي، وعكسه، هو انه ربما امرأة اخرى، تبدو غير جذابة بمنظرها العام، بملامح وتعابير وجهها وكل شيء في مظهرها الخارجي، بل حتى سلوكها يبدو بنظر العامة غير جميل اوقبيح، لكنها في حقيقتها بريئة، ونقية السريرة، وهذا لا يتم اكتشافه الا من خلال الملاحظة والتجربة العملية، فالحس والعقل يعملان هنا خارج مدار الصورة، ما يسمى سعيا لاستكشاف الحقيقة الجمالية عن طريق الملاحظة التعايشية العملية، ويسمى إيجابيا لانه يتطلب طاقة وجهد عاليين.

و قد ياخذ التعبير عمقا حسيا ليترك اثاره لدى صاحبه، ما يجعله مأخوذا بحسن معشوقته، ليؤلف شعرا وصفيا غزليا للتعبير عن جمالها، أوقد يعزف لحنا موسيقيا لأجل صورتها الجميلة، وهذا يعد شكلا تمازجيا من أشكال التعبير، فهو في تركيبته الحسية يشبه عملية الخلط الفني للاصباغ والالوان التي يتعامل معها الفنان، الذي يبحث عن رسم صورة لمظهر يؤرقه، ما اسميه التعبير الموناليزي نسبة الى لوحة الموناليزا لدافنشي.

فالتعبيرية تأليف وتمازج روحي وعقلي، وهو يعد من انواع الهندسة الروحية والفنية ، ودرجة تاثيره لدى القارئ يشبه في مداره الحسي مقدار الميل الذي يصنعه خط مائل عند لحظات تقاطعه مع خط الأفق.

ففي ساعات التأمل الدقيق يكتشف الكاتب اوالفنان ان هنالك اشكالية تستحق التفكير بدقة متناهية، وهذه هي الموجات الروحية التي تربط صاحب الفكرة بالفكرة، ليرى نفسه انه كان قد استخدم مشاعره وأفكاره المتماوجة في لحظة لهاعلاقة بميل زاوية حادة من الزمان، اقصد زمان الخط الواصل بين وجود الصورة وسريانها الحسي والعقلي.

ومن الضروري الإشارة الى ان هنالك حواجز واجواء وصور ومؤثرات تساهم في تحقيق شكل اخر للصورة الحقيقية اوالمبتغاة.

هنالك حيث يقترب الخط العمودي من الأفق، تكون درجة الظل الحاصلة بفعل الخطين المتقاطعتين، هي نفسها عبارة عن مساحة الأفكار التي تحمل بين ملامحها ذلك الامتداد الفيزيائي من الشعور، بكل ما تحتويه كلمة الشعور من مخزون فكري وأخلاقي ولغوي.

فإذا أردت ان تكتب مقالا يتعلق باستغلال السلطة للجماهير مثلا، أوترسم لوحة عليك ان تلتقط صورة تقرب الشكل البشع لهذا الاستغلال الى المضمون الحقيقي لمعنى الاستغلال، لان العقل لا يستطيع ان يرسم صورة الاستغلال بشكل مستقل، فيعتمد على القرينة اللغوية وفقا الى التعبير الشفوي السلبي، ليصنع معنى تمازجيا لموضوع الاستغلال وهكذا بمعناه ومضمونه الدقيق.

فالموضوع اي كان يشبه في تشكله الشعوري ملامح هندسية معينة، ومشاعر ألانسان يحركها خط يشبه ذلك الامتداد الواصل بين فكرة الموضوع ودرجة الشدة، اي تأثير الموضوع في نفسه.

فإن كان الكاتب مسترخيا عميق التامل سيكون انفعاله اقل، وزاوية الميل اي انفراج الخط اكبر، ما يجعل التصور والانفعال، اي التمازج يأخذ ابعادا اخرى في التامل ما يسمى الانحدار، اوالاستكشاف، وهذا دائما ينسجم مع صاحب المزاج الهادئ، وانا اسميه المزاج التولستوي، اوالماركيزي، نسبة الى تولستوي صاحب رواية الحرب والسلام، وماركيز صاحب مائة عام من العزلة، باعتبارهما اي الاثنين، نموذجين مناسبين يحملان في خيالهما براعة ودقة في التامل التصوري، ما جعل موضوعهما اكثر عمقا وأكثر تاثيرا .

 

عقيل العبود

 

في المثقف اليوم