قضايا

عطا يوسف منصور: المجاملة والمُحاباة

ata mansourمَرض المجاملة والمُحاباة في الاوساط الاجتماعيه العربية بشكلٍ عامٍ والعراقيةِ بشكلٍ خاصٍّ هذان المُصطلحان قريبانِ في المعنى إلّا أنهما يختلفان في المضمونِ فالمُجاملةُ هي التظاهرُ مِن طرف غير مقتنع للطرف آلآخر على أنّهُ مُقتنعٌ برأيهِ أو عملهِ وهذا هو نوعٌ مِن التدليسِ والتغريرِ بالآخر قام به المُجامِلُ لمصلحةٍ إقتضتْ أنْ يُسايرَ المُجامَلُ عليها ولو الى حين. ومن الامثال الشعبيه القريبة منها مثلنا الذي يقول [إتمسكن الى أن تتمكن] وهذا هو الانحطاط الخُلُقي الذي لا يؤدي إلّا لخراب البُنية الاخلاقية للمُجتمع .

 أمّا عن المُحاباةِ فهي الدفاع أو الاصطفاف الى جانب رأي أوعمل شخص قد لا تكون بينهماعلاقة أو مَعرفة شخصية سوى قناعة وإيمانِ المُحابي برأي أوبفكرة أوبعمل مَنْ حاباهُ وحَسْب ويَكْثَرُ مثلَ هذا في المُعتقدات الدينيه والسياسية والفكريةِ و ما نراهُ اليوم مِن إصطفافات أكثرها مبني على التعصب في مجتمعاتنا العربيةِ بشكلٍ عامٍ ومجتمعنا العراقي بشكلٍ خاص حتى اصبح ظاهرةً إجتماعيةً وذلك لتفشي الجهل الذي وصل بنا الى تقديسِ غير المُقدس وتنزيه المُحابى له الى درجةِ التأليه .

وعلى هذين المُفردتين أستطيعُ تحديد موقفي مِن الافراط المتزايد والمُشينِ في تعاملنا اليومي الى درجةٍ أنّ الواحد مِنّا لا يستطيعُ الوقوف على صِحّة أو مِصداقية ما يسمعُ أو يقرأُ أو يرى على شاشات التلفاز أو الانترنيت لأي عملٍ فنّي أو نِتاجٍ أدبيٍّ وأمّا في السياسةِ فأصبحت المُحاباةُ منهجاً في واقعنا العراقي مما يَندى لهُ الجبين والسبب هو العقليةُ المُغلقة التي تتمَحور على رأيٍ لا يتقبل الرأي الآخر وهذا ما نجدهُ في جميعِ مَرافقِ الحياة على مستوى الدولةِ وفي الاوساط السياسية والادبيةِ إنّ هذا التعامل الخاطئ ولا أقول التعامل المَغلوطِ لأن الخطأ من الخطيئةَ التي يترتب عليها حساب وعقاب أمّا الغلط فهو حاله إنسانيه تحصل دون قصد في أغلب الاحيانِ هذا ما وددتُ تِبيانَهُ قبل شروعي بطرحِ ما عندي عن هذينِ الحالتينِ اللتينِ أصبحتا داءً مُستفحِلاً في تركيبة مُجتمعنا العراقي ففي مجال السياسة نرى الاحزاب العلمانية والدينة والقومية على حدٍّ سواءٍ بعد سقوط الصنم لا ترى إلّا نفسها وهي المُؤهلة والمُخلصةُ وماعداها فلا أهلية له ولا يستحق القيادةَ غيرُهُا لذلك انبرتْ على قنواتها الفضائيةِ بتسقيط مَنْ لا يتلاأم معها في التوجهِ ومِن بين هذه المُهاترات ظهرت ظاهرةُ الفساد وضاعتْ الوطنية التي كانت العنوانَ الاولِ لكل حزب وصار العنوان هو [أُهبُرْ واشلعْ باجر نطلعْ] و[داريني وأداريك] والكراسي صار لها تسعيرة مِنْ رئاسة الجمهوريه الذي لا دور للجالس عليه غير الكشخه الفارغه وقبض ملايين الدولارات شهرياً عدا المخصصات والحمايات وما لا اعلمهُ مِنْ مصاريف من ميزانية الدولة التي لا يُمثلها وإنما يُمثلُ حزبَه الذي رشحهُ لها الى كرسي رئاسة الوزراء الذي هو عين القلادة للدولة والحكومة وتأتي من بعده كراسي الوزراء والسُفراء وما يتبعها من كراسي في تسلسل هرم الدولة ولا ينسى العراقيون مَهزلة الاربعة والاربعين وزارة التي أحدثها صاحب القيم والمبادئ كي يبقى في أعلى هرم السلطة فضيّع مليارات الدولارات الى أن سلّمَ خزينة الدولةِ فارغةً وتَمّ إخراجهُ لفَشلِهِ في إدارة دفّة الحُكم وضاعت على الشعب أموالهُ التي كان يتأمل مِنْ حكومتهِ أن توفر لهُ بها ما خَسِرهُ أثناء الحرب الامريكيه على الصنم .

وعلى مدى دورتين لحكومةٍ فاشلةٍ قامتْ على المُجاملات والمُحاباة بين احزابها وبلا إستثناء لأي حزبٍ أو تيارٍ داخل منظومة البرلمان أو داخل منظومة الدولة تدهور الوضع الامني وزادت المأساة في زمنِ الرجل الذي لا يفهم من السياسة إلّا الاستحواذ على الكرسي فحصلتْ مشاهد دمويه فأصبح لكل يوم دامٍ إسماً للتعريف به ومجزرة سبايكر التي راح ضحيتها ألف وسبعمائة شهيد حسب الاعلان الرسمي وهروب رؤوس الارهاب مِنْ سجن أبي غريب والكثير من السرقات لمشاريع وهميه كل هذا وهو يتشبث بالكرسي للدورة الثالثة وبصفاقة ، في حين والكل يعلم أن رئيس الوزراء البريطاني قد إستقال على أثر خروج بريطانيا مِن الاتحاد الاوربي لأن خروج بريطانيا مِن الاتحاد يتعارض وتوجههِ الفكري وأن وزيرةً سويديةً إستقالت لِمُجرد أن شرطياً ضبطها قد شربتْ جُرعةً من الشراب أكثر من المُقرر أثناء سياقتها وهؤلاء في نظر صاحبنا رجل القيم والمبادئ والدين وحزبه وجميع مَنْ في البرلمان والحكومه من الاحزاب والتيارات هُم أبناء غير شرعيين أي أبناء زنا ولا دينَ لهم ، بينما يظهر صاحبنا ومَنْ مَعه ورُقعاع السياسة الموسومة جباههم مِن السجود الى إتهام المتظاهرين وهُم من وسط العراق وجنوبه بأنّهم منْ بقايا حزب البعث .

نعم لقد كان الصنم الساقط مُجرماً وحزب البعثِ حزباً إجرامياً لكن كان للدولة قانونٌ يُطبق ومؤسسات تعمل بانضباط وحرفيه فأين منها اليوم عهد الدمقراطية الامريكية والعجيب الغريب أن قوانين العهد الدكتاتوري الساقط ما زالت تُطبق مواد قوانينه في عهدنا الجديد بعد مضي عقد ونيف على سقوطهِ ، وكان الامن سائداً في جميع البلاد وجميع الخدمات مُتيسرةً ومُتوفرةً لدى المواطن كالماء والكهرباء والاجهزة الطبية وكوادرها وما يتبعها رغم الحصار الدولي الذي إستمر أكثر مِنْ إثنتي عشرة سنةً فأين الامس مِن اليوم يا حكومة الشعب الوطنية التي جاءتْلتخدمهُ باسم الدمقراطية .

ولسوف يرى الشعب العراقي ما هو أسوء بوجود هؤلاء الخونة اللصوص الذين أقسمواعلى كتابِ اللهِ أن يُحافظوا على القانون واحترامه وأن يخدموا الشعبَ بكل إخلاص . 

وعن هذا الانسان المؤمن صاحب القيم قرأتُ مقالةً لأحد الكُتّاب مِمّن تربطه به علاقةٌ وثيقة أذكرها على سبيل الشاهد والشواهدُ كثيرةٌ يقول فيها والعُهدة على القائل [ إتصل بي فلان الفلاني ودعاني الى الغداء معه في بيته الذي كان أحد بيوت الصنم الساقط على يد الامريكان في المنطقة الخضراء ، يقول دخلتُ في إحدى صالات الاستقبال وجلستُ الى أن حضر صاحب الدعوةِ وبعد السلام والترحيب أخذنا بالحديث عن الاوضاع العامّة ووصلنا الى نقطة أفصحتُ بها عن رأيي في بعضها مِن باب الحرص على سمعته إلّا أنّي لم أتوقع مِنْ مُضيفي وصديقي إلّا أن يشكرني على صراحتي مَعَهُ لكن الذي جاء هو عكس ما توقعتْ حيث قام مُضيفي مِن مكانه ممتَعضاً وعلى وجههِ سُحنة الغضب وغادر المكان الى الدخل تاركني لوحدي وما كان مني إلّا أن أقومَ مُغادراً وعائداً الى مَنزلي بلا غداء] هذا هو النموذج المُتميز مِن السياسيين في عراقنا المُبتلى فكيف بمَنْ هوأدنى مِنهُ؟؟!

ولم يظهر صاحب المقالة بعد هذا المقال إلّا مرتين في نفس الموقع ثم اختفى ولم أجد له ما يُنشر في نفس الموقع أو في مواقع أخرى الى يومنا هذا والله العالم أين هو الآن؟؟!!!

هذا شاهدٌ واحدٌ عن حالة الوضع المُزري الذي يعيشه العراق وشعبه المُبتلى الذي ضيعته حكومة المُجاملات وسياسة المُحاباة وللذي يُريدُ المزيدَ يُمكنهُ التقصي مِن المواقع على الانترنيت والفضائيات .

والأمَرُّ الادهى أنّ هذا المرض الوبيل قد تمدّدَ الى أوساطنا الادبيةِ التي هي النموذج السامي الذي كُنّا لا نتصور أن تطولها عدوى هذا المَرض بل تَكون المُعالج لهُ لأن الغاية هي بناء فكري يقومُ على تلاقحِ الافكارِ الصحيحة والسليمة للوصلِ الى ما هو أفضل ولاعيبَ إذا تراجع الانسان الى الموقف الصحيح عن غلطٍ باللغة أو هفوةٍ ولا تسوجبُ المُكابرةُ أو المُحاباةُ و المُجاملات في المجال الفكري لأنّ الغاية هي الارتقاء الى الافضل ولكن الذي حصل هو أنّي وقفتُ على حالةٍ دفعتني الى أن أكتب في هذا الموضوع عسى أن أكون قد ساهمتُ بالتصدي لهذا الداء الذي أخذ يستشري في أعلى مفاصل المجتمع المثقف ولو إنتبه مثقفونا الى أنّ قيمتَهُ وعلوَّ مرتبتهِ هي في نزاهة تقويمهِ ومصداقيتهِ في إبداء رأيه لَما وصلتْ أحوال اللغة والادب والشعر الى هذا الدرك .

وما حصل في شهر آب المنصرم هو أنّي إطلعتُ على قصيدة ولا أريد في هذه العينة التشخيص بأسماء أشخاصها ولا ذكر المواقع التي نُشرتْ فيه كي لا يكون موضوعي مُعنوناً لأشخاصٍ مَعنيين فيُفسرُ على أنّهُ تشهير لأن هذا ليس مِنْ طبعي ولا أخلاقي وكل غايتي هي البناء والاصلاح .

أقول إطلَعتُ على قصيدةٍ للأستاذ الدكتور [فلان الفلاني] فوجدتُ فيها ما لا يُسكتُ عليه مِن خَللٍ بالوزن في أغلبِ أبيات القصيدةِ وسقطاتٍ باللغة لا تصدر مِن مُتعلم لديهِ إلمامةٌ متواضعة بها وقرأتُ التعليقات عليها فوجدتُ جميعها يُحابي ويُجامل إلّا تَعليقاً واحداً يستفسرُعن تعليقه السابق الذي نُشرَ ثم اختفى وفيه ملاحظاتُهُ عن القصيدة وتعليقاً للدكتور الاستاذ صاحب القصيدة يقولُ فيه أن هذه القصيدة نُشرتْ عن طريق أحد تلامذته ولا يتحمل هو تَبعية الاغلاط فيها ويُمكن الرجوع الى الموقع الفلاني ليجد القارئ قصيدتَه مَنشورةً بواسطتهِ وهو يُقسِمُ أنّهُ نظمها في ربعِ ساعةٍ أمام طُلابه مُعارضاً فيها قصيدة الشاعر العراقي فلان الفلاني .

ولأني لا أكذّبُ إنساناً مُحترماً مثل الدكتور صاحب القصيدة دخلتُ الى صفحتهِ في الموقع الذي أشارَ إليهِ مُتمنياً أن أجدَ ما يُفرحني وعند قراءتي للقصيدة وجدتُها لا تختلف عمّا قرأتُهُ في الموقع الاول والذي يقول فيه أنّ القصيدة نُشرَتْ دون علمه وبواسطة أحد طلابهِ تركتُ القصيدةَ التي هي محور الموضوع وقلتُ لِأرى القصيدةَ التي قبلها حتى لا أظلم هذا الانسان وإذا بِيَ أرى الكثير مِنْ السقطات اللغويه والارتباك بالوزن فأسفتُ لهذا الانسان الذي خدعَهُ مَنْ جاملَهُ أو حاباهُ فكتبتُ له رسالةً على عنوانه البريدي أنبههُ الى حقيقة الموقف ليسحب على الاقل قصيدتَهُ الاخيرة التي نظمها في ربع ساعة أمام طُلابهِ وكنتُ أتوقعَ جوابَ شكرٍ مِنهُ على هذا التنبيه إلّا أنّهُ لم يردني مِنهُ أيّ جوابٍ لا بالسلبِ ولا بالايجاب ولا أدري ولا أستطيعُ تَخمين ما يدورُ في خَلَجات نفسهِ عنّي ولكنّي أجد نفسي مرتاح الضمير لأنّي أديتُ واجبي تجاه إنسانٍ مخدوعٍ ، والاغربُ في الامر أنّي أقرأُ تَعليقاً لأديبٍ وشاعرٍ وأستاذٍ عليه يُعَوّلُ في القول تَربطُمها عِلاقة [يُشيدُ بشاعرية صاحب القصيدة ويذكر أيّام كانا في الجامعة الفُلانية] فَشبَكتُ عشري على رأسي وقُلتُ  يا راهبَ الدَيرِهل مَرّتْ بكَ الابلُ .

 ورجائي الى:

مدراء المواقع والعاملين معهم أن لا يحجبوا أي تَعليقٍ ما دام لم يَتَعدَّ حدود اللياقة ولم يخرج عن نطاق الادب والغايه هو التسامي وليس في الادب واللغة مجاملات أو محاباة.

وأسألُ الله العلي القدير أن يُطهر قُلوبنا ويَمنحنا الشجاعة للوقوف بوجه هذا الداء .

 

 الحاج عطا الحاج يوسف منصور

الدنمارك / كوبنهاجن   

 

في المثقف اليوم