قضايا

عبد الجبار العبيدي: حقيقة الأسلام الغائبة (17): الآيديولوجيا الأسلامية والآيديولوجيات الأخرى كيف نوفق بينهما؟

abduljabar alobaydiآيديولوجيات  أسلامية كثيرة طرحت على الساحة  العربية،ابتداْ بمشروع الاخوان المسلمين، ومرورا بمشروع حزب التحرير، وليس أنتهاءً بمشروع حزب الدعوة العراقي  .كلها جاءت بدعوى تطبيق الشريعة الاسلامية وحكم القرآن في الناس. ولكي ينجح المشروع الاسلامي اياً كان لابد من تغيير جذري في جوهر الطرح الموضوعي له، لينهض الاسلام كعقيدة ومبدأ وتطبيق،لا كمذاهب وفرق متعددة ومختلفة في الراي والحكم والتشريع كما نشاهده اليوم بين كل المذاهب دون تفريق.

 وحتى تتجدد قيم المشروع الأسلامي، وتستمر مجتمعاته ويقبله الناس  كعقيدة آيديولوجية طرحت على الساحة العامة للمجتمعات الانسانية مثل العقائد الاخرى، كعقيدة ماركس ولنين في الشيوعية، وعقيدة آدم سمث في الرأسمالية، وعقيدة ماو سيتونغ الأشتراكية  في الصين. لابد من تطبيق عملي ملموس لها على مستوى  حقوق الناس أجمعين ...؟

كل الآيديولوجيات كونت لها أتباعا من  المخلصين، وكونت دولا لها مكانتها في عالم الأمم اليوم الا الآيديولوجيا الاسلامية التي كونت مذاهب واحزاب متنافرة ومتناحرة  ومتقاتلة، لم يكن لها في عالم الحضارة اليوم هدف من وجود.

 

 والسؤال المطروح اليوم هو : لماذا حققت تلك العقائد النجاح والتقدم وبنت دولا وقوانين وحضارات،بينما المشروع الاسلامي تراجع وأنحسر حتى اصبح المسلم مقرونا أسمه بالارهاب والقتل والتدمير والتخلف وظلم اللأخرين (القاعدة وداعش والوهابية والمليشيات الأسلامية مثالاً)؟ . ولم تحقق الآيديولوجيا الأسلامية  تقدما قانونيا ولم تنشأ مؤسسات اجتماعية وسياسية قانونية حتى في أزهى عصور الحضارة الاسلامية (ظلت مجرد تاريخ ) . بل بقي الاسلام  يحكم بالشمولية والبهرجة المقدسة والقبلية والاختلافات والسيف  دون حقوق الناس  أجمعين.

ظاهرة لابد من ان يعكف المختصون على دراستها واسباب بيانها للناس،  وينقلوا نتائج هذه الدراسة  الى مناهج التدريس،ليعرف الطالب هل ان الاسلام  جاء  حاملا صفة التطور والصلاح ام فاقداً لهما ؟ .لاسيما وان النص الديني جاء يحمل صفة الثبات الخارجي وحركة المحتوى الداخلي معاً اي يحمل عين التشابه في التطبيق كما في الآية (ولله المثل الأعلى) أي الأتصال بالناس وأتصال الناس به دون تفريق.

 فلسفة ربانية لم يدركها فقهاء التفسير حتى تحول القرآن الى لاهوت.، ولان الغالبية العظمى من آياتة جاءت حدودية وليست حدية،لذا ما نراه اليوم من تفاسير قرآنية مختلفة من فقهاء مختلفين، ولدت لنا مذاهب مختلفة مطروحة على الساحة  حتى أصبحت معوقات في قلب المشروع الاسلامي الذي ظل الى اليوم بلا تطبيق . فنتج لدينا سؤال لا يمكن الاجابة عليه وهو (ماهو الاسلام)؟ فضمن هذا المنطق لم يتم تعريف الأسلام الى اليوم.

فأما مشروع أسلامي ينفع الناس ويعمل على تطويرهم أو نتخلى عنه،فالكل غير مستعد ان يقضي عمره كله بالتأملات لا غير .

نحن بحاجة اليوم الى فقه جديد،وفهم جديد معاصر للسُنة النبوية،لكن ذلك لا يمكن تنفيذه الا بعد صياغة نظرية أصيلة في المعرفة الانسانية انطلاقا من تأويل القرآن الكريم، لا تفسيره وفق نظرية الترادف اللغوي الخاطئة،ولا يمكن لهذا المشروع الضخم ان يتحقق الا اذا دعم من حكومة تؤمن به على طريقة دعم الخليفة المآمون للمعتزلة في العصر العباسي الاول.،لان المنطق الفلسفي ينتج عنه بالضرورة الحل الفقهي الجديد كما ارادته المعتزلةحين نادت بان القرآن نظرية لا تتعامل مع الفروض بل مع الواقع وهو مُحدث لا قديم . فهل نحن قادرون؟

اذا أردنا التوجه نحو مشروع اسلامي- كما يدعون –  متطور يتماشى مع التطور الحضاري لابد من توفر المستلزمات له لتحديد المسار الصحيح الذي ارتكز عليه القرآن وفق قوانين محددة وقابل لتطبيق  الفعل في ظروف العصر المتغير ولا نبقى نتعكز على التراث دون تجديد .

لا يمكننا ان نعي التقدم الا اذا أزلنا من عقولنا ان كل ما  نتوهمه له من عصمة وكمال ملائما لظروف عصرنا الحاضرلانه بالضرورة يفقد هذه الصلاحية،فلا نكابر في سطحية التفكير ونتناقض مع اعماقه،فالشباب لا ينسخ الطفولة، بل يطورها رغم استمرار الهوية اساساً  للماضي البعيد.

فحين أستطاعت الحركة  الاوربية التخلص من سيطرة الكنيسة ومعتمديها،ساعتها خرجت آوربا من عزلتها القاتلة لترى العالم غير العالم الذي حدده لها رجال الدين بتصورات الماضي، فرمتهم خلف ظهرها وبدأت تعزل الكنيسة عن السياسة والقانون، وها ترى اوربا  اليوم تتمتع بالحقوق والواجبات والعدل والحرية والقانون حتى اصبحت أمل المستضعفين في الأرض بعد ان توقف المشروع الاسلامي ولم يعد ذي بال؟

بينما في اوربا  ظهرت نقطة التحول  التاريخي حين استطاعوا ان يحولوا القانون الى عقيدة لا شعار، والمبادىء الى تشريعات لا أقوال، والحق قانون لا أدعاء، وفصلوا سلطة الدولة عن حقوق الناس،كماهو العكس عندنا  اليوم.أذن ما فائدة دين بلا حقوق، و قانون بلا تطبيق؟ .ألم يأتِ الدين من اجل الحق والقانون .

لقد جاء الاسلام من أجل ان يحيا به الناس لا ان يحيا هو بالناس كما تطبقه اليوم مؤسسة الدين؟ ام من اجل المذهبية والفرقة والاقتتال بين الاخوة عند المسلمين.ليتحكم فيهم من اهملوا الزمان والمكان واغتالوا التاريخ وأسقطوا العقل المبين من سلطة ومؤسسة الدين،لتفرض على العراقيين كل خطأ بالقانون؟.

أنهم الهاربون من تحديات القرن الحادي والعشرين. عبدة المصالح الخاصة لا الدين؟ وما رأينا عند المرافقين للتغيير بعد 2003  ولا زال يثبت ما نقول؟

وحتى نكون مثلهم ولو بعد حين لابد من ان التوجهات يجب ان ترتبط بالمنطلقات  بغية تحديد المسار، وهذا ما خلت عنه المشاريع الاسلامية السابقة  واللاحقة، سوى ما كتبه المرحوم الصدر في كتابيه اقتصادنا وفلسفتنا اللذين لم يريا النور بعد اعدامه في العهد السابق وتنكر لهما قادة حزب الدعوة الاسلامي العراقي اليوم بعد ان استاثروا بالسلطة والمال دون حقوق الجماهير .ولم يجدا من يروج لهما وفق عقيدة الامامية البعيدة عن المذهبية التي ألصقت بها لصقاً من قبل قادة ولاية الفقيه.

لو ان القرآن  خضع منذ البداية للتأول العلمي لا التفسير اللغوي الترادفي القاصر عن الفهم الحقيقي للمعاني القرأنية العظيمة، على يد علماء التخصص مجتمعين (الآية 7 من آل عمران)، لكان المشروع الاسلامي  اليوم مشروعا آيديولوجيا وسياسيا معاصرا  قابلا للفعل في ظروف العصر الحديث، فكيف الامر الى ذلك؟

فلا تقدم ولا اسلام ولا دين ولا قانون ولا دولة ولا حقوق وواجبات الا بتطبيق نظرية العدالة المطلقة بين المواطنين (اذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ).هذا هو الاسلام لا اسلام الفقهاء وسلطة الدين الذين خرجوا على كل مفردات الحقوق بين الجماهير.

هنا يكمن سر التوقف وسر التقدم وسر سيطرة الحاكم على الأمة. التوقف حين يفلسف رجال الدين القرآن وفق نظرية الحلال والحرام، بدلا من نظرية النواهي والاحكام التي جاء بها القرآن والمؤيدة من الرسول (ص). وبالاعتراف بالاخر كند،;كما في قول الحق : "وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فأنتهوا،الحشر 7 " .عندها نكون قد أوجدنا نظرية الاخلاق التي يطرحها القرآن مبدأً وتطبيقاً، وكان ممكنا ان نكون عقلا او فكرا منتجا لمشروع اسلامي مقبول، لا احد من رجال الدين يتحكمُ فيه ولا مرجعيات دينية (مقدسة...؟) تحكم وتوجه سوى ان رأيها يبقى استشاريا لدولة محددة بالمسائل الشرعية التي تدخل ضمن أختصاصهم الديني لا غير.، وليبقى الحاكم هو الاساس وفق التنظير القانوني محددا بالقانون،هكذا تقدمت الشعوب حين اتخذت من القانون وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية فيها وحفظت القانون واصوله معاً.

فالتقدم هو فعالية الانسان بابعاد الزمان والمكان والاسلام جاء متقدما زمنيا لكنه اصبح متاخرا زمانا ومكانا لان التربة الصالحة لانباته تبدلت بتربة مغايرة لواقع التحريك التاريخي، فتوقف الفعل عن ادراك النتيجة،بعد ان وفرت السماء المنطلق والتوجه بتحقيق التقوى والتزكي للنفس الانسانية ليكون الفلاح للجميع لا للحاكم المطاع.هنا كانت شخصية محمد (ص) مُمَثلة تماما لهذا التوجه الصحيح،لكنهم لم يفهموا الرسالة المحمدية  ولم يفهموا القرآن فعجزوا عن التطبيق،فجاؤا بما أوحت لهم تصوراتهم وتفسيراتهم من محدودية التفكير وما ترغب به السلطة من وعاظ السلاطين،فاصبح صحيح مسلم والبخاري وبحار الانوار وكانها الحد الفاصل في معرفة الاسلام من عدمه...؟

 وحين أنتقل محمد (ص) الى الرفيق الأعلى،مات التوجه ليستبدل بتوجه اخرمغايرا لما كان سائراً عليه ولا يزال وسيبقى التخلف يلاحقنا الى ان نزيل العلة ونأتي بالخبر اليقين.

 ولان السماء هي اهتمام المطلق ونحن اهتمام  المحدد،فقد تصادمت النظريتان وتوقف الوعي التاريخي للامة وان بقي العقل الانساني يدركهما متى عرضا عليه فالعقل مضطر لقبول الحق على ما قاله الشافعي حقاً وصدقاً. لذا فان المشروع القرآني لا يعني التمسك بالسلف واعادة انتاج لنفس الفترة وبكامل مواصفاتها لاننا هنا نحن نلغي الزمن ودوره في عملية التغيير،كما لايمكننا ان نلغي مفهوم المتغير الاجتماعي من وجهة نظر جدلية تاريخية .هذا المفهوم يلغي النظرية السلفية القائلة بالغاء نظرية الزمن والتاريخ.

القرآن لم يطرح نظرية الفرض الفكري بل الاختيار والحرية (لكم دينكم ولي دين،الاية 29 من سورة الكهف)، والقانون والعدالة الاجتماعية بدلا من الرأي والكيفية (أعدلوا ولوكان ذا قربى،والاية حدية التنفيذ)، بدلا من الحاكمية الدينية التي لم يفهموا  مقصدها وفق (الاية 258 من سورة البقرة)، فعدوها مطلقة،كمطلقية لا اله الا الله؟. قصر في التفسير والتعديل...؟.

 هنا فالعودة عبر الزمن مستحيلة،فالقرآن يعطينا الحرية في التصرف في الغاء ما يمكن الغاؤه حسب مقتضيات الحال باستخدام القانون في التغيير لا التصرف الكيفي في حقوق الناس،وسيظل التطبيق الرسولي هو الاسوة الحسنة في التعامل مع نظرية التطور المجتمعي(ولكم في رسول الله اسوةً حسنة)،هذا الذي لم يدركه من جاء بعد محمد (ص)،حتى الخلفاء الراشدين (رض) حين ضربت الشورى وحلت الفتنة وتمزق الاسلام الى شيعا واحزابا مختلفة كل منها له دين.

  يجب علينا فحص الثوابت التي عدوها ثابتة  في عهدهم دون تردد لانها ليست هي خاتمة المطاف في الاسلام، ولانهم ليسوا من المعصومين الذين لا يخترقهم الخطأ،ولانها ليست مقدسة بمعنى التقديس المطروح كما عند الشيعة الامامية التي تدعي مرجعياتها بالسر المقدس والقرأن يقف موقف المغاير لهذا التوجه(انظر الاية 174 من سورة البقرة).

كما تقف الرئاسات الثلاث اليوم مخرقة المادة 18 رابعا وتريد تطبيق الدستور ...؟

..لقد كان الرسول (ص)  مكلفاً بنقل الرسالة للناس وليس بصانعها (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل أليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس،المائدة 67). ويبقى حجر الاساس علاقة الانسان بربه لتحريره من العبودية الفرعونية، اي الدكتاتورية المطلقة،فلا حزب اسلامي ولا مجلس  اسلامي ولا حكومة اسلامية ابدا،بل توجه مدني قانوني بثوب اخلاقي مستمد من الاسلام وفق التنظير التأويلي الصحيح.وبذلك يصبح كل الناس متساوون في الحقوق والواجبات.فلا حاكم ولا محكوم الا بالعدل والقانون. هكذا تكونت الدول الا في دولة الأسلام حين غلب الجبر على العقل ...؟

هذا هو المشروع الاسلامي الذي طرحته السماء للارض فهل سنقرا ونعي ما طالبتنا به السماء ام نبقى نفلسف رايها حسب ما يرغب ويريد صاحب الشوكة وفقيه الدين .... ؟.

ان الفاسدين من حكام الوطن  اليوم لا يقرأؤون ولا يتعضون،لأنهم لا يملكون المنطق الجديد لفكرٍ جديد ... هم يدعون انهم من المثقفين المناضلين الذين يستحقون ما ينالون.. ونحن نقول لهؤلاء الخونة  ان المناضل المثقف هو الأسرع في الخيانة الوطنية،لأنه الأقدر على تبريرها...؟

 

د.عبد الجبار العبيدي    

 

في المثقف اليوم