قضايا

الأدب ومكر السياسة

في فترة من الفترات التحق بعض الأدباء تعاطفا أو أعضاء ببعض الأحزاب السياسية، وبخاصة اليسارية منها،  معتقدين ان تلك الأحزاب هي التي يمكن أن تساعدهم على طرح أفكارهم وإيصالها إلى القراء وإلى كل من يعنيهم الأمر من خلال منابرها الإعلامية،  لكن بعد مضي فترة من الزمن وجدنا ثمة فريقين من هؤلاء الأدباء، فريق تسلق سلم المناصب وصارت له قناعات أخرى تولدت عن الوضعية الجديدة التي هو فيها،  والتي وصلها بمساعدة الحزب،  وفريق بقي على الهامش يتجرع كؤوس المرارة حين اكتشف بعد فوات الأوان أنه كان منخدعا، وأن الحزب الذي انضم إليه إنما كان يرفع شعارات مزيفة هدفها هو اكتساب قاعدة شعبية عريضة تتيح له تحقيق طموحاته السياسية فيما بعد.وهذا الفريق انقسم بدوره إلى فريقين، فريق انسحب من الساحة الأدبية لكنه بقي يعيش على أطلال أحلامه وطموحاته، وفريق غير رأيه وركب موجة أخرى لدرجة أن البعض منه بدا بوجه نقيض للوجه الذي كان يظهر به سابقا.

و هكذا رأينا أن الأدباء الذين كانوا يحملون الشعارات البراقة من قبيل الالتزام والنضال والوقوف في صفوف الجماهير و(يتحفون)نا بين الوقت والآخر بنصوص لا يشك القارئ في نية صاحبها السليمة لم تكن في واقع الأمر إلا تكتيكا يستخدمونه من أجل تحقيق ما يسعون إليه من طموحات بعيدة كل البعد عن طموحات الجماهير التي كانوا يزعمون أنهم يخدمونها ويقفون معها ضد الحيف الاجتماعي الذي تعاني منه في مجتمعها.

و إذا كانت الجهات الرسمية قد جنت على الأدب وجعلته مدجنا لا يهتف إلا باسمها وبما هو في صالحها لإدامة سطوتها ونفوذها،  فالجهات غير الرسمية وبالتحديد أحزاب اليسار جعلت من الأدب بوقا لبرامجها وأيديولوجياتها بما يخدم الأهداف المسطرة التي تروم الوصول إليها، فتحجم – أعني الأدب – وتقزم دوره بحيث صار مختزلا فقط في الإشادة بالحزب وتمجيد مذهبه الأيديولوجي، فلم نعد نقرأ أدبا بقدر ما عدنا نقرأ منشورات سياسية دعائية مصنفة قسرا في خانات الشعر والقصة القصيرة والرواية والنقد الأدبي.

وحتى لا نبخس الناس أشياءهم، فثمة مجموعة من الأدباء والكتاب انخرطوا في أحزاب يسارية، بحيث دخلوا بأقلامهم حلبة الصراع عن حسن نية ظانين أنهم يقدمون خدمة للمجمتع وللأدب، ثم فجأة اكتشفوا أنهم ذهبوا ضحية النصب عليهم وأنهم كانوا مجرد بيادق في رقعة شطرنج شرذمة من دهاقنة تلك الأحزاب، وذلك بعد أن تغيرت المعاطف وأصبح اليساري يمينيا أكثر من اليميني التقليدي نفسه .

إنها مأساة الأدب في زمن مكر السياسة وثعالبها التي تبشم في كل أقرب فرصة متاحة لها بعد أن تنام النواطير عنها.

 

بقلم: مصطفى معروفي       

في المثقف اليوم