قضايا

رؤية تقييمية ومنهاج الثقافة المالية الجديد

bakir sabatinالمال شريان الحياة، لكن استخداماته ترتبط بالنوايا، والطامة الكبرى أن نبرمج عقول أبنائنا على اعتبار رأس المال وتكنيزه هدف بحد ذاته على حساب المبادئ.. فهنا ستكشر الذئاب عن أنيابها.. وتدور الرحى على هياكل الفقراء فتضرس القيم وتصنع الكوارث دون حساب؛ ليبتسم ميكافللي وهو يجد الوسائل عمياء رعناء لا تبقي من الأخلاق ولا تذر.. من هنا استوجب منا إطلالة عميقة على مناهج الثقافة المالية التي أعتمدتها وزارة التربية والتعليم الأردنية كمساق تربوي يهيء الطالب الأردني للتصدي لمشاكل المستقبل بافتدار وبناء جيل تفاعلي قادر على البناء والانخراط في التنمية المستدامة وفق مفاييس الكفاءة التي تهيء الموارد البشرية وتخرج من بينها القادة المستنيرين.

من هنا ينبغي الخوض في تفاصيل هذه المناهج تحت شعار بناء الإنسان أخلاقياً ليراعي حقوق الإنسان في مسيرته التنموية، متخذاً المال في حياته كوسيلة تفتح في وجهه آفاق النجاح، وبناء المواطنة الصالفحة التي تخدم المجتمع بمسئولية وتنتهج مبدأ التعاون والتكافل بسخاء.

فمنهاج الثقافة المالية المعتمد في في المدارس الأردنية مشروع تنموي نهضوي من شأنه لو طبق أن يؤمن لخطط التنمية المستدامة في الأردن الموارد البشرية اللازمة التي تتعامل مع السوق على قاعدة معلوماتية سليمة، تتوفر فيها البيانات الواضحة القادرة على تأهيل الفرد للتعامل مع سوق الاستثمار المالي بحرفية وإبداع في كافة الخدمات المالية، التي تتفاعل مع كافة القطاعات الاقتصادية، والتعامل مع البنوك وأسواق المال من خلال النقد والشيكات والسندات المالية، والقراءة السليمة لمؤشرات سوق المال والعملات وأسعار المعادن النفيسة وبرميل النفط عالميا'، ويهدف المنهاج المقرر بالإضافة إلى ما ذكر، برمجة الفرد على التعامل الإيجابي مع رأس المال على قاعدة أن المال وجد لخدمة الإنسان وبناء ذاته إيجابياً، وأن الطموح الحقيقي يتجلى في أنه بدل أن تطمح إلى صعود السلم عليك أن تفكر كيف تمتلكه دون أن تحذف أحداً عنه، وتشغيل آليات تحقيق الأفكار وتعزيز روح المبادرة والمغامرة الممكنة والمحسوبة جيداً وعدم الخوف من الخسارة على اعتبارها جزءاً من التجربة، والوصول إلى مشارف الأمان بكل أبعاده الاقتصادية والاجتماعية، والتي من شأنها توفير مساحة أكبر من المناورة والتفاعل في الاقتصاد المجتمعي، وتقديم المساعدة للمحتاجين من خلال مؤسسات المجتمع المحلي والحد من البطالة والمساهمة في معالجة أسباب الفقر ودعم صناديق التنمية وعلى رأسها دعم الطالب الفقير، ودعم المشاريع الصغيرة وصندوق المرأة، ناهيك عن رفد خزينة الدولة بمستحقاتها الضريبية، ما يضع المرء في منطقة الفاعلية الإيجابية والمواطنة الصالحة؛ على أن لا تشاب سيرته الشخصية والعملية بشبهة فساد، خلافاً لما يعتقد البعض في أن المال ما هو إلا مجرد هدف في حد ذاته، وكنزه يعد الغاية المثلى، بينما تمثل الوظيفة لهم المتراس الآمن لمواجهة الخطوب وأن الخسارة كارثة يجب تفاديها بالتعليب الوظيفي الذي سينتهي بالموظف للاندراج في قائمة المتقاعدين والعيش في كفاف والاستسلام للطاقة السلبية.

إن اعتماد الثقافة المالية في المناهج الدراسية بدءاً من المرحلة الابتدائية (السابع الابتدائي) حتى نهاية المرحلة الدراسية الثانوية ستمنح خطط التنمية فرصة استقطاب المواهب الفذة القادرة على التعامل مع خصائص المستقبل التي من أهم محدداتها تفعيل رؤوس الأموال وتنميتها من خلال الاستثمار في التكنولوجيا والبحث العلمي وإغراق الرساميل بالأفكار القابلة للتحقيق وعمل جدوى اقتصادية لها مع الإهمال النسبي للمخاطر ووضع قواعد آمنه للمغامرة من أجل خوض التجارب وتطوير أدائها وعدم التعامل معها بميزان الربح المضمون، ما يعود أخيراً بعوائد حقيقية ومضاعفة على الرساميل المشغلة في التنمية.

ويتعلم الطالب من خلال مادة الثقافة المالية بأن رأس المال وجد لتطوير أسباب جَنْيِهِ من خلال دعم كفاءة الإنتاج والاهتمام بالجودة على حساب مبدأ الكسب السريع، حتى في المضاربات المالية من خلال توخي روح العدالة وعدم الإضرار بالغير وتعزيز أجواء الثقة في الأسواق المالية بالاستثمار في المشاريع الملموسة بعيداً عن المضاربات المالية بالوهم أو التعامل مع السوق بأخلاقية عالية تسد المنافذ على غسيل الأموال أو التطبيع خلافاً للميكافلية القائلة بأن الغاية تبرر الوسيلة.

وفِي ذات السياق كان ينبغي على دائرة المناهج برمجة الجيل الجديد على السلوكيات المثلى في التعامل المالي بإفراد ولو فصل واحد في مناهج الثقافة المالية وبخاصة مرحلة السابع الابتدائي يتحدث عن البرمجة العصبية اللغوية مع تدريبات تتعلق بتطوير الشخصية المالية الإيجابية، وتعزيز تلك المادة المقترحة بخرائط ذهنية تعرف بآلية التفكير واستخدام مبدأ التكرار في التعامل مع العقل الباطن، من أجل ترسيخ صفات جديدة في الطالب حتى تصنع منه رجل أعمال تنموي يراعي حقوق الإنسان وخدمة المجتمع المحلي ودعم التنمية باقتدار ولا يستغل مقدرات البلاد في تنمية الثروات الشخصية على حساب الوطن، من جهة أخرى أن يدرك مكانته ووضعه في الاقتصاد الوطني كجزء من التنمية المستدامة من باب المواطنة الصالحة ولو دارات رساميله حول العالم.

وخلاصة الأمر، ينبغي على دائرة المناهج الأردنية برمجة الطالب ليكون مواطناً صالحاً مخلصاً لوطنه وقضاياه، قادراً على التمييز بين ما هو فاسد وصالح، وعلى هذا السياق قس وفصل وضع من ثم رهاناتك عليه.

 

بقلم بكر السباتين

 

في المثقف اليوم