قضايا

الظاهرة الغيوانية في علاقتها بالفنون الأخرى

محمد البندوريشكلت الظاهرة الغيوانية أحد مياسم الثقافة المغربية بخصوبة مادتها الغنائية وباتصالها بمختلف مناحي التراث المغربي، كما أسهمت في تكثيف رصيد الظاهرة من حيث التنوع في المعجم وفي المضامين. وتتشعب هذه التجربة لتتقاطع مع مختلف الفنون البصرية الأخرى من مسرح وغناء وفنون تشكيلية وفنون أدبية كالشعر والنقد.. مما يمنحها أبعادا قيمية ويضمن لها امتدادا في الزمن.

1- علاقتها بالمسرح:

   شكل المسرح المغربي بؤرة حيوية لتمرير العديد من الانتاجات الفكرية والثقافية والفنية، فتقاطع مع مجموعة من المكونات الفنية والظواهر الغنائية التي قدمت فيما بعد مشهدا مغربيا متأصلا. ومن هذه الظواهر الغنائية برزت في الساحة المغربية والعربية والعالمية الظاهرة الغيوانية بكل مفرداتها الفنية والثقافية وراكمت حمولة قامت على الخشبة أولا بكل مفردات المسرح ثم الغناء مركزة على الجانب الاجتماعي والثقافي. فكان المسرح أداة طيعة لتوصيل المشهد الظاهراتي إلى عموم الجمهور، ومن خلال هذا التقاطع بين المسرح والظاهرة الغيوانية نتج أسلوب فريد ظاهراتي تفاعل بشكل مطلق مع الجمهور وتفاعل معه الجمهور بنفس الوثيرة ونفس التفاعل. وكان لهذا التقاطع وقع إيجابي جدا انعكس بشكل مباشر على مسار الظاهرة الغيوانية وعلى مجريات التطور الذي عرفته الظاهرة.

2- علاقتها بالشعر:

شكلت القصائد الشعرية التي أنتجتها الظاهرة الغيوانية في مسيرتها الفنية أحد أهم المفردات الأساسية التي تفاعلت مع الإيقاع ومع الأصوات المائزة ومع نفسيات المجتمع المغربي الذي أحب ذاك الشعر بذاك الإيقاع الظاهراتي. ولا شك أن تنوع القصائد وملامستها لمختلف الجوانب الاجتماعية والثقافية وغيرها قد كان له وقع كبير وقوي في سلب أذهان المجتمع للتفاعل مع الظاهرة الغيوانية بطيب الكلمة ونفحتها الجمالية حيث لعب فيها الإيقاع دورا رئيسا لبلورتها إلى جمال سمعي بصري سرق الأضواء وأشفى غليل العاشقين للأغنية الجماعية المغربية. فكان لتقاطع الخطاب الشعري مع مقومات الظاهرة الغيوانية أثر كبير في تشكيل خطاب مشترك نحت مسار فني أدبي فريد للكلمة والإيقاع بمنظور جمالي مغربي تفاعلت معه كل أطياف المجتمع المغربي والعربي.

3- علاقتها بالنقد:

   بلورت مختلف عمليات الأدب والنقد مختلف عناصر الظاهرة الغيوانية لتنتج محورا مواكبا لمسيرة هذه الظاهرة بكل تفاصيلها الفنية والثقافية والمعرفية، وبكل ما صنعته من مكتسبات فنية وجمالية وشعرية وغنائية، أسهمت في تكوين رصيد معرفي ونقدي حول هذه الظاهرة الفريدة التي استطاعت أن تشكل حيزا ثقافيا مهما امتد صيته إلى كل الآفاق، بل واستطاعت في نطاق تقاطعها مع المجال الأدبي والنقدي أن تصنع معجما مغربيا صرفا من المصطلحات الفنية والثقافية والاجتماعية والتراثية، الشيء الذي نتج عنه قاموس لغوي مغربي فريد. فالباحث في المصطلحات المغربية الأصيلة والمتجذرة في عمق التراث المغربي وفي عمق الثقافة المغربية الأصيلة يجد ضالته في القاموس اللغوي للظاهرة الغيوانية.

4- علاقتها بالفن التشكيلي:

تدخل الظاهرة الغيوانية في مصاف الفنون السمعية البصرية، شأنها شأن المسرح والسينما والفنون التشكيلية، وهي تشكل تقاطعا مع الفنون التشكيلية لما تحمله من لوحات فنية تفاعل معها مختلف الفنانين التشكيليين ورسموا تلك الظاهرة في أعمالهم وجسدوها في لوحاتهم اعتبارا منهم أن تلك المجموعات بالنسبة إليهم تشكل لوحات غنائية ظاهراتية. وهو تفاعل مخيلتي خرج إلى حيز البصر من خلال جمال المجموعات وتأثيره في الفنون الأخرى فتقاطعت معها في مفردات فنية جوهرية.

5- علاقتها بفنون التربية:

تتخذ الفنون مسلكا قويما في النهج التربوي بالتفاعل من خلال وضعيات تربوية يمكن الاستناد إليها لاتخاذ مسار محدد في السلوك والأدب وتوصيل الأفكار. وقد كان للظاهرة الغيوانية شأن مسلكي في التهذيب والتأثير في النفوس عن طريق الكلمة والأداء والإيقاع، الشيء الذي أسس لوضعيات فنية وتأثيرية لبعث الجمال على مستوى السمع والبصر وتنمية الذوق، وتشكيل القدرة على التفاعل الإيجابي، والارتقاء نحو عالم فني برؤى سديدة وتصورات حكيمة استطاعت أن تترك بصمتها في الثقافة وفي الفن وفي الحس المجتمعي. لأن للموسيقى أدوار علمية تساعد على تثبيت الذات والتأثير بمختلف تقنياتها ومفرداتها وعناصرها في الإحساس بشكل عام، وهو ما يهذب النفوس ويبصم للتربية بالنجاعة. لذلك وغيره كان للظاهرة الغيوانية شأن تربوي غذى النفوس وهذبها من خلال لمسات إبداعية ذات جدوى صاحبت المجتمع ورافقت مختلف التغيرات، فشكلت لغة تربوية مركزة نفذت إلى أعماق الانسان المغربي والعربي وحلت بوجدانه وأثرت في عواطفه وانفعالاته فهذبته بقوتها التعبيرية وسحرها المتدفق الجذاب.

6- علاقتها بفنون التراث:

اتصلت الظاهرة الغيوانية بشتى أنواع التراث المغربي سواء ما تعلق منها بالمضامين ذات الصلة بالشؤون الصوفية حيث حضرت مجموعة كبيرة من المصطلحات التي ترتبط بهذا الشأن، وحتى على مستوى الإيقاع، وهو أمر تشكل من خلال التقاطع الجوهري بين المكونات الصوفية ومكونات الظاهرة الغيوانية. فعلى مستوى الكلمات حضرت العديد من المعاني ذات الصبغة الصوفية التي تلامس بشكل مباشر ما يعرف بالحضرة في شتى تفاصيلها أو الفن الكناوي الذي يحضر من خلال الآلات الموسيقية كالسنتير مثلا علما أن الآلات الموسيقية للظاهرة الغيوانية غالبا ما تتشكل من مواد تراثية وهو ما يربطها فنون التراث عادة، وحين تضاف إليها القصائد والمعاني تأخذ طريقها في لب التراث المغربي الأصيل. ومما لا شك فيه أن التنوع في الآلات وفي المعاني وفي المصطلحات هو تنوع في القيمة الفنية للظاهرة الغيوانية بل هو تنوع كل المجالات الحيوية في المغرب. وهو في جوهره تنوع ثقافي عربي وأمازيغي وصحراوي وإفريقي وأندلسي، أكسب التاريخ المغربي رونقا وجمالا، فأضحت هذه الظاهرة ذات تاريخ مجيد برصيد فني عريق.

 

د. محمد البندوري

 

 

في المثقف اليوم