قضايا

الوفاقات المُتقاطعة في نظرية جون رولز للعدالة

علي رسول الربيعيأهتم الفيلسوف الأمريكي المعاصر جون رولز بمسألة تأسيس العدالة في الفكر السياسي الليبرالي، فهو مؤلف الكتاب الشهير بهذا الشأن "نظرية العدالة". لقد شغلت قضية العدالة أهتمام الفلاسفة منذ أفلاطون، حيث بحثوا عن قواعد كليًة وثابتة للعدالة يمكن للعقل أن يصل اليها. ويٌعيد رولز ممثلا للأتجاه العقلاني الذي يحاول متابعة خط الفيلسوف الألماني كانط الأخلاقي في تأسيس قاعدة عقلية للعدالة ولكنها لاتستند هذه المرًة الى أساس ميتافيزيقي ، فأراد أن يُحرر القيم الخلاقية من كل ماهو مفارق ومتعال وفي الوقت نفسه لايضعها كمجرد محاولات تجريبية بلا سند عقلي.

جمع رولز بين نظرية الأخلاق الكانطية التي تقول بأستقلالية الشخص، وتلك التي تقوم على فكرة العقد الأجتماعي حيث أعاد الروابط بين مع التراث الفلسفي للعقد الجتماعي؛ إنه ينطلق في البحث عن العدالة في ممارساتها كأنصاف من خلال ما يسميه بمنهج الأختيار العقلاني .

عمل رولز على أستقلال المفهوم السياسي للعدالة عن المنظورات الشمولية في تصورها للخير ؛ففصل الحق عن الخير في مسعى منه لتأسيس فكرة " الموقع الأصلي " الرئسية في نظرية العدالة التي يحددها رولز وقا لمبدأين هما: الأول – لكل شخص حق متساو في أقصى قدر من الحرية مقارنة بمخطط متشابه للحريات للجميع؛ يلزم عن هذا الموقف الأفتراضي للمتعاقدين كمتكافئين يستحقون معاملة متساوية ، فلا يستطيعون التقاط مجموعة من الترتيبات التي تخرق هذه السمة الأساسية. أما الثاني – فلابد أن تفي التفاوتات الأجتماعية بشرطين ،هما: لابد أن تكون (أ أن تكون هناك أقصى فائدة للأقل حظا، وتكون (ب) وأن تكون المناصب والمراكز مفتوحة للجميع في ظل شروط تكافؤ الفرص.

إنً أستقلال المفهوم السياسي للعدالة مسألة ضرورية لقيام " الوفاقات المتقاطعة " كما يراها رولز؛ فالوفاقات المُتقاطعة لاتعني أنً يٌضبط مفهوم العدالة ويكيًف للتوفيق بين منظورات شاملة ، كما لو أنه قد صٌممَ بقصد إقامة التسويات بينها، أو تُبنى طبقا لأفكار كامنة في تلك المنظورات. ولاتعمل هذه الوفاقات على أساس محض جدالية حول المفوم السياسي للعدالة، ففي صياغته لمبادى العدالة لايهتم رولز بمقدمات ومبادئ المنظورات الشاملة، فهو يستنتج هذه المبادئ من أفكار متضمًنة في ثقافة الديمقراطية.

لقد أستحضر رولز فكرة الوفاقات المُتقاطعة ليكشف كيف يمكن للمفهوم السياسي للعدالة أن يكون ثابتا ومستقرا في وجه أختلاف المنظورات الشاملة، وكيف يكون مستقلاً وسط مفاهيم متباينة للخير؛ بلإضافة الى طريقة تحقيق أنسجام العدالة مع الخير الشخصي. ومن هنا تأتي حاجة رولز لتفسيره لماذا تتولًد قناعة عند الأفراد تكون كافية للقيام بالفعل وفقا لما تتطلبه العدالة في سياق المفهوم لليبرالية حيث العدالة كإنصاف نظرا لأن الكثيرين منهم لايريدون أن يكونوا فاعلين مستقلين.

تقوم فكرة الوفاقات المتقاطعة على أساس أفتراض أنه يمكن للمواطنين الراشدين في مجتمع منظم أن يتبنوا أستقلالية المفهوم السياسي للعدالة لأسباب تكون خاصة تتعلق بوجهات نظرهم. ويمكن للمذاهب السياسية الشاملة والمختلفة أن تتقبل هذا المفهوم، وتجد المسوغات له طبقا لأسباب مقررة مسبقا داخل كل مذهب، فالكانطيون يقبلون المفهوم السياسي الليبرالي للعدالة لأسبا تتعلق باستقلالية حكم الشخص الراشد، والفنعيون يٌقرًون به لأنه يعزًز ولو بطريقة غير مباشرة مبدأ المنفعة أجمالا، بلإضافة الى هؤلاء يقر به الكاثوليك أيضا على أساس أنه تعبير عن الأرادة الإلهية، والحال نفسه يشمل الذين يتبنون مذهب التعدٌدية بوصف هذا المفهوم الليبرالي لسياسة العدالة يقدًم تبريرا كافيا لعدم الحاجة إلى اللجوء لمنظورات شاملة.

يفترض رولز أن المجتمع المُنظًم وفقا لمبادى العدالة يقبل بها رغم أختلاف تصورات المواطنين للعدالة حيث يمكن أن تقود تلك التصورات إلى أحكام سياسية متشابه من موقع ذلك القبول ؛ فالمقدمات المختلفة تمنح النتائج نفسها.

تحمل فكرة الوفاقات المعقدة تبريرا للمفهوم السياسي الليبرالي إذ أنها تفترض قبول المواطنين الراشدين لتسويغ المفهوم السياسي من ناحية العقل العمومي، حيث الأسباب والأفكار متضمنة في الثقافة السياسية الديمقراطية لديهم وحتى مع الأسباب الخاصة الناتجة عن أختلاف وجهات نظرهم لأن هذا المهوم السياسي للعدالة يكون منسجما مع كل تصور ذاتي للأشخاص ككائنات أخلاقية، ومع الأديان والقيم والأفكار الفلسفية التي تشكل وجهات نظرهم. وعلى هذا الأساس تحصل الوفاقات المُتقاطعة والإجماع المتداخل.

 

الدّكتور عليّ رسول الرّبيعيّ

 

 

في المثقف اليوم