قضايا

الإستشراق وحوار الحضارات

فيصل عبدالوهابألقى د. سامي الزهو أستاذ التاريخ في جامعة تكريت والمتخصص بالاستشراق محاضرة عن الاستشراق وحوار الحضارات في قصر الثقافة والفنون في محافظة صلاح الدين بتاريخ 4/12/2017  حضرها عدد من الأكاديميين والمختصين بالشأن الثقافي في المحافظة. وقد قدم له الأستاذ الدكتور سامي الصياد حيث أشاد بالجهود التي يبذلها قصر الثقافة والفنون في نشاطاته التي تهتم بالفكر والثقافة واستقطاب الأكاديميين ليأخذوا فرصتهم في ترصين الخطاب الثقافي.

باشر المحاضرحديثه بالقول: تتكون المحاضرة من ثلاثة محاور هي: الإستشراق والحوار والحضارات. لتعريف الإستشراق علينا أن نقول أن المعرَّف يخضع للمعرِّف فيختلف التعريف باختلاف الأهداف فهل هو سياسي أم أكاديمي أم تاريخي أم ثقافي؟ وتعريفي يمكن أن يرضي جميع الأطراف ؛ الإستشراق تيار فكري غربي يحاول جاهداً فهم الشرق لغةً وتاريخاً، عادات وتقاليد. وهذه الفكرة جاءت للغرب من نقطة ضعفه فحاول أن يطَّلع على ذاته من خلال ذوات الآخرين حين اكتشف أن الكنيسة تتلاعب فيه فحاول البحث عن العهدين القديم والجديد باستقصاء منابعه الأصلية فلم يجد إلا الشرق فتوجه إلى معرفة لغاته. لذلك فالذي يبرع بلغات الشرق يسمى مستشرقاً. وكان للسياسي أن يوظف هذه المعلومات التي اكتسبها المستشرق لخدمة أغراضه فحصل توافق بين السياسي والمستشرق والكنيسة والمستشرق ، لذلك صارت للمستشرق أهمية كبيرة وراجت بضاعته.

وقد ركز المستشرقون اهتمامهم بالاسلام أكثر من الديانات الأخرى لأهميته في الشرق.وقد كان للمجمع الكنسي الذي عقد في فينا سنة 1312 في إطلاق الشرارة الأولى للإستشراق حيث دعا إلى تأسيس كراسي اللغات في الجامعات الغربية والتي تهتم بالدراسات الشرقية. وقد أحدث ذلك كمًّا هائلاً من المعلومات ومصدرا ضخماً لغزو الشرق على حد تعبير المستشرق مكسيم رودنسون.

وهناك من يُرجع الإستشراق إلى بداية الفتوحات الإسلامية حيث تنبه الغرب إلى الكيان الجديد الذي اكتسح الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية. وقد كانت هناك مساحات واسعة للجدل والحوار بين أفراد الديانتين المسيحية والمسلمة حيث أن يوحنا الدمشقي مثلاً قد ألّف كتاب الجدل بين المسيحي والمسلم وهذا ما يجعلنا نراجع آراءنا في مسألة تقبل الرأي الآخر. وهناك من يقول أن الإستشراق قد بدأ في مرحلة الإحتكاك بين الثقافات في الأندلس. وقد كانت الأندلس وصقلية المنفذين لظهور الإستشراق ثم جاءت الحروب الصليبية التي هيأت الوسط لذلك الإحتكاك الثقافي.

وقد كان الاستشراق قبل الحرب العالمية الأولى يخبو ويظهر لكن الحرب كانت الوسيلة لفهم الشرق وأثبتت الحاجة لذلك. وكان رواد الحرب العالمية الأولى هم من الفرنسيين والإنجليز الذين غزوا الشرق فيما تخلّف الألمان وكان ذلك سببا جوهريا في أن المستشرقين الألمان كانوا أكثر إنصافا للشرق لأنه لم تكن لبلدهم مصالح معينة مثلما هي للفرنسيين والإنجليز.وبعد التغييرات السياسية الكبيرة التي أحدثتها الحرب العالمية الثانية ظهرت قوتان كبيرتان هما الولايات المتحدة الأمريكية  والاتحاد السوفيتي للإستشراق معتمدة في ذلك على حلفائها الأوروبيين. وقد حاول المستشرقون أن يجعلوا من تاريخ الشرق عدة تواريخ ليكون في ذلك سببا في فرقته أكثر من وحدته. وقد أوصلوه بذلك إما إلى حوار الحضارات أو صدام الحضارات. وأول من تبنى فكرة حوار الحضارات هو المفكر الفرنسي روجيه غارودي  الذي أعلن إسلامه لكن هذه المسألة لا دخل لها في نظريته  ، حيث استند غارودي على نظرية ابن عربي الصوفية  والتي تؤكد على وحدة الديانات. ومن الغريب أن تأتي هذه الفكرة في القرن الرابع الهجري وتدعو إلى وحدة العالم. وقد هاجمه الكثيرون على ذلك حتى أن بعضهم يخرجه من إسلامه.

وقد سبق صموئيل هنتنغتون  العديد من المفكرين  والذي جاء بنظريته في صدام الحضارات سنة 1993  كذلك المستشرق برنارد لويس حيث كتب مقالة في ذلك. ويمكن إجمال فحوى نظرية هنتنغتون  بأن العالم بعد انهيار الإتحاد السوفيتي قد أصبح قطباً واحداً هو النظام الرأسمالي والذي يتميز بالديمقراطية  وكل الصفات الحسنة  التي تجعله يسود العالم. وسيكون الصدام بين الديانات الثلاثة المتمثلة  بالاسلام والمسيحية والكونفوشيوسية. وأصبح هذا الرأي قريبا من مفكر آخر له وجود في السياسة الأمريكية وهو فوكوياما الذي ألّف كتابا عن نهاية التاريخ معتبراً أن الرأسمالية هي النظام الأمثل وبذلك يكون لدينا غارودي في حوار الحضارات وهنتنغتون في صدام الحضارات وفوكوياما في نهاية التاريخ ، إلا أن فوكاياما قد تراجع عن أفكاره في النهاية. ثم أشار المحاضر إلى أحد الكتب الغربية للمستشرقة الألمانية زكفريد هونكه والتي جعلتنا ننام في سبات ونحلم بأمجادنا دون النظر إلى واقعنا المؤلم.

وعلّق الأستاذ سامي الصياد على ما ذكره المحاضر بأن حدد الصراع بكونه نصرانياً مسلماً بعد فتح القسطنطينية  وتغيير اسمها إلى اسطمبول  حيث ثارت ثائرة المستشرقين  من جديد بعد أن خبت بعد الحروب الصليبية. ثم سأل الباحث في التاريخ ابراهيم الناصري عن مدى توفر من يعادل الغرب من الشرق فأجاب المحاضر بأنه لم يتوفر لدينا من يحاول الإستفادة من الغرب من أجل أن يكون الأكفأ ولم نصل إلى مرحلة الند مع أوروبا ولكن رجحت النظرية التي تستند على الآية الكريمة (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة). كما نبه الباحث ابراهيم الناصري إلى مسألة الترجمة وأثرها في عملية التبادل والحوار الثقافي بين الأمم. ثم علّق د. غنام خضر بالقول أن كتاب فوكاياما في نهاية التاريخ يؤكد على انتصار اللبرالية  في النهاية فإلى أي حد أثّر في مجتمعنا؟ فأجاب المحاضر بأن هذا الكاتب قد انقلب على نفسه وذلك بفعل التغييرات التي حصلت بعد ذلك فالمؤرخ يتفاعل مع الواقع ويصوغ نظرياته تبعا لذلك. ثم سأل كاتب هذه السطور عن السبب في اختلاف الأدباء والباحثين في المجال الأدبي عن الباحثين في مجال التاريخ في تقديرهم للعرب والشرق والإقرار بفضلهم في رفد الحضارة بينما يتحامل المؤرخون كثيرا على الشرق ويصفونه بأبشع الصفات ، فأجاب المحاضر بأن الأدباء انسانيون بطبيعتهم بينما المؤرخون يتصلون بالسياسيين وممثلي الكنيسة  لذلك تكون نظرتهم ضيقة تحددها مصالحهم فقط. ثم استفسر استاذ التاريخ د. خالد حمو عما يثبت دور المستشرقين في الحروب الصليبية  فأورد له المحاضر قولاً معروفا للشاعر الانكليزي روديارد كبلنغ: الشرق شرق والغرب غرب للدلالة على توفر صيغ مماثلة إبان الحروب الصليبية. واختتم الأستاذ الدكتور سامي الصياد بتحيته للمحاضر وتعليقه بأن الصراع بين الشرق والغرب عقائدي ديني ابتداءاً من الحروب الصليبية على الرغم من أن الكثير من الآيات القرآنية تدعوا للحوار لكن المتطرفين من الطرفين لا يفسحون المجال لذلك.

 

د. فيصل عبد الوهاب

 

في المثقف اليوم