قضايا

المرأة والعمل.. بين الخطاب الديني والفكر التحرري

سميرة بنصرإني لفي عجب شديد من هؤلاء الذين يستعملون قضايا المرأة كرهان لإثبات فكرة ما بداخلهم حيث صار الذي يصبو الى البروز والشّهرة من الناحية الدينية او الحداثية لن يتكلف كثيرا غير الإتيان بخطاب في غاية التشدد والتّطرّف من الجهتين .

فنجد رجل الدّين أو بالاحرى – الدين السياسي- كلما همّه أمرٌ يلجأ الى ما يسمونه بقضية المرأة فيجعل له الصّفحات العريضة والخطابات الطّويلة رادعا متوعدا مستشهدا او مستندا للاحاديث والامثال، مختزلا كينونة المراة في جسدها لا غير، لا أكثر.

في ذي السياق نجد المفكر الحداثي- مع واجب التّحفظ والاحتراز على كلمة "مفكّر" – يستعمل نفس الاسلوب لبلوغ مآربه أو مآرب يكون له منها الاجر الوافر.

وإنّي أقول لهذا وذاك.. اتركوا المرأة من قضاياكم أنتم، فقد جعلتم منها أداة تستعملونها لكسب رهاناتكم ولإثبات ذواتكم ونواياكم الخفية..

لا خطابكم الدّيني ولا فكركم المتحرّر خدم مشاكل المرأة الحقيقة . المرأة الان تعيش بين تضارب واختلاف نزعاتكم لكنّها تدرك جيّدا أن خطاباتكم لم تك لتعنيها بقدر ما تعددون من النعم التي حبيتموها بها.

المرأة صارت تدرك جيّدا ان ما سال حبر لقلمك أيها الرّجل إلاّ لكي تكتب ما تراه صالحا لذاتك وليس لذاتها. وفي مقالي هذا أتناول مسألة المرأة والعمل التي جعلتموها محطة بائسة يطول المكوث بها، فرجل الدّين يشدّد على ضرورة إبقاء المرأة طي الجدران محافظة على جسدها من الأعين ودرءا لشرّها عن المجتمعات.

 والرّجل الحداثي يشدُّ عزمها للخروج الى كل المواقع ويعتبرها نّدا للرجل – وهنا تكمن العلّة – ففي تخمينه هذا توافق كبير مع الطّرف الاول فكلمة (يعتبرها) في حد ذاتها لا تعبّر الا عن اقراراه بنقص المرأة... وقد حاول انصافها واعتبرها ندّا لهذا الكيان الذّكوري

أقول لهم لا يا سادة ... لا أريد اعتبارات واهية فأنا لست بمرتبة أدنى منك في الخلق حتى تتنازل عن كبريائك وتعتبرني (مع وضع عدّة سطور تحت الكلمة) ندّا لك فالمرأة ليست كائنا ناقصا وكلماتك ومواقفك التي اعتبرها عنصرية ومجحفة في حقها تأتي لتكملها أو لترفعها إلى مرتبتك الأعلى.

المرأة هي الانسان لا نقص فيها ولا عيب غير أن دورها الذي أسنتدته لها الطّبيعة جعل من الرّجل المسيطر عليها، خلقنا كلّنا لنعمل في هذه الحياة، كل على قدر جهده وفكره.

وإني لعلى يقين من أن اكثر من نصف النساء العاملات اليوم خارج بيوتهن يعملن اضطرارا وليس اختيارا، يعملن ويشتغلن في ظلّ غياب دور الرّجل في الانفاق على أسرته وتوفير مستوى عيش لائق، خرجت المرأة الى شتى المواقع حتى تلك التي تنتهك بينتها الجسدية، خرجت لا لإثبات ذاتها كما يقال وانما تحت وطأة الحاجة الملحة لها ولأسرتها وصارت تعمل داخل وخارج البيت في آن واحد مع أنّ راتبها يتمتع به الكل إلاّها.

إذا خرجت المرأة الى مواطن العمل اضطرارا فاعلم أن ذلك من صميم العبودية وأنه اغتصاب لحريتها وليس ممارسة لها ...

فقط أقول من أراد خيرا بهذا الكائن البشري المرهف الحس عادة فليعلمها ويسرف في تعليمها وليرقق وليهذب حسها الفني وذائقتها وليعمل على تثقيفها لتسمو بروحها ولتسعى في هذا كلون الى ما عهده الله لها به وهي مهمة الاعمار بتكرير الحياة ونشر الجمال وليأمن لها وضعها على جميع المستويات و ليوفر لها حاجة اسرتها ومن هنا تكون هي المقرر الوحيد ما إذا كانت تريد العمل خارجا إذا ما رأت أنها ستحقق إضافة لها ولمحيطها وللمجتمع بأسره أو انها تبقى داخل بيتها لأنها ستكون فاعلة أكثر ومعطاءة وليس لنجاة المجتمع من فتنها وجسدها حسب بعضهم، وأوجه قولي بالدرجة الاولى الى الاجهزة التي تخصص لها الاموال الطائلة تحت عدة مسميات تصب كلها في خانة الاهتمام والاحاطة بالمرأة وهي منها براء، فلماذا تخصص الوزارات والطواقم الادارية التي من واجبها الاهتمام بقضايا المرأة وقضايا الاسرة ولكنها لا تنزل الى الارض الصلبة التي تعيش فوقها امرأة اليوم ولا تقدم لها شيئا اصلا، فلم لا تكون الاحاطة الفعلية حتى نعلم ان المرأة تعمل بمحض ارادتها وبمبادرة منها وليس اضطرارا ثم اجعل لها الفضاءات التي يمكنها من خلالها ان تكون فاعلة حتى وان لم تشتغل. .

 

سميرة بنصر - تونس     

 

في المثقف اليوم