قضايا

تأملات في الطباع الأربعة وتوزيعها على الفصول الأربعة!

حدد القدماء طباعًا أربعة لا بد أن تُشكل إحداها السمة الواضحة لأي شخصية إنسانية، وصنَّفوا على أساسها البشر، تأسيسًا على الاعتقاد بأنه مهما كانت درجة الفروق الفردية التي تجعل الإنسان متفردًا عن غيره من البشر، فللمكان الذي وُلد ونشأ فيه الشخص، وللوقت من العام الذي كان فيه ميلاده، تأثيرهما القوي على إعطاء طابع عام لشخصية من يشتركون في المولد تحت سقف نفس المكان أو الزمان. وتأملاتي اليوم خاصة بالزمان.

والطباع الأربعة التي أعنيها كغلاف للشخصيات الإنسانية هي: النار والتراب والهواء والماء؛ فالنار هي رمز الشغف والقوة، والتراب هو رمز الثبات والاستقرار، والهواء هو رمز الفكر والتأمل، والماء هو رمز العواطف والأحاسيس.

ولعل كثيرًا منا يعلم أن القدماء قد قسموا الطباع الأربعة على شهور السنة الميلادية، فكان نصيب كل طبع منها ثلاثة شهور يلتصق بها، أو فلنقل ثلاثة بروج، والطباع تتوزع عليها دائريًا؛ برج ناري بعده ترابي بعده هوائي بعده مائي، ثم تتكرر الدورة مرتين، والبروج الاثنا عشر هي كالآتي:

الحمل (ناري)- الثور (ترابي)- الجوزاء (هوائي)- السرطان (مائي)- الأسد (ناري)- العذراء (ترابي)- الميزان (هوائي)- العقرب (مائي)- القوس (ناري)- الجدي (ترابي)- الدلو (هوائي)- الحوت (مائي).

ولأن فصول السنة أيضًا أربعة، فقد رأوا لكل فصل بوجه عام طبع خاص به، فالربيع (ترابي)، والصيف (ناري)، والخريف (هوائي)، والشتاء (مائي).

ولو دققنا سنجد أن الربيع هو الفصل الذي تنبت فيه الأرض بالزرع بعد موات الشتاء؛ لذا كان عندهم استهلال العام، والدورة الفلكية الجديدة تبدأ بالحمل، أول أبراج الربيع؛ فالربيع هو رمز تراب الأرض والعطاء الآتي منها في شكل نبت ناشئ. والصيف هو فصل سخونة الجو، فهو ناري، والخريف هو الفصل الذي يتحرك فيه الهواء –وفقط الهواء دون الأتربة-، فهو هوائي الطبع، أما الشتاء والذي هو موسم الأمطار عندهم، فهو مائي.

وقد رأوا أيضًا في كل عام تمثيلًا لرحلة الإنسان في الحياة، التي تبدأ بالربيع، والذي يمثل الميلاد وبدء الحياة والطفولة اليانعة، التي تنمو شيئًا فشيئًا، ثم يأتي من بعده الصيف الناري، الذي يُعبر في حياة الإنسان عن الشباب، بكل ما فيه من قوة وشغف، ثم يحل الخريف، ويمثل لحظة الميلاد الثانية، فهو بدء الانعكاس إلى الجهة اليمنية من دائرة البروج وليس الشامية، وهو فصل الحكمة والأفكار والتأمل في منتصف العمر، وأخيرًا يأتي الشتاء معبرًا عن الشيخوخة، والتي يتدرج التعبير عنها من ثبات الرأي والمبادئ على ما تعلم الإنسان (الجدي)، ثم العناد (الدلو)، ثم حساسية الإنسان المفرطة (الحوت)، وربما كان يُمثل الشتاء –من منظور آخر- حياة الجنين في وسط مائي في رحم أمه قبل مولده.

فمن براءة الأطفال لدى مواليد الربيع، والذين يبقى تعلقهم طفولي بأمهاتهم مهما طال بهم العمر، إلى جنون الشباب والحماسة في الصيف، والتي تبدأ بعاطفية السرطان التي تشبه مشاعر المراهقين، قبل أن تلتهب الحماسة عند الأسد، لتخف حدتها بعد ذلك عندما يواجه الإنسان مهام العمل، والتي يعبر عنها العذراء، لينتقل الإنسان بعدها إلى حالة القوة والصلابة التي تكسبه إياها الأيام، كشجرة تقف وحدها يعصف بها الهواء في الخريف، ومهما تساقطت الأوراق تعبيرًا عن انفضاض الناس يبقى جذعها منتصبًا وتبقى قوية، ثم مرحلة فيض الحنان والمحبة الذين يغمرنا بهما كبار السن، حتى وإن كان يكسوها في درجاتها الأولى، صلابة من يريد أن يكسبنا المبادئ ويعلمنا (الجدي والدلو)، وليس فقط أن يكون محبًا عطوفًا، مع ضعف طاقته البدنية (الحوت).

ولقد كانت لي تأملات إضافية حول الطباع والفصول؛ حيث لاحظت أن كل فصل من فصول السنة تمثله ثلاثة بروج ذات ثلاثة طباع مختلفة، أحدها هو الطبع العام للفصل، بينما يختفي طبع واحد من كل فصل من فصول السنة.

بروج فصل الربيع (الترابي): الحمل (ناري)، والثور (ترابي)، والجوزاء (هوائي).

بروج فصل الصيف (الناري): السرطان (مائي)، والأسد (ناري)، والعذراء (ترابي).

بروج فصل الخريف (الهوائي): الميزان (هوائي)، والعقرب (مائي)، والقوس (ناري).

بروج فصل الشتاء (المائي): الجدي (ترابي)، والدلو (هوائي)، والحوت (مائي).

في الربيع نجد النار والتراب والهواء، ولا يوجد تمثيل للطبع المائي، وفي الصيف يختفي الطبع الهوائي، وفي الخريف يختفي الطبع الترابي، بينما في الشتاء يختفي الطبع الناري.

وهناك تقابل ملحوظ؛ فالصيف هو رمز النار، والتي تختفي تمامًا في الشتاء، حيث يحل الصقيع! وبينما الربيع يحمل رمزية التراب، نجد طبع التراب يختفي تمامًا من الخريف! تعبيرًا عن العقل والحكمة وليس التصاق الأقدام بالأرض.

وربما كان لهذا ارتباط أيضًا بقوة هذه الطباع، فأقوى الطباع هو النار، ثم التراب، ثم الماء، ثم الهواء؛ حيث الهواء أفكار وتأملات وليس قوة مادية؛ وبالتالي لا عجب أن يختفي الهواء رمز الفكر والتأمل من الصيف، الذي يرمز للشباب، ليكون الهواء بعدها –وعلى النقيض- رمزًا للخريف بأكمله، والذي يمثل المرحلة اللاحقة من العمر، أو النضج العقلي وليس الجسمي.

كذلك فإن النار التي تختفي من الشتاء هي أعلى درجات القوة، ومن الطبيعي أن تختفي الدرجة العالية من القوة المادية من الفصل الذي يمثل الشيخوخة، بعد أن كانت معبرة عن أبراج فصل الصيف (الشباب) بأكمله.

ودائمًا يكون البرج الذي يتفق طبعه مع الطبع العام للفصل الذي يوجد فيه، هو الأعلى في هذا الطبع من البرجين الآخرين الذين على شاكلته؛ فالأسد برج ناري الطبع مرتين؛ مرة لأن النارية طبعه الخاص، ومرة لأنها طبع فصل الصيف الذي يحل فيه، يليه الحمل في الدرجة الثانية من النارية، حيث يوجد في فصل ترابي، والتراب يلي النار من حيث قوة الطبع المادية، فالحمل ناري ترابي، وهو أكثر الأبراج النارية مادية، بينما القوس أقل أبراج المثلث الناري نارية، حيث هو آخر أبراج فصل الخريف، وتمتزج ناريته بهوائية الخريف، تعبيرًا عن تقدم الإنسان في العمر والعقل، فالقوس هو مزيج من قوة الجسد (النار) وقوة العقل والفكر (الهواء).

وكذلك الثور هو الأعلى ترابية من العذراء والجدي، لأنه البرج الترابي الذي يقع في الربيع، وهو الفصل الترابي، والحوت هو الأعلى مائية من السرطان والعقرب، لأنه برج مائي يقع في الشتاء، وهو الفصل المائي، والميزان هو الأشد هوائية من الجوزاء والدلو.

الأسد: ناري، والحمل: ناري ترابي، والقوس: ناري هوائي.

الثور: ترابي، والعذراء: ترابي ناري، والجدي: ترابي مائي.

الحوت: مائي، والسرطان: مائي ناري، والعقرب: مائي هوائي.

الميزان: هوائي، والجوزاء: هوائي ترابي، والدلو: هوائي مائي.

ولأني أعرف أن القدماء قد اعتبروا الميزان، بيت هبوط الشمس، فقد تأملت في ذلك، ولا أحسبه قد أتى من فراغ؛ فالميزان هو أول بروج الخريف، والشمس هي صاحبة النار، التي كانت لها الكلمة العليا في فصل الصيف! ولأنه الأعلى هوائية؛ كونه برج هوائي الطبع، يقع في فصل هوائي الطبع، فهذه هي الفرصة الوحيدة لانتصار الهواء (الفكر والتأمل والحكمة والعدالة) على النار (القوة المادية والتسلط)، لتنضبط كفتا الميزان!

كثيرًا ما لفتني أثناء تصفح أوراق التاريخ أن معارك تحققت فيها العدالة لصاحب الحق وليس صاحب القوة وقعت في زمن الميزان؛ نجاة سيدنا موسى من فرعون وغزوة بدر ومعركة حِطين وحرب السادس من أكتوبر 1973، على سبيل المثال، بينما يتجلى الاستئساد في أقوى صوره عندما يتزامن مع وقت الأسد، كارثتا هيروشيما وناجازاكي، على سبيل المثال!

أتمنى أن تكون رحلتي التأملية في طباع البشر وفصول السنة قد راقت لكم، كما أتعشم أن ينقشع الشتاء سريعًا، فقد اتحد هواؤه وماؤه وترابه علينا، وغابت النار! وكقوسية نارية أعاني الأمرّين!

 

د/منى زيتون

 

في المثقف اليوم