قضايا

وليد كاصد الزيدي: أزمة العقل في مجتمعاتنا العربية وانغلاق بوابات التنوير

وليد كاصد الزيدي(محاكمة طه حسين انموذجاً)

من المعروف أن أغلب المفكرين والنخب المثقفة (الانتجلسيا) من العرب درسوا إبان عصر التنوير الأوربي  في الغرب ولاسيما في بلدان أوربا وحاضرتها الثقافية فرنسا، فتفتحت عيونهم وأذهانهم بفعل حرية استخدام العقل في تلك البلدان التي أقاموا فيها وهو المقيد في بلدانهم، وقد كان في مقدمة هؤلاء الكاتب المصري الكبير طه حسين الذي درس في فرنسا وتزوج من إمرأة فرنسية (سوزان) التي دعمته في دارسته وكتاباته في ما بعد حتى تبوأ منصب وزير المعارف رغم انه كان كفيف البصر!

وقد تأثر أغلب هؤلاء ومن بينهم طه حسبن بأبو الفلسفة الحديثة التنويري الفرنسي (رينيه ديكارت) مؤسس مبدأ (الشك أساس اليقين) والشخصية العقلانية الرئيسة لمذهب " العقلانية" في القرن السابع عشر الذي جعل العقل هو الفيصل في مجمل التصرفات والأفعال، إذ يعد ديكارت من مؤسسي الحداثة ومتبني أفضلية العقل على ما سواه، فقد اتجه الى تقدير وتثمين ميزة العقل لدى الإنسان ووطد قواه، وإعتمد عليه كل الإعتماد من أجل بلوغ المعارف اليقينية، حتى ذاع صيت مقولته " أنا أفكر، إذن أنا موجود ".

وعندما عاد طه حسين الى مصر كتب بذهنية الغربيين متأثراً بالمنهج الديكارتي،  فاصطدم بذهنية الشرقيين وثارت ثائرتهم عندما اصدر كتابه الشهير  "في الشعر الجاهلي"  فقدمت ضده عدة بلاغات الى النيابة العامة في المدة من حزيران/ يونيو الى أيلول/ سبتمبر 1926م،  تصدت لها شخصيات سياسية ونخب ثقافية مدافعة عن طه حسين، فأجري معه تحقيق ثم صدر قرار النيابة في 30 اذار / مارس 1927م عندما قدم محمد نور، المحقق، تقريره التاريخي، حيث أنهاه بقوله: " وحيث إنه مما تقدم يتضح أن غرض المؤلف لم يكن مجرد الطعن والتعدي على الدين بل إن العبارات الماسة بالدين التى أوردها في بعض المواضع من كتابه، إنما أوردها في سبيل البحث العلمي مع اعتقاده أن بحثه يقتضيها. وحيث إنه من ذلك يكون القصد الجنائي غير متوفر".

نحن لسنا الى جانب طه حسين في تعرضه لثوابت الاسلام، ولكننا بكل تاكيد نصطف معه ومن هم على شاكلته السائرون على منهج التفتح العقلي وعدم التقيد بكثير مما ورثته المجتمعات العربية والإسلامية من تراث هو بحاجة ماسة الى المراجعة والتجديد والتطوير من اجل رقيها وسيرها في ركاب الامم المتقدمة، لتخرج من براثن التخلف والتبعية، مع ان المتصدين لهذا الأمر سيواجهون تحديات جمة ومخاطر كثيرة من قبل متحجري العقول، الذين يصف آرثر شوبنهاور سلوكهم بأنهم " أكثر ما يكرهه القطيع هو إنسان يفكر بشكل مختلف، إنهم لا يكرهون رأيه في الحقيقة، ولكن يكرهون جرأة هذا الفرد على امتلاك الشجاعة للتفكير بنفسه ليكون مختلفًا ".

 

د. وليد كاصد الزيدي

 

في المثقف اليوم