قضايا

آمال طرزان: في الأخلاقيات النسوية.. خرافة تحديد الهوية الجندرية

نحن اليوم في شهر مارس لعام 2122م بإحدى الاجتماعات المنعقدة للموجة السادسة لتيار الحركة النسوية الراديكالية، حيث تتغنى قائدة التيار "بيلا توماس" Bella Thomas بأهم ما أنجزته الحركة على مدار قرنين من الزمان في ثورتها على السلطة الأبوية، حيث افتتحت جلستها بالإشادة بنضال جداتها من نسويات الموجة الثانية من أجل الحصول على الكثير من مطالبهن ومن أهمها: حق ملكية الجسد وحرية الإجهاض للمرأة وتحديد الهوية الجندرية. كانت "بيلا" تسير على خطى سابقاتها في نظرتها للرجال باعتبارهم العدو اللدود للنساء، فهم لا يزالون يعيشون بنفس فكر المنظومة الأبوية داخل منازلهم أو خارجها ويمارسون القهر والاضطهاد على النساء جسديًا و فكريًا و نفسيًا. ومن هنا أخذت تدعو جميع أنصار التيار الراديكالي قائلةَ بأننا أصبحنا اليوم قادرين على اختيار الهوية الجندرية التي تتوافق مع ميولنا فلماذا لا نستخدم القدرة على التحول الجنسي كسلاح لنا من أجل معاقبة الرجال المتمردين والمتسلطين إلى يومنا هذا، ومن ثم نادت إلى ضرورة سن قانون يضمن للنساء جميعًا حقوقهن وحمايتهن من قهر ووحشية الرجال ينص بأن من يوقع إيذاء جسدي أو نفسي على امرأة لكونها أنثي ضعيفة لابد أن يعاقب بتحويل هويته الجندرية قسرًا رغم عنه إلى ذلك الكائن الضعيف مدى الحياة حتى يشعر بما تشعر به المرأة المستضعفة في ظل الهيمنة الاجتماعية للرجال على النساء  في هذا المجتمع الأبوي.

عزيزي القارئ عزيزتي القارئة قد يكون ما ذكر في السطور السابقة نوعًا من الخيال الصادم لما يمكن أن يطالب به تيار الحركة النسوية الراديكالي المتطرف مستقبلًا.

فبعد سنوات من نضال الموجة الأولى من النسوية حدثت فترة من الكساد الذى توقعن فيه النساء أن النسوية قد انتهت بعد حصولهن على حق التعليم وحق الحضانة والعمل إلى أن بدأت شرارة الموجة الثانية بكتاب "الجنس الآخر" للفيلسوفة الوجودية "سيمون دي بوفوار" ومقولتها الشهيرة "المرأة لا تولد امرأة بل تصبح امرأة" تلك المقولة التي أدت لظهور الجندر، والذى يعد من أهم القضايا التي أريد تسليط الضوء عليها هنا حيث تم صياغة هذا المفهوم على يد عالم النفس "روبرت ستولو" وقد استخدم مصطلح الجندر لأول مرة من قبل "آن اوكلى" لوصف خصائص كل من الرجال والنساء المحددة اجتماعيًا في مقابل المحددة بيولوجيًا فالفروق بين الجنسين ترجع إلى اسباب اجتماعية وليست بيولوجية.

ويتضح لنا وفقًا للرؤية الجندرية أن المجتمع هو الذى يشكل النوع الاجتماعي للشخص وليست البيولوجيا بمعنى أنه المسئول عن إرغام الرجل أن يصبح ذكر والمرأة أن تصبح أنثى، وكذلك مسئول عن تمايز الأدوار بين  الجنسين. ومن ثم يطالب الجندر أن نعطى لكل إنسان الحق في تحديد هويته الجندرية التى يريد أن ينتمى إليها، فلا داعي للربط بين تحديد النوع الاجتماعي وبين الأعضاء البيولوجية. فعلى المجتمع الرضوخ لرغبة وميول وشعور الفرد. وبالفعل واقعيًا أصبحت بعض الدول الغربية تسمح للأنثى أن تتحول إلى ذكر حتى ولو كانت فسيولوجيًا وبيولوجيًا أنثى والعكس. وللأسف مع الدعوة إلى تحديد الهوية الجندرية يظهر لنا اليوم المتحولون جنسيا. ولكن تجدر بنا الإشارة إلى أنه توجد حالات لبعض الأطفال يولدون بأعضاء جنسية غير واضحة في مثل هذه الحالات نحتاج إلى التدخل الطبي لتحديد الهوية الجندرية التي ينتمى إليها الطفل وفيما عدا هذا يعد خرافة لا دخل لها بفطرة الإنسان.

وبناءً على ما سبق، تكمن خطورة فكرة تحديد الهوية الجندرية أنها ترتكز على أن شعور الفرد بعدم الارتياح للجسد الذى يسكن فيه ورغبته في العبور لهوية أخرى تتنافي مع طبيعته البيولوجية، على حين تغافلوا –دعاة الهوية الجندرية- عمدًا أن هذا الشعور يرجع إلى أسباب نفسية تحتاج إلى اللجوء لعيادات الطب النفسي لمعالجتها. إذا ترك الأمر لمجرد الشعور الفردي النسبي المتغير للشخص سوف تدمر الطبيعة البشرية. خاصةً، بعد اعلان النسوية الراديكالية الحرب على الرجل لكونه يمثل النظام الأبوي داخل مؤسسة الأسرة، فركزت على تفكيك الأسرة إلى أن وصلنا اليوم إلى انعدام الخصائص المحددة للهوية الجنسية لدى كل من الذكر والأنثى.

إلى كل رواد الفكر والتنوير خوفًا على مستقبل شريكي الحياة الرجل والمرأة . خوفا على مستقبل أبنائنا في عالمنا المسطح الذى تتعالى فيه صيحات نسوية متطرفة تلك التي تفتقد لأسس التفكير العقلي والمنطقي والتي -فيما أرى- تنم عن فكرة التمركز حول الأنثى. خوفا على مستقبل أجيال قادمة منفتحة على شعوب العالم الآخر تستورد إنتاجُا فكريًا وثقافيًا يعبر عن هوية تلك الشعوب. علينا غرس جذور هويتنا الثقافية وقيمنا وثوابتنا الدينية لمجتمعنا العربي في نفوس الأجيال القادمة.

نستطيع معًا التصدي لخرافة تحديد الهوية الجندرية .

 

آمال طرزان

باحثة دكتوراه

 

في المثقف اليوم