قضايا

الْعِباداتُ بينَ التَّكرارِ العابثِ والتَّكرارِ الهادِفِ

ألْبَعْضُ يُثيرُ إِشكالاً وَتَساؤُلاً، حولَ التَّكْرارِ في العبادات؟ لماذا تَكَرَرتْ الصلاةُ خَمسَ مَرّاتٍ في اليومِ؟ ولماذا يتكررُ الصَّومُ ثَلاثينَ يوماً كُلَّ عامٍ؟ ولماذا تتكرر الزكاة؟ وهكذا بقيّةُ العباداتِ؟ ولماذا تَتَكررُ مقاطع من القصص القُرآنِيِّ في أكثرِ من سورةٍ؟ هلْ هذا التَّكرارُ تَكراراً عَبَثِيّاً لامعنى لهُ؟ أمْ أنَّ لَهُ أَهدافاً ومقاصِدَ؟

 ليسَ كُلُّ تَكْرارٍ عابِث وبلاهَدَفٍ، بل هناكَ تَكرارٌ هادِف. التَّكرارُ الذي من ورائِهِ هَدَفٌ وقَصْدٌ هو تَكرارٌ هادِفٌ. والتكرارُ الذي يخلو من القصدِ والغايةِ والهدف، هوَ تَكْرارٌ عابِثٌ.

 التَّكرارُ ظاهرةٌ كونِيَّةٌ؛ فالشَّمسُ تَتَكَرَرُ في شُروقِها وَغُروبِها، وكذلك الكواكبُ الاخرى، والايامُ والشهورُ والسنون كُلُّها تتكررُ، فهل هذا التكرارُ تكرارٌ عابثٌ لاهدفَ من ورائهِ؟ ام هو تكرارٌ هادِفٌ من ورائهِ حِكَمٌ وغاياتٌ؟

في مقاربتنا لِمَسأَلَةِ التَّكرارِ -احياناً- نحنُ نَنْظُرُ الى الاداةِ، ونغفل عن الْقُوَّةِ المحركة الكامنة وراءها، كمن ينظر الى الناعور الذي هو: ساقية أو دولاب ذي دلاء او نحوها يدور بدفع الماء أوجر الماشية فيخرج الماء من البئر أو النَّهر الى الحقلِ.(معجم اللغة العربية المعاصرة، احمد مختار عبدالحميد، ج3، ص 2238 ).

من ينظر الى الناعور الذي يجرهُ الثَّور، سيقولُ ان الثورَ يقوم بتكرارٍ عبثي لاطائلً من ورائهِ ؛ لانَّهُ نظرَ الى الأَداةِ ولم ينظر الى صاحب الاداة الذي استخدم الثور كأداةٍ في سقي حقلهِ.

 هكذا في نظرنا الى المسأَلَةِ ننظر الى الاداة لا الى من يقف خلفَها. فلايجوز الاعتراضُ على الشمس بأَنَّها تقوم بفعلٍ تَكراريٍّ عابثٍ لاطائلَ من ورائهِ لانَّها مجرد أداة وظَّفَها الخالقُ -تعالى- لتؤديَ وظيفةً تتوقفُ عليها حياةُ النباتِ والحَيَوانِ والانسانِ.

 وهكذا الامر في الصلاة والعبادات، فهي وسائلُ تربوية شرَّعَها تعالى لترتقي بالانسان الى الذرى السامقة، لتصل به الى الكمال الانساني ؛ ولذلك عللت هذه التشريعات: فالله تعالى يقول: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).العنكبوت: الاية: (45).، اي انها وسيلة من اجل الارتقاء بالانسان وتكامله، وكذلك الصوم: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). البقرة: الآية: (183). اي ان الحكمة من هذا العمل التكراري الهادف هو الوصول الى التقوى، وكذلك الزكاة، فالله تعالى يقول مخاطباً رسوله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). التوبة:الاية: (103).، فهي تُطَهِّر المُزَكِّي الذي يدفعُ الزكاةُ وتعالجُ حالةَ الفقرِ لمن تُعطى اليه. اذن، هذا ليس تكراراً عبثياً للعبادة بل هو تكرار هادفٌ مقصود.

***

زعيم الخيرالله

 

في المثقف اليوم