قضايا

استشراق كارل بروكلمان وكتابه تاريخ الادب العربي

قاسم خضير عباسهناك نوع من الاستشراق يتسم ببعض الموضوعية والعلمية، لكنه يتلبس بالحقد على الإسلام ويخلط الحق بالباطل. فـكارل بروكلمان مثلاً كتب كتاباً في تأريخ الأدب العربي، جعلت الباحثين العرب يعتمدون كتابه لما يحتويه من مادة أدبية جمعت كل ما كُتب باللغة العربية.

ويقول الدكتور المرحوم عمر فروخ عن هذا الجهد في كتابه تاريخ الادب العربي: (إنَّ كتاب بروكلمان جريدة إحصاء لكل من كتب ولجميع ما كُتب باللغة العربية. ومن هذه الناحية لن يستطيع الباحث العربي أن يستغني عن ذلك الجهد الجبار) .

ولكن (بروكلمان) في مناسبات عديدة لم يتخلص من عقدة الحقد على الإسلام، وتشويه الحقائق. واعتقد أنَّ ذلك هو السبب غير المعلن الذي دعا عمر فروخ إلى تجنب المنهجية، التي أسماها (افرنجية) ، في وضع كتابه القيم  تأريخ الأدب العربي .

ويتبين من جمله من الظواهر والمؤلفات والمواقف أنَّ الإنتاج الاستشراقي بأنواعه (ظاهرة فريدة) في الحقد على الإسلام وكراهية المسلمين، وهو من جانب آخر (شر على المجتمع الإسلامي)، حسب تعبير المفكر مالك بن نبي في كتابه انتاج المستشرقين وأثره في الفكر الاسلامي، لأنه (ركب في تطوره العقلي عقدة حرمان، سواء في صورة المديح والإطراء التي حولت تأملاتنا عن واقعنا الحاضر، وأغمستنا في النعيم الوهمي الذي نجده في ماضينا، أم في صورة التفنيد والإقلال من شأننا بحيث صيرتنا حماة الضيم على مجتمع منهار).

وكانت الحصيلة النهائية من الاستشراق هي محاولة سلب الخصوصية من المجتمع المسلم ليسهل تبعيته للغرب، واتهام الثقافة الإسلامية بـ(الجمود والتأخر)!! واللغة العربية بـ(الركود وعدم قابليتها على مواكبة التقدم) لأنها بزعمهم (لغة غير علمية)!! وهذا ما يردده للأسف الشديد بعض المثقفين العرب المستلبين حضارياً، والذين لم يرزقوا معقولاً بل رزقوا مقولاً طويلاً.

ونرى هذه المقولات الاستشراقية تنعكس بصورة فجة في الأدب الأوروبي، حيث يصور الشرق بأنه متخلف، وصحراء قاحلة موحشة، وانغماس في القتل والدمار والهمجية والجنس. ولم يشذ الاستشراق الروسي القيصري عن هذه القاعدة، لهذا تعاون مع اليهود لتأسيس (جمعية تنادي بحقوقهم)؛ وتسهيل هجرتهم إلى فلسطين وإيوائهم في القدس.

ولعب المستشرق الأوروبي غوستاف فون دوراً كاملاً في قلب الحقائق، خصوصاً بعد أن هاجر إلى أميركا وعمل في جامعة شيكاغو، وصاغ نظرياته الاستشراقية الجديدة من وحي الاستشراق الديني القديم. ولم يتورع (فون) من اعتبار المسلمين في (أدنى السلم الإنساني ومن الواجب عدم الاعتراف بحقوقهم ومصالحهم)!! أما المشرع البريطاني ستيوارت ميل، صاحب النظرية القانونية باعطاء المشروعية للمثليين، فيلغي من جانبه كل الحقوق والمصالح من الأساس، ويعتبر أنَّ بعض الشعوب التي يسميها بـ(الهمجية) لابدّ أن تُحكم بالقوة وبالقوانين الوضعية، مع عدم الاعتراف لها بأي التزام قانوني!!

ويرسم أدوارد سعيد في كتابه الاستشراق ملامح العلاقة بين الغرب والإسلام، بصورٍ من خلال تقييمه للظاهرة التلفيقية الاستشراقية، التي جعلت (أبسط التصورات للعرب والإسلام قضية مشينة إلى درجة عالية، بل تكاد تكون خشنة: أولاً تأريخ التمييز الشعبي ضد العرب وضد الإسلام في الغرب، الذي ينعكس مباشرة في تأريخ الاستشراق: ثانياً الصراع بين العرب والصهيونية الإسرائيلية، وتأثير هذا الصراع على اليهود الأميركيين بالإضافة إلى تأثيره على كلا الثقافة التحررية والكيان عامة).

أما الدكتور محمد النقوي في كتابه الاتجاه الغربي من منظور اجتماعي فيوضح تلك العلاقة المتشنجة، من خلال بحوث المستشرقين التي تهدف إلى (إيجاد الشعور بالحقارة لدى المسلمين أمام الثقافة والحضارة الغربيتين لكي لا يستفيدوا من شخصيتهم الثقافية والرسالية ويتسببوا في انحطاطهم تجاه الأمم الغربية، ويعترفوا بحقارتهم، ويصدقوا بأنهم شعب منحط).

ولذا فإنَّ المستشرقين (عزموا على الإلقاء في روع الشرقيين أنَّ الرجل الشرقي نبغ في مجال العرفان فقط، وأنه ذو عقل عاطفي، وأنه لابد له من الاعتماد على الغرب في الصناعة والعلم والتقنية والحضارة). بمعنى تشجيع العالم العربي والاسلامي على الإتجاه للغرب واستلهام ثقافته وقيمه، وهذا هو الدور الذليل الذي لعبه العلمانيون العرب وبعض أنصاف المثقفين في بلادنا.

وقد قرأت للمرحوم زكي نجيب محمود نفس هذه المقولات الاستشراقية في كتابه المعقول واللامعقول، حيث أكد على موضوع (العقل العاطفي والشاعري للإنسان الشرقي)، وأنَّ حضارة الشرق حضارة شعر وخيال، أما حضارة الغرب فهي (حضارة علم وعقل وإبداع) منذ القدم!! وللأمانة والموضوعية نقول: إنَّ الدكتور زكي نجيب تراجع عن كثير من أفكاره المتغربة في كتابه عربي بين ثقافتين.

***

الدكتور قاسم خضير عباس   

كاتب سياسي وخبير القانون الجنائي الدولي والمحلي

 

في المثقف اليوم