قضايا

في النقاش حول الإسلام وحقوق الانسـان

علي رسول الربيعيإن جوهر مشكلة العلاقة بين الإسلام وحقوق الإنسان يعود إلى اللامبالاة التاريخية بين الفقهاء المسلمين تجاه اللاهوت العقلاني وعلاقته بالأخلاق في الخطاب الديني الإسلامي. يوفر المذهب الأشعري القائل بأن إرادة الله هي المصدر النهائي للأخلاق وأن هذه الشريعة هي تعبير عن السيادة المطلقة لله تبرير السيادة المطلقة للحكام المسلمين كمظهر لسلطة الله المطلقة. من ناحية أخرى، فإن عقيدة المعتزلة بالإرادة الحرة البشرية والفاعلية البشرية الأخلاقية تبرر المهمة الحقيقية للأخلاق وكذلك الضرورة الأخلاقية، أي فهم الحياة الأخلاقية وتأكيدها كمظهر للإرادة العقلانية الممنوحة للبشرية كجزء من إرادة الله بوصفها خلق هادف. بهذا المعنى، ترتبط الشريعة والضرورة الأخلاقية بالفضيلة التي هي مصدر القيم التي يمكن تمييزها من قبل العقل البشري. عنئذ توصف هذه الشريعة بأنها قانون طبيعي، ومبدأه الأساسي هو المساواة بين جميع البشر كمتلقين لطبيعة إلهية.

إن هذا الفهم للطبيعة المشتركة للبشر وقدرتهم العقلانية على أن يكونوا أخلاقيين يمكن نعتهم بانهم أمة واحدة (مجتمع واحد). وعليه لا يمكن أن يتعارض جوهر الإنسانية مع هذه الطبيعة المشتركة، والتي هي مصدر الخير الاجتماعي المشترك والمسؤولية البشرية تجاه الله في التمسك بها أيضًا. إن هذه البنية الأخلاقية للمجتمع الإنساني من حيث الصالح العام في عقيدة العدالة عند المعتزلة هو ما يجب التأكيد عليه في الخطاب الإسلامي لحقوق الإنسان. من المؤكد لا يصف مبدأ العدالة المعتزلة طريقة تحقيق مجتمع عادل. لكنه يؤكد على القدرة والمسؤولية البشرية عن تأسيس نظام عام عادل حيث يتم احترام الأفراد على أساس عقلاني للضرورة الأخلاقية، والذي يستبعد المعاملة التمييزية وغير العادلة لشخص ديني أو ثقافي آخر.

ليس من الصعب معرفة لماذا لم يعامل الفقهاء المسلمون التقليديون الأخلاق الكلامية الأصولية (اللاهوتية) الإسلامية كنظام مستقل، متميز عن الأحكام الفقهية التي تتعامل مع أوامر الله ومحظوراته، ولماذا لم يطور الفقهاء المسلمون أبدًا نظرية منهجية للقانون الطبيعي بآرائه البارزة التي تعبر عن عقلانية مبنية على مبادئ لا تقبل الجدل، الفردية على اساس الحقوق الطبيعية للبشر وغير القابلة للتصرف، وتقديم برنامج للإصلاح الاجتماعي يدعو إلى إنهاء جميع المؤسسات السياسية التي ترتكب الظلم في المجال العام. على النقيض من ذلك، طرح العقلانيون المسلمون، علماء الكلام المعتزلة السنة والشيعة، أسس مثل هذه النظرية الإسلامية للقانون الطبيعي عندما شرحوا المعرفة الأخلاقية التي ادعوا فيها أن المعرفة الأخلاقية موضوعية ومكتسبة بشكل عقلاني من خلال العقل الحر. كانت هذه العقيدة الأخيرة هي الأساس للقيمة الأخلاقية الإنسانية والفردية الأخلاقية - وهما الشرطان الأساسيان للمطالبة بحقوق الإنسان العالمية.

تفترض اللغة الحديثة لحقوق الإنسان القدرات الأخلاقية للشخص مسبقًا في ممارسة حقوقه. وبالتالي، فإن قدرة الشخص على التأثير الأخلاقي شرط مسبق لممارسة حقوق الإنسان. فبدون الممارسة الحرة للإرادة، لا يمكن أن يتوقع من صاحب الحقوق اتخاذ قرار أخلاقي وقبول المسؤولية عن أفعاله. يفترض الحق الأخلاقي القدرة على التصرف بما يتوافق مع القانون الطبيعي. إن أمتلاك الحق يعني أن يكون لديك القدرة التصرف بشكل صحيح بطريقة أو بأخرى؛ التصرف بهذه الطريقة هو ممارسة هذا الحق.

تحتاج المجتمعات المسلمة في جميع أنحاء العالم إلى المشاركة بشكل جماعي ونشط في تعزيز القدرة البشرية على التصرف بما يتوافق مع متطلبات ما هو صحيح أخلاقياً من خلال تحدي الافتقار إلى هذه الحساسيات الأخلاقية بين أعضاء المؤسسة الدينية والسياسية في العالم الإسلامي . أنا أعتبر ذلك تحديًا لحقوق الإنسان أمام الفقهاء المسلمين، الذين يبدو أنهم اتخذوا موقفًا سلبيًا تجاه الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان للأقليات غير المسلمة أو المنشقين في المجتمع المسلم داخل حدود الدول القومية الحديثة. هذا الموقف السلبي، في رأي، هو نتيجة القبول غير النقدي للموقف الأشعري الموروث فيما يتعلق بالطبيعة البشرية وتأييد الأطروحة القائلة بأنه لا يوجد مفهوم للقانون الطبيعي أو أي فكرة عن شخصية أخلاقية مستقلة في الإسلام.

***

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

في المثقف اليوم