قضايا

قيمٌ ساقطة

مجدي ابراهيمثلاث قيم كبرى سقطت بين شبابنا اليوم، وكلما مرّ بهم الزمن نحو المستقبل يزداد إصرارهم على سقوطها: الوطنيّة، والدين، واللغة.

بالطبع، لن أتكلم هنا لا عن الدين ولا عن الوطنيّة، فالكلام عنهما طويل جداً، ولكن عن اللغة باعتبار مساسها مباشرة بالكتابة والتأليف.

كلما قرأت للأجيال الجديدة وجدت فقدان أهم خاصّة تستند عليها الكتابة التي تؤهل صاحبها لممارسة التأليف والعمل الإبداعي، وهى افتقارهم "لقوة الهضم" والصبر عليها وتربيتها سلفاً في طواياهم الباطنة، فبمقدار "قوة الهضم" يجئ الابتكار مرهوناً بقدرة العقل الهاضمة للأفكار والآراء، وللمباحث ووجهات النظر المختلفة.

لا يتأتى الإبداع هكذا ضربة لازب أشبه ما يكون بطفرة عرضيّة لا جهد فيها ولا عناء .

القدرة على الإبداع في الذهن المبدع الخلاّق موصولة بنسب عريق بقوة الهضم لأفكار السابقين؛ فلا إبداع من فراغ مطلقاً؛ بل إن المبدعين من فراغ لا مكان لهم إلا في مستشفى الأمراض العقلية على حد قول "ول ديورانت" في قصة الحضارة، لأنهم حين يبدعون، يبدعون من لا شئ، وبدون خميرة معرفية، فيجئ إبداعهم مرضاً عقلياً فيما لو جاز إطلاق وصف الإبداع على إنتاجهم، وما داموا يدركون من ذواتهم أنها تبدع، فهو إدراك موهوم، وهم مع ذلك يفتقرون إلى قوة تحصيلية لآراء الفكر وتوجّهات الرأي من أزمنة الماضي السحيق.

وهكذا؛ يكون شأن الإبداع كله لديهم : من فراغ ليس فيه تحصيل..!

وممّا يسترعي الانتباه حقاً؛ أن الكاتب الفرنسي "بول فاليري" في كتابه "أشياء مسكوت عنها"، كان قد وقف على هذه الحقيقة التي يعز وجودها ويندر في كتابات الشباب، عندما قال :"لا يوجد شئ أكثر ابتكاراً، ولا أشدّ شخصيّة من أن يتغذى الإنسان من الآخرين، ولكن ينبغي هضم هذا الغذاء والاستفادة منه. فالحق أن الأسد مكوّن من كباش مهضومة، ومتحوّلة إلى أسديّة".

والمعنى واضح، وهو أن النحت الكثير في أعمال الآخرين، قبولاً ورفضاً أو عرضاً ونقداً، أو مقارنة وتحليلاً، أو ممّا يُتاح أمام العقل إعمالاً للفكر، يُصقل الشخصية العلميّة بموروث الملكات، ويحفظ لها استقلالها الفكري بعد الصقل والتكوين.

***

بقلم : د. مجدي إبراهيم 

في المثقف اليوم