قضايا

دوافع الاستشراق وغاياته من منظور الفكر العربي المعاصر

علاء كاظم الجابرييرى بعضُ المفكرين العرب المعاصرين في قضايا الاستشراق، أن دراسةَ غاياتِ الاستشراقِ ودوافعِه أصبحتْ من الماضي ووَلَّى زمانُها.

وعلى الرَّغمِ من ذلك فإن أيَّ دراسةٍ أو تخصصٍ اختص به مُستشرقٌ ما دونَ غيرِه من المستشرقين، سواءٌ كان هذا التخصصُ في الدراساتِ اللاهوتيةِ أم الفلسفيةِ أم التاريخية...إلخ، له دوافعُ وغاياتُه الخاصةُ التي جعلَتْهُ يشتغلُ بهذا التخصصِ دونَ غيرِه من التخصصاتِ الأخرى.

ونجدُ على مرِ التاريخِ أنَّ الدافعَ للكتابة كان إما  للمعرفةِ أو لأهدافٍ أخرى بحسبِ نوازعِ الإنسان،  فمثلاً كانتْ دوافعُ الاستشراقِ (التبشيرية) المتمثلةُ في الكنيسة، لها غايتان، الأولى: (دينية) لغرضِ نشرِ دينِ المسيحيةِ في بلادِ المسلمين وغيرِها من البلدانِ الأخرى. والأخرى: التشويشُ والتشكيكُ في مصادرِ الإسلامِ والقرآن الكريم وأصولِهما، وأن النبي محمد  (ص) اخذها من التوراةِ والإنجيل.

وكانت دوافعُ الاستشراقِ (الاستعمارية) ارتبطت في دراسةِ اللغةِ العربيةِ والتخصصِ في موضوعاتٍ معينةٍ دونَ غيرها، والتي ترتبطُ بالتوسعِ الاستعماري الأوروبي للبلدانِ المستعمرة، وكانت هذه الدولُ تخصصُ المبالغَ الماديةَ والدعمَ الكاملَ للمستشرقينَ لإنجازِ عملِهم في هذهِ البلدان.

اما الدافعُ (العلمي) فكانت غايتُه معرفيةً خالصةً إن صح التعبير، من خلالِ الاطلاعِ على الحضارةِ الإسلاميةِ وتراثِها الديني والثقافي ونقلها إلى العالم الغربي للتعرف عليها .

ومما تقدمَ نجدُ أن بدونِ دراسةِ هذه الدوافعِ والغاياتِ، لا يمكنُ الوقوفُ على آراءِ هذا المستشرقِ وكتاباتِه، وإخضاعُها لمشرطِ البحثِ العلمي، قراءةً أو نقدا، ومن ثَمَّ الحكمُ عليها هل كانتْ قراءةً ابستمولوجيةً خالصةً، أم آيديولوجيةً بتفرعاتِها المختلفة.

وليس هذا فقط، فقد استعادَها  -أي الدوافع والغايات-بعضُ المفكرينَ العربِ المعاصرين، وهذا يستدعي منا الوقوفُ على قراءتِهم وبيانِ ما سكتوا عنه إذ (إنَ القراءةَ البريئةَ -والمعرفةَ المحايدةَ- لا وجودَ لها) كما يقول الدكتور نصر حامد أبو زيد.

وبالتالي، لا توجدُ قراءةٌ إلا كانتْ وليدةً من قراءةٍ ثانية( القراءة الأم)، سواءٌ كانتْ ولادتُها بالأثر والاتباع والتأثر، أم بالنقد أم بالدحض أحياناً.

وبالنتيجة، لا يوجدُ شيءٌ من الماضي إلّا وله حضورٌ في وقتنا المعاصر، فالماضي أبونا القديمُ، وابننُا الجديد!.

***

د. علاء كاظم الجابري

 

في المثقف اليوم