قضايا

العقيدة الاسلامية بين محنتين الأعتقاد والمصالح الخاصة

عبد الجبار العبيديالوصايا العشرفي العقيدة الاسلامية مُلزمة التنفيذ.. لكن أهمال المسلمين لها.. أدى الى تغيير اهدافها الأنسانية.. من وجهة نظر التاريخ.

وهذا يعني فشل المسلمين في الالتزام بالنص والتطبيق. المسلمون بعد وفاة الرسول (ًص) ظنوا ان الدولة هي مُلك للمهاجرين والأنصارحتى نادوا :"منا أمير ومنكم أمير" ولا غير،  كما يعتقد الحكام اليوم حين سخروا الدولة لهم دون عامة الشعب.. حتى راحوا يفلسفون العقيدة وفق أهواؤهم فحولوها الى كيانات.. لاكما جاءت في النص أنها للجميع دون تفريق.. فراح كل منهم يعلن عن مذهب جديد لحكم الدولة دون الأخرين،  فكانت مذاهبهم في غالبيتها متناقضة مع رسالة الاسلام وكل ما قيل عنهم من ألتزام العقيدة والقانون جاء وهما ًعند المؤرخين.

.الدعوة منذ البداية طرحت المشروع الحضاري الذي تمثل بوثيقة المدينة التي أوضحت شكل الامة والحقوق والواجبات لأفرادها دون تمييز، لكنهم عتموا على الوصية.. ونحن نقول خلاف الأدعاء.. انه ترك الوصية متمثلة بوثيقة المدينة التي غيبها الحاكمون من بعده.. فبقيت الدعوة بلا منطلقات وتوجهات مرتبطة بعضها ببعض في التطبيق، كما غيبت الدساتير الحالية اليوم حقوق المواطنين ؟.

لو ألتزموا بتأسس الفكر الاسلامي على الرؤية والمفهومية ضمن أطار مرجعي له كل المعايير التي تضمن له نجاح التطبيق..  لأستطاعوا ان يخلقوا وعياً تاريخياً مستوعباً ومتنامياً ومتجاوزا ًكل الاخطاء التي تعودعليها العرب قبل الاسلام.. وهذا لم يحصل الا في جزئياته المعدومة.. من هنا كانت بداية النكبة التاريخية للمسلمين وعقيدتهم معاً.. ومن هنا ايضاً كان يجب ان يدق ناقوس التنبيه عن عالم جديد شغل عن كل شيء سوى الملهيات والمغريات للسلطة والمال والجنس.. ولا غير.

وجاءت المرحلة الثانية للأنتكاسة وتمزيق عقيدة الدين حين دونت السيرة النبوية بأراء خمسة من كُتاب السيرالمتعارضين هم :محمد بن أسحاق "ت150 للهجرة"وهو أصدقهم، الواقدي "207 للهجرة"، أبن سعد"ت 230 للهجرة "، موسى بن عقبة "ت141 للهجرة "،  عبدالله الانصاري " الذي ضاع تاريخه بين المؤرخين ".

اما ابن هشام "ت218 فهو الذي افسد السيرة الحقيقية لأبن سحاق لتقربه من سلطة العباسيين وكراهيته له.. حتى جاءت السيرة النبوية مشوهة ومطعون فيها.. من وجوه عدة..

ونتيجة لظهور المطاعن في السيرةالنبوية أخترعوا نظرية "الجرح والتعديل" لبيان العيوب والمحاسن فيها وبالمؤلفين - فزادت الاختلافات قسوة -.. لذا من يستخدم السيرة النبوية في التأليف عليه ان يلجأ الى استعمال التأني والتفكيربعد ان فعل ابن هشام ما فعله بسيرة ابن اسحاق وخاصة في نصوص الفتنة الكبرى وواقع التغييرالتاريخي وقضية عبدالله بن سبأ الاسطورة التي ألفت لاثارة الفتنة بين المسلمين.. نعم انها اسطورة خيالية من صنع المبتكرين..  ما وجدت قط.

وقضية أخرى هامة لم يبحثها المؤرخون بجدارة التدوين الا هي نظرية الناسخ والمنسوخ الوهمية،  لان الاوائل من المسلمين كانوا بعيدين عن الفكر السياسي السليم لأن النسخ جاء بالرسالات ولم يأتي بالأيات القصار.. بعد ان اهملوا نظام الخلافة وابعدوه عن الدراسة والتنظيم.. حين تركوا سلطة رئيس الدولة دون تحديد مدة او مدى سلطان وهذا لا يتفق مع طبيعة الدعوة ودولة الشورى التي تباهى بها المسلمون دون تطبيق.

من هنا ضاعت الدعوة بعد ان تحولت الى سلطة،  بعد الفتوحات فتفرقت الاموال بين المتنفذين فاهمل الاصلاح وتحول الاهتمام الى فتوحات الشعوب الاخرى خارج قواعد الدين متناسين الآية الكريمة "لكم دينكم ولي دين".. حين اصبحت الولاية اشبه بوراثة لا يرغب احد بتداولها من قبل الاخرين تتمثل في المال والسلطة وما ملكت ايمانهم في الجنس.. وهنا دخلت الدولة في مبدأ خطيركما هي اليوم عند غالبية المسلمين.. لذا فنحن بحاجة الى منهج دراسي جديد يراعى فيه التقدير وفق مبدا الحق والعدل والتشريع.. وهذا ما لا تؤمن به جماعة المـتأسلمين اليوم.

ان المشكلة الكبرى منذ نجاح الدعوة والى اليوم هو اننا ننادي بالشورى ولا نؤمن بها فظلت بيد رئيس الدولة، هو الذي يختار وهو الذي يتقيد بالنص من عدمه حتى اجتماعاتهم كانت مجرد تخمين دون تفعيل..  واليوم كما ورثتها حكومات الفساد والقتل والتخريب

والتي يعرض عنها اصحاب الفِرق،  ولم يضعوا لها قواعد الحكم السليم.. وهذه هي المصيبة الكبرى التي حالت دون ضبط نظم الحكم في الاسلام.. ولا زالت الموضوعات السياسية عائمة وغامضة كما هي اليوم.. عند المتسلطين؟

هكذا كانت وما زالت نظريات التمذهب الاسلامي نظريات طارئة وهمية صنعت من الاجتهادات الشخصية للفقهاء المتقدمين الذين لا زالوا لم يدركوا لغة التجريد وليس لها في الدين من أصل.. فجاءت الأراء المفتعلة منهم في القرون الهجرية الأولى لا على التعيين.. التي فرقت الامة وهي بلا دليل.علينا ان نتعمق في عمق الاشكاليات التي يعاني منها الاسلام والمسلمين اليوم.بعد ان نقلوا المسلمين لنا العقل العربي الفقهي دون تحليل من منطقي فلسفي أصيل..  فبقي الانسان العربي والمسلم يعاني من اشكالية عدم المعرفة في نظرية "الحلال والحرام " أي أيات النواهي والأحكام.. بعد ان سدوا الطرق الحقيقية في التفسير، فظلت السلطة مستبدة تتحكم في الرأي العام دون معارضة او سلطان الضمير.فكل من يقول لك الاسلام هو الحل فلا تصدقة لان لا نظرية سياسية عند المسلمين بعد ان اضاعوا النص والحل معاً.. بل بقيت مجرد اوهام مثالية ترددها عمائم الدين.

من هنا نشأت الفرق المتخاصمة.. فظهرت جماعة الاعتزال والجبر والقضاء والقدر والفرق الساكتة حين التزموا موقف الحياد او الانحياز في القضايا الاسلامية المصيرية، كل منهم يدعي مايريد ويقدم خدمة للسلطة لا للدين.. من هذه الافكارالديموغوجية يريد ان يبنوا دولة القانون.. مستحيل؟ فأين علماء حضارات العراقيين والمصريين القديمة وقوانينها السرمدية التي فاقت قوانين فقهاء الدين.. والتي كانت مطبقة على الناس أفضل من تطبيق قوانين المسلمين.

من هذه التصورات الخاطئة بدأ النقص يعلو على الصحيح حين استغل التفسير لظهور المذاهب الاسلامية كالمذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي والظاهري(مذهب أبن حزم) مستقين أراؤهم مما عرف بالأجتهاد الرسولي دون تثبيت.اما المذهب الجعفري للامام الصادق،  فلم يكن مذهبا فقهياً.. بل كان فكراً آيديولوجيا لمجمع افكار أستنباطية حسب تطور الفكر عبر التاريخ.أنظر فقه الأمام الصادق.. حتى تطورت الاموربظهور نظرية أهل البيت والامام المنتظر والعصمة وتفسير آية التوريث وكل الأراء الاخرى البعيدة عن عقيدة الدين فتطورت العقائد المذهبية لغير صالح الدين والمسلمين وهكذا نشأت الفُرقة والتي لا اساس لها في التطبيق بين المسلمين.. بعد ان نقلت الى الامصار الاسلامية أثناء حركة الفتوح المتناقضة مع النص"لكم دينكم ولي دين" فكانت الطامة الكبرى على الاسلام والمسلمين.. ولا زالت رغم مرور مئات السنين على فشل نظرية المذاهب في الدين..

من هنا فانا اعتقد ان لا نظرية سياسية في الاسلام طبقت منذ عصر الراشدين والى اليوم.. والصحيح ان النظرية السياسية الاسلامية بقيت نظرية مثالية متداولة دون تطبيق بما فيها الشورى التي حولوها الى بيعة للمسلمين.. علينا ان نأتي بسلطة شرعية سياسية دستورية قانونية تمهيدا لألغاء نظرية ولاية الفقيه،  والأئمة المعصومين وعلي ولي الله والصلاة خير من النوم في اذان صلاة المسلمين رغم ان لانص ينص على واحد منها.

الذي حدث بعد وفاة الرسول(ص) ان بعض المسلمين تصور ان العقيدة الدينية هي عقيدة دينية فحسب، بينما هي في ذاتها قواعد سياسية قانونية يجب ان تنظم بدستور كما في وثيقة المدينة المعتم عليها عند كل المذاهب اليوم.فالدين معناه منهج الحياة المتكامل عقيدة وشريعة وأسلوب حياة.. لقد قام المنهج الاسلامي على المساواة الكاملة بين افراد الامة لا تفرقة بين الكيانات المصطنعة منهم، فلا يتميز حاكم على محكوم، الا بما يقتضي به العدل والقانون، لأن الله لم يميز أنساناً على انسان الا بأتباعه لأوام الله في التطبيق وهذا ما يسمى "بالتقوى"أنظر سورة الحجرات آية 13".

والشريعة ساوت بين الحاكم والمحكوم في سريان القانون ولم تضع لحاكم او مسئول حصانة المسائلة خدمة للحقوق.. لأن المسئولية هي مسئولية الجميع عن التصرف أياً كان نوعه والمحاسبة تقدر على الجميع دون تفريق.. لذا فان الحاكم لا يتمتع بصفة القداسة لا هو ولا مرجعيات الدين التي ظهرت كأستشارية ولا غير.. من اجل ذلك يطبق القانون على الجميع دون استثناء.. ويجب على جماعة المسلمين محاكمة الحاكم المسيء وعزله عن السلطة، او الثورة عليه وازاحته من ساحة الحكم بالقوة والعنف دون تفريق.. وهذا ما طالبت به ثورة تشرين 19 التي قامت ضد الفاسدين.. فأين من يدعون بتطبيق سياسة القرآن بين المواطنين.

لذا فان للاحكام في القرآن أصول واضحة، وفي سنة الرسول تبيان وتحديد لما جاء به القرآن، من هنا جاءت الاية الكريمة(وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فأنتهوا، الحشر7).. لذا نراهم اليوم يتخبطون بعد انفشلوا في التطبيق لذا لا وسيلة لديهم الا الكلام الفارغ في التبرير ورمي تبعية الفشل على الاخرين.لكنهم جميعا اليوم هم الفاشلون.. الحائرون..

من هنا جمدت العقول واصبح صحيحي مسلم والبخاري وبحار الأنوار وما جاء فيهما كله صحيح وما هي الا اوهام الكاتبين، فسدوا علينا باب العلم والبحث في الحديث والاجتهاد فيه باجبار الناس على تقليد احد الائمة الاربعة دون تثبيت.ولا ندري علم هؤلاء الذين يُقلدون بعد ان عتموا على النص دون تحديد.

وبمرور الزمن اصبح النص الديني لايشكل المعيار الوحيد للسلوك السياسي، فأنتشرت الخلافات في المجتمع العربي الواحد والدين الواحد ووصلت الى حد الصراع الدموي.لذا فأن الاثر التاريخي ودوره في المجتمع الاسلامي خلق هذا التصادم في الراي والعقيدة وكل منهم بنى فكره على مايرى ويحكم دون من اساس شرعي ثابت وواضح. من هذا المنطلق الوهمي ما وصلنا اليه من محنة حالية.. لذالابد من اعادة كتابة التاريخ بروح الموضوعية لنخلص اجيالنا من الوهم الذي به يعتقدون.

ان المرض لازال قائما والصفقة ما زالت تنخر وتقبح وجه التاريخ، رغم وضوح الحق وعناد الباطل في مجمل حياتنا العربية الحاضرة.ان الاتجاه بالخط المقترح سوف يعيد لنا الوحدة والقوة ويمنحنا الانسجام ويقضي على الفوضى الفكرية التي تلفنا اليوم، ويتجه بنا نحو الخير ومحاسبة النفس والسمو بانسانية الانسان.وانا اقول من هنا ان كل المذاهب اليوم ماهي الا أجتهادات شخصية عفا عليها الزمن وماتت بموت مخترعيها من السالفين،  واصحاب المنافع للحاكمين فلا مذاهب في الاسلام بل فكر نير بحاجة الى تقنين.

وحين ننادي احدهم من متنفذي السياسة في بلادنا اليوم للألتزام بهذ الخط،  يَعدنا من الخائنين.. وما قصدنا الا ان نخترق المآلوف بعد ان اصبح الوقت متاخراجدا حين ضاعت الحقيقة على الناس ولم يعد بالامكان الانتظار اكثر من الذي مضى وبعد ان تحول الدين الاساس الى دين الفقهاء المتزمتين من خدمة السلطة والأمير. فكان ولازال الرفض عنوان الحاكمين.. فهل من شجاع يجيب ليردع زنادقة الزمن في التخريب..؟

نعم ستبقى العقيدة الاسلامية العظيمة.. بين محنتين.. الأعتقاد والمصالح الخاصة..؟

***

د.عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم