قضايا

الرُشدية اللاراشدة!!

صادق السامرائيالرشدية نسبة للفيلسوف الفقيه العربي الأندلسي إبن رشد (1126 - 1198) ميلادية، ويرفع راياتها أستاذ كبير ومفكر عربي قدير، ويحسب أن أفكار القرن الثاني عشر يمكنها أن تحل مشاكل القرن الحادي والعشرين، في بلدان أمة العرب، لأن أوربا عندما ترجمت كتب إبن رشد إلى اللاتينية والعبرية، إستطاعت أن تنتصر على الطغيان الديني، وتطلق العنان للعقل الفاعل في صناعة الحياة الجديدة، وبهذا خرجت من عصورها المظلمة ودخلت مرحلة التنوير، التي شعشعت في أرجاء القرون اللاحقة.

وطروحات إبن رشد، تركز على إعمال العقل في النص الديني، ولا إجماع مع التأويل، ولا سلطة على العقل إلا العقل، وغيرها.

وقد تأثر إبن رشد بإبن مسرة وهو أبو عبدالله محمد بن مسرّة الجبلي، (883 - 931) ميلادية، مفكر أصيل ومتصوف  أندلسي، وأول فلاسفة الأندلس، وله أتباعه وتلامذته الذين روّجوا لأفكاره.

وكان لمنطلقاته دورها في مسيرة الفكر والفلسفة ببلاد الأندلس فيما بعد، وكأنه كان القادح الذي أذكى جذوة الإدراك المعرفي العميق.

وفي سنة (953) ميلادية، أي بعد (22) سنة من وفاته، أحرق الخليفة (عبد الرحمن الناصر لدين الله)  كتبه ولاحق أتباعه ، لأسباب طائفية وسياسية.

والهدف من الدعوات الرشدية القول بأن مشكلة الأمة دينية وبسببها تولدت مشاكل أخرى متراكمة، وفي ذلك نظرة من زاوية حادة، والتوهم بأن الأمة لوحدها عندها دين، وكأن الإسلام هو الدين ولا غيره دين، كما يرى الغلاة المتطرفون الدوغماتيون العابثون بوجود الأمة والدين.

فلا يبدو أن إعمال العقل في النص الديني سيحل أي مشكلة، بل سيزيد المشاكل تعقيدا، وكذلك القول بعدم جواز الإجماع في التأويل.

بينما المشكلة الحقيقية التي تواجه الأمة هي إهمال العلم، فالأمة قوتها الحقيقية الحضارية علمية، وبقوتها العلمية والمعرفية سادت وتمكنت، وعندما كانت سيدة العلوم تقوّى ما فيها من المرتكزات.

فالدين موجود عند الأمم والشعوب، وما كان عائقا لتطورها وإستقرارها، والذي يدمر المجتمعات فقدان التفكير العلمي ومناهج العلم في نشاطاتها، وضعف نظامها التعليمي الذي لا يؤهل الأجيال للسؤال والتفكير والإبتكار، وغياب القدوة القيادية العالمة.

إن إعمال العقل في العلم خير للأمة من إعماله في النص الديني، والنظر في النصوص العلمية والنظريات وتفحصها يأتي بمنافع كبيرة على الأمة، وفي العلم العقول حرة وتعمل، ولكل عقل قدراته الإبداعية المتميزة، وعندما تتفاعل العقول وتتظافر جهودها المختلفة تصنع إرادة الحياة الأقوى.

فلماذا لا نفكر بمفردات عصرنا، ونجرجر أمتنا إلى الوراء، ونحسب الأجيال لا وجود لها منذ أكثر من ثمانية قرون؟

هذا إقتراب لا يجدي نفعا ويساهم بإطلاق بركان مشاكل وويلات!!

ولابد من القول ، أن إبن رشد قد أخطأ، وفشل في ترويج أفكاره وصناعة تلامذة وأتباع، وما إمتلك المهارات التفاعلية اللازمة للتعبير العملي عن أفكاره، وما أجاده تأليف الكتب التي يرد بها على الغزالي الذي سبقة بقرن.

البعض يرى أن ما دفعه خوفه من إنتقال أفكار الغزالي إلى الأندلس، غير أنه أصبح طريدا وهو فقيه الفقهاء، ومن عائلة علمية معروفة وذات جاه وقيمة دينية وسلطوية، ومات في حسرة وألم، ولم يحمل أفكاره تلامذة ومريدون من بعده، وتأثيره بالغرب ناجم عن شروحاته لكتابات أرسطو، وقد شجعه على ذلك (إبن طفيل)، (1106 - 1185)،  وهو الذي قدمه للبلاط الأندلسي.

أي أن إبن رشد نقل أفكار أرسطو للغرب، وهي التي تركز على العقل وضرورة تفعيله لبناء الحياة القوية، وبموجب ذلك إنطلقت أوربا نحو المستقبل، وليس بتأثير أفكار إبن رشد، الموجودة في كتبه التي رد بها على الغزالي،  وإنما شروحاته لأرسطو، وربما يكون لكتاب (فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الإتصال) تأثير إن تمت ترجمته في حينها.

فالقول أن أوربا إنطلقت بسبب أفكار إبن رشد به نظر، وإبن رشد لم تكن أفكاره أصيلة، بل إمتداد لأفكار إبن مسرة، الذي أجاد سياسة بث أفكاره.

ومن هنا فأن القول بأن أفكار إبن رشد ستشافي الأمة في القرن الحادي والعشرين، وهي التي ماتت في مكانها وزمانها، لا يستند إلى أدلة موضوعية ذات قيمة عملية.

***

د. صادق السامرائي

........................

* المقال مكثف ومختصر، وأترك للقارئ أن يرى ما يرى فيه.

في المثقف اليوم