قضايا

الأصالة والحداثة في تقدم الدول.. نظرة مختلفة

قاسم خضير عباسإنّ الأمم الحية لا يمكن لها أن تدفن تأريخها وقيمها وأخلاقها بحجة البناء والتقدم والتحديث!! لأنها إن فعلت ذلك أصبحت أمة ميتة لا تستطيع النهوض والتنمية، وستصبح أمة ذليلة منكسرة تتبع غيرها بدون وعي  ولا إبداع؛ أو بتعبير أصح لا يسمح لها بأن تُعبِّر عن تطلعاتها المستقبلية بحرية كاملة.

اليابان-مثلاً- عندما دخلت في مرحلة التحديث لم تترك تراثها وخصوصيتها، بل حاولت أن تمزج بين الأصالة والحداثة، وتُسقط ذاتها في عملية التصنيع. وعلى الرغم من ذلك فهي تواجه اليوم مأزقاً اجتماعياً حرجاً، لأنها لم تعتمد في نهوضها وتقدمها على مناهجها المستقلة، وهذا أدى إلى غزوها ثقافياً من قبل الغرب كمحاولة لتدمير تراث الساموراي، والقضاء على خصوصية الشعب الياباني وقيمه؛ وقد حذّر علماء الاجتماع اليابانيون من ذلك مؤكدين على أهمية الذات في بناء اليايان الجديدة.

ولذا فإنَّ طوكيو شجّعت على إنشاء مراكز دولية في هيئة الأمم المتحدة، مهمتها: (دراسة الحضارات المتنوعة وتأثيرها على إرساء السلم والأمن العالميين)؛ وهي إشارة إلى امتعاض اليابان من جهود الولايات المتحدة الأميركيه لإنهاء ثقافات الدول الشرقية، من أجل جعل خيوط النظام الدولي الجديد في يد واشنطن وحدها.

وأتصور على وفق الأسباب التي ذكرتها، أنَّ اليابان لا تستطيع في المستقبل القريب أن تصمد طويلاً في مواجهة الجشع الغربي ومصالحه المتزايدة، على الرغم من امتلاكها قوة اقتصادية هائلة مؤثرة في العلاقات الدولية.

ويدعم وجهة النظر هذه تجربة النمور الآسيوية، التي حققت تقدماً ملحوظاً دون أن تتخلى عن تراثها وخصوصيتها، إلا أنها ظلت محكومة بـ(السياسة الاقتصادية الغربية)، بسبب تبنيها (مناهج الغرب) في تقدمها، وعدم اعتمادها على مناهج متطورة خاصة بها تزيدها قوة وصلابة في مواجهة التحديات الخارجية.

ونرى اليوم دولاً مثل ماليزيا، وأندنوسيا، وسنغافورة تعيش في ركود وأزمات اقتصادية، وتمزق اجتماعي وجغرافي، حيث أراد الغرب لها ذلك، من خلال تدمير اقتصادياتها ونهوضها، لأنَّ خيوط هذا النهوض المحدود بيد أميركا والغرب وحده.

وهكذا نحذّر من استلهام مناهج الغرب بعيدا عن اصالتنا، وجعلها الطريق الوحيد لتقدّمنا !! لأن ذلك يؤدي إلى تمزقنا، واستلابنا الحضاري، وتأخرنا عن مواكبة تطور العصر، واستسلامنا للمؤامرات الخارجية، التي تريد توسيع (مصالح الغرب)، ومصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، ودعم (إسرائيل) على حساب حقوق الدول العربية والاسلاميه.

***

د. قاسم خضير عباس

كاتب سياسي وخبير القانون الجنائي الدولي

في المثقف اليوم