قضايا

حرب الموانئ والممرات الملاحية في خور عبدالله

حسن خليل حسناضحت الحدود البحرية بين العراق وجاريه الكويتي والايراني مادة للنزاع والخصومة، ويبدو ان الحكومات العراقية المتتابعة لم تنتبه للظروف البحرية الملغّمة للبحر الاقليمي للعراق في ظل قصر سواحله وظروفه الطبيعية المعقّدة.

ساحل قصير وشلال رسوبي:

ان الظروف الاوقيانوغرافية (البحرية) افرزت ضررا جغرافياً كبيرا للعراق، فقد تسبب الموقع الهامشي للساحل العراقي والظروف الترسيبية في المنطقة الساحلية الى خصائص جغرافية اهمها(قصر الامتداد الساحلي -تقعّر الساحل - وجود المعالم الجغرافية تقابل سواحل دولة ما مع سواحل دول الجوار ضمن مسافات قصيرة)، وقد انعكست جميع هذه الخصائص في الساحل العراقي، واظهرت تداعيات على عملية ترسيم حدود العراق البحرية مع الدول المجاورة.

وتنضوي تحت فئة الضرر الجغرافي سبع دول هي (البحرين، والكاميرون، والعراق، والأردن، وسنغافورة، وزائير، وأوزبكستان)، بينما تتمتع معظم الدول بسواحل طويلة وقد تتعدد واجهاتها البحرية على اكثر من بحر، وتكتسب الدول التي تطل على عدة واجهات بحرية مميزات استراتيجية كبيرة تفوق الدول التي لا تطل إلا على واجهة بحرية واحدة فقط سيما اذا كانت سواحلها قصيرة وضحلة، والدول التي تطل سواحلها على البحار المفتوحة يكون وضعها أفضل من الدول التي تطل سواحلها على بحار مغلقة أو شبه مغلقة، اذ تبلغ نسبة الحدود الساحلية للعراق 0.4% من مجموع سواحل الخليج العربي البالغة 13796 كم، أن طول الساحل او قصرها يعد من العوامل المهمة التي تحدد مدى تضرر الدولة أو انتفاعها من موقعها البحري، مع اهمية كل بحر او محيط تطل عليه تلك السواحل، مع اهمية اخرى تتمثل بصلاحيته لإقامة الموانئ والمرافئ والمنشآت البحرية الأخرى.

اتفاقات صادمة واخرى معلّقة:

بالرغم من قصر الساحل العراقي الا ان مساهمات الحكومات العراقية في الاتفاقيات البحرية والمصادقة عليها مُرضية وتُحمَل على الايجابية، وبهذا الصدد فقد صادقَ العراق منتصف الثمانينات على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار في العام 1982، ذلك القانون الذي يضمن توازناً وتوافقاً بين مصالح جميع الدول البحرية بما ينسجم مع مبادئ العراق في توفير أفضل الأجواء للسلم والمبادئ الانسانية، ولتضمن قواعد قانونية جديدة تهدف إلى خدمة البشرية جمعاء، ولمطابقتها مع مصالح العراق والمصالح الاخرى.

وفي ملف ترسيم الحدود مع الكويت الذي تمخض عنه قرار مجلس الامن 833 في العام 1993 قررت اللجنة الاممية تنصيف الجزء الشمالي الغربي لخور عبدالله ووضعت خط التنصيف كخط فاصل بين العراق والكويت، مستندة بذلك على تقرير أعده كوشيرون آموت وهو خبير نرويجي في المسح البحري الذي يعود الى العام 1959 وقد حدد فيه خط النصف مع ضمان الحق في الوصول الملاحي في خور عبدالله لوقوع اجزاء منها ضمن النصف الكويتي، وبهذا لم يتم اعتماد الترسيم حسب نقاط الثالوك (اعمق النقاط في القعر) في خور عبدالله بين الكويت والعراق بغياب متعمّد للمفاوض العراقي، ولم يواجه العراق الضرر الذي افرزه ذلك القرار بما يتناسب مع تداعياته المستقبلية، فهنالك ضعف او تقصير تفاوضي في متابعة الملف القانوني لترسيم الحدود البحرية، ومنذ ذلك الحين لم يحظَ موضوع الحدود البحرية باهتمام بحثي علمي وقانوني كافيين، اذ كان على العراق وهو بلد التضرر الجغرافي الاول في الشرق الاوسط ان يشكّل فرق خاصة للتفاوض الحدودي ويكون للخبرة والمهارة التفاوضية وسعة الاطلاع في قضايا الحدود البحرية والمبادئ والقواعد القانونية والمعرفة بجميع معاني المصطلحات القانونية البحرية الواردة في القوانين، وكان ينبغي عليه السعي للإحاطة بتجارب التفاوض الناجحة عالمياً، اذا علمنا ان عملية التفاوض تستغرق وقتا طويلاً قد يصل إلى عدة سنوات حتى تنظر المحكمة الدولية وتدرس وتتيقن من الحجج والأسانيد لحسم اي نزاع حدودي بحري.

المواد القانونية التي تخدم الضرر الجغرافي للعراق (الظروف الخاصة)

تسبب قرار مجلس الامن ذي الرقم 833 في العام 1993 بتداعيات سلبية على حدود العراق البحرية مع الكويت، وترك جرحاً غائراً في ملف الحدود بين البلدين، اذ لم يأخذ ذلك القرار بنظر الاعتبار مسارات خط الثالوك في ترسيم الحدود البحرية لخور عبد الله (النقاط الاعمق في المجرى الملاحي المشترك وهو ما معمول به في الجانب المقابل لخور عبدالله في قناة الروكا بين العراق وايران.! بل اعتمد على تنصيف المسطح المائي، ومن الحقائق الصادمة ان أعمق النقاط في قعر القناة الملاحية في خور عبدالله تسجل بعد خط التنصيف باتجاه الكويت بسبب اوقيانوغرافية خور عبدالله.

من اهم المواد القانونية التي تخدم الضرر الجغرافي للعراق مصطلح (الظروف الخاصة Special circumstances) الواردة في الاتفاقيات الدولية لقانون البحار بنسختيه: المادتين 6 و12 لمؤتمر العالم للبحار في جنيف 1958، ومصطلح (الظروف ذات الصلة conditions Relevant) المادة 15 من اتفاقية البحار في جامايكا 1982، كان وما زال هذا المصطلح غامضاً وغير محدد، اذ لم توضع المعايير التي تميز تلك الظروف من قبل صاغة هذه المواد، لدرجة ان بعض الدول طالبت بإلغاء هذه المصطلح او توضيحيه(يوغسلافيا وفنزويلا) وقد تم توضيحه في حينها على ان هذه الظروف تتعلق باختلاف الظروف الجغرافية والحقائق الجيولوجية لسواحل الدول التي تمثل ظروف خاصة، وتحتم مقتضيات العدالة بين الدول عند رسم خطوط الحدود البحرية حتى الوصول الى نتيجة عادلة ومنصفة، وفيما يتعلق بترسيم الحدود بين العراق والكويت لم تؤخذ الظروف الجغرافية للعراق وضرر المواقع الجغرافية ومشكلات ضيق وقصر ساحله البحري ووقوعه في ظروف ترسيبية قاهرة.

وهنا نشير الى ان الكويت تحاول غلق الفائدة من هذه الفقرة للعراق، اذ تدّعي الكويت ان الظروف الخاصة والسند التاريخية التي نصت عليها المادة 15 لا تنطبق على العراق، بالرغم من اثبات للعراق في اكثر من مناسبة لحقوقه التاريخية في المنطقة مينائياً وملاحياً وتنظيمياً واقتصادياً، ومن ناحية الظروف الطبيعية الخاصة فمن المعلوم ان العراق لا يطل على اي مسطح مائي باستثناء الخليج العربي بإطلالة موحلة قصيرة وقليلة العمق.

نتوء (فشت العيج) بالعدسة المكبّرة..!!

في ظل حرب الموانئ الدائرة في مناطق متعددة حول العالم، تظهر حروب سرية ومُعلنة في خور عبدالله)، ومؤخرا ظهرت رغبة كويتية واضحة للاستحواذ على اكبر حيز مائي في خور عبدالله، وقد اثيرت بين العامين 2014 و2018 قصة نتوء رسوبي غارق يظهر خلال ادنى جزر في خرائط الاعماق الملاحية التي تصدرها الخرائط البريطانية(الاديميرالية) يدعى بضحضاح فشت العيج، في مدخل خور الزبير الجنوبي الشرقي (المنفذ العراقي الوحيد المواجه للمياه المفتوحة على البحر)، هذا النتوء يمثل منطقة ضحلة الاعماق تسعى الكويت لجعله بمثابة نقطة من نقاط انطلاق خط الاساس الكويتي لترسيم الحدود البحرية في خور عبدالله بديلاً عن البر في جزيرة بوبيان.

فنياً يشكل هذا النتوء اهتماماً للكويت بالرغم من وجود اكثر من 8 نتوءات في الحد الجنوبي الشرقي لخور عبدالله،بينما تحاول الكويت الايهام الاخر بعدم وجود هذه المرتفعات، وتذكر منها مرتفعين غير فشت العيج وفشت القيد فقط، وتشير الحقائق في الخرائط الاديميرالية ان هنالك 6 مرتفعات (غير مسماة) بالاضافة الى فشت العيج وفشت القيد وجميعها تقع في نقاط قريبة ومجاورة لفشت العيج تظهر في الخرائط الادميرالية الحديثة، ويبدو ان هذا الاهتمام بمرتفع فشت العيج كونه يقع في منطقة حيوية تجمع بين القرب للبر الكويت وقربه ايضا من القناة الصالحة للملاحة في خور عبدالله، كما ان بعض البحوث اشار الى انه النقطة التي تتوسطه التي تعد اعلى المرتفعات بروزا خلال ادنى جزر وهي محمية نسبياً من الانجراف والتعرية المائية للتيارات مقارنة بالتعرية التي تطال النتوءات الترسيبية المجاورة.

وفي هذا الصدد اشارت احدى الدراسات الكويتية الحديثة الى ان خصائص فشت العيج تختلف عن المناطق الضحضاحية الاخرى، فنسبة التراكم الرسوبي فوق هذا المرتفع تبلغ 0.75% لكل سنة، بمعنى انها تحتاج الى حوالي 100 سنة لتكون مساحة فشت العيج ضعف مساحتها الحالية، وقد شكّل ذلك نقطة خلاف حادة بين العراق والكويت لأنها تحاول زج ظهير ارضي بعد توسعته بتدخل بشري ليكون محطة ساحلية تنطبق عليها فقرات القانون البحري الدولي، وهو ما لا تنطبق عليه معايير المناطق الضحضاحية التي تشكل اساس ارضي لانطلاق خطوط الترسيم الحدودي معايير المرتفعات المشار اليها في المادة اعلاه، اذ تستند الكويت على المادة 13 من قانون البحار 1982 ونصها (إذا كان هناك نتوء من الأرض يبرز عند الجزء المنخفض ولا يبعد عن البر الرئيس أو عن جزيرة بما لايزيد عن اثني عشر ميلاً بحرياً فأن الحافة الخارجية لذلك النتوء تعتبر خط القاعدة الذي تقاس منه المياه الإقليمية للبر الرئيس أو للجزيرة كيفما كان الحال الذي يقع أمامه ذلك النتوء)،

ونقول ان مجرد تفكير الكويت بمد خطوط الاساس من هذا المرتفع سوف يحدث غبن كبير للعراق اذا انها ستحصل على ما يقارب من ضعف الامتداد العرضي للمسطح المائي في المدخل الجنوبي الشرقي لخور عبدالله، وان الشطر الثاني من المادة 13 من قانون البحار 1982 التي تنص على (........ وعندما يكون المرتفع الذي تنحسر عنه المياه عند الجزر واقعا كليا أو جزئيا على مسافة لا تتجاوز عرض البحر الإقليمي من البر أو من جزيرة، يجوز أن يستخدم حد أدنى الجزر في ذلك المرتفع كخط أساس لقياس عرض البحر الإقليمي) وهذا لا ينطبق على مرتفع فشت العيج الذي يقع في منطقة غير مرسّمة بين الجانبين العراقي والكويتي، وهي ضمن مياه بحرية مفتوحة ولا يتصل ظهيره بأي بر كويتي بل هو نتوء منعزل عن الأنطقة الارضية المحيطة وان بدا للبعض غير ذلك فبمجرد مد خط وهمي مستقيم من المرتفع باتجاه الجنوب (باتجاه المياه المفتوحة للخليج العربي) يظهر عدم التحام الخط باي بر كويتي.

وبالرغم من ذلك عمدت الكويت مؤخرا لمحاولة تسخير المادة 47: من قانون البحار 1982- الفقرة الرابعة: التي تنص على (لا ترسم خطوط الأساس من هذه المرتفعات التي تنحسر عنها المياه عند الجزر وإليها ما لم تكن قد بنيت عليها منائر أو منشآت مماثلة تعلو دائما سطح البحر أو إذا كان المرتفع الذي تنحسر عنه المياه واقعا كليا أو جزئيا على مسافة من أقرب الجزر لا تتجاوز عرض البحر الإقليمي (وقد اضافت الكويت منشأً مستحدثاً على وسط الجزء الارضي من فشت العيج ووضعت له تسمية كمحطة ساحلية Coastal station ووثقته في الخرائط الاديميرالية البريطانية بعد 5 اشهر فقط من انشاءها على الخريطة الاديميرالية المرقمة 1235 التي صدرت في 14 في نيسان 2019، في منطقة غير خاضعة للترسيم الحدودي كونها تقع جنوب شرق الدعامة 162، مع رفض العراق لاقامة هذا المنشأ، وهذا يؤكد على رغبة الكويت بحجز موقع ارضي حسّاس لتحقيق شرط المادة 47 – الفقرة 4 المشار اليها اعلاه، وهذ دليل على ان الكويت ترغب بتسخير هذا المَعْلم المُستحّدث منذ اشهر ليكون حقيقة واقعة وهذا يتنافى مع مبادئ الشفافية، اذ ان الكويت في اتفاق تنظيم الملاحة مع حكومة العراق عام 2012 لم تتطرق لهذا الامر، كما سبق ذلك قيام الكويت ببناء لمنصة بحرية فوق مرتفع «فشت العيج» في سبتمبر 2018 وادعت وقتها بان الاجراء لأغراض امنية للتحقق من سلامة الملاحة البحرية في خور عبدالله.

اسلحة العراق التفاوضية..!!

من الممكن للعراق ان يتبع اجراءات قد تخدمه في الملف الحدودي الشائك في خور عبدالله:

1- عقد الاتفاقات الثنائية بين العراق والكويت في ملف الحدود البحرية والاستناد على الضرر العراقي ساحليا وبحرياً، واظهر تعرض سواحله ومياهه البحرية الى تغيرات مورفورسوبية متسارعة تعمل ضد استقرار ساحله القصير وقنواته الملاحية.

2- اعاده ترسيم الحدود في خور عبد الله وفق شروط تقسيم القنوات البحرية الملاحية باعتماد خط الثالوك، وعدم اعتماد خط التنصيف الذي يعتمد غالباً بالمناطق غير الملاحية وتلك التي لا تتأثر حدودها بالعوامل الجيولوجية المتغيرة.

3-من الممكن تكثيف استخدامات كاسر الامواج العراقي في ميناء الفاو الكبير ليكون مرفأ دائم للقوارب والسفن الحكومية التي تتحرك باتجاه موانئ الفاو وام قصر وخور الزبير.

***

د. حسن خليل حسن

.........................

المراجع:

  • Al-Hasem, A. M.(2018)Tidal Current Behaviors and Remarkable Bathymetric Change in the South-Western Part of Khor Abdullah, Kuwait .International Journal of Marine and Environmental Sciences. Vol:12, No:2, 8 p.
  • Al-Jibri, H. Salman, H.H., and Aldabbas, M.(1986) Sedimentological and Mineralogical Investigation of North–West Arabian Gulf. Sediments. journal of water Resources, Vol. (4), N0. (2).
  • Alkenaee,M.(2011) The boundary dispute between Kuwait and Iraq has it subsided . Master thesis, School of Arts and Sciences, Lebanese American Un. 127 p.
  • Al-Mosawi, W.(2015) Marine Geophysical Survey to Detect the Sea Bottom Morphology and Coral Reefs within Iraqi Borders Using Sub Bottom Profiler and Side Scan Sonar Techniques. Ph.D.,Thesis. University of Baghdad, College of Science. 118p
  • Ling, S.D., Sinclair, M., Levi, C.J., Reeves, S.E. and Edgar G.J. (2017) Ubiquity of microplastics in coastal seafloor sediments. Marine Pollution Bulletin,Vol.121, No 1–2, , Pages 104-110. https://doi.org/10.1016/j.marpolbul.2017.05.038

المحمود، حسن خليل حسن، المنصوري، فائق يونس، والموسوي، ولاء مجيد (2018) تطوير البيئة الساحلية العراقية، شمال غرب الخليج العربي مجلة البحوث الجغرافية-جامعة الكوفة-

في المثقف اليوم