قضايا

الاستشارة والعلاج الفلسفى.. دراسة فى الفلسفة التطبيقية

ناجي مجدي العوضيThe Counseling and philosophical therapy

A study in applied philosophy.

هل يمكن للفلسفة أن تساعد الناس العاديين على مواجهة مشاكلهم المعيشية والشخصية؟ أو تساعد شخصًا يمر بأزمة أو يعانى من القلق فى تغيير حياته؟ أو شخصًا مكتئبًا بسبب وفاة شخص آخر مهم بالنسبة له على تجاوز مشكلته؟ فى العادة ما تتم إحالة هذه المشكلات السلوكية والعاطفية وغيرها إلى علماء النفس والأطباء النفسيين والأخصائيين الاجتماعيين السريريين أو غيرهم من المتخصصين في الصحة العقلية.

فى الحقيقة إن فكرة  فيلسوف يقدم المشورة بشأن مشاكل الحياة كانت فكرة مستهجنة تمامًا فى النصف الأول من القرن العشرين؛ ذلك لأن الفلاسفة – وبالأخص فلاسفة الوضعية المنطقية- قد قصروا دور الفلسفة فى التحليل اللغوى والمشكل المتعلقة باستخدام الألفاظ وإطلاقها على مسمياتها وغيرها من المشكلات اللغوية،  وبالتالى لم يكن هنالك دور للفيلسوف فى حل المشكلات الاجتماعية والشخصية، والأخلاقية التى يواجهها الناس فى الحياة اليومية.

إلا أنه ابتداء من الستينيات فى القرن المنصرف، بدأ الفلاسفة ينظرون بشكل أكثر إيجابية إلى الناحية التطبيقية للفلسفة applied philosophy، ودورها فى توجيه وإدارة شئون الحياة، وكان هذا الدور واضحًا تمام الوضوح فى مجال الأخلاق التطبيقية Applied Ethics، ونتيجة لهذه الحركة التطبيقية فى الأخلاق نجد الآن فلاسفة يكتبون ويدرسون أمورًا متطورة ومعاصرة  مثل: أخلاقيات الانترنت Internet Ethics، والاستنساخ Cloning، والهندسة الوراثية Genetic Engineering، وتكنولوجيا النانو nanotechnology، والحروب الروبوتية robotic wars، وغيرها من المسائل الأخلاقية المعاصرة. ومع ذلك فإن العديد من المهتمين بالفلسفة مازالوا إلى الآن يؤمنون بأن الناحية التطبيقية للفلسفة تمثل الجانب الأدنى منها، وفى الحقيقة هذا موروث من موروثات الفلسفة اليونانية التى رفعت وبجلت التفكير العقلى على ما سواه من دورب التفكير العملى.

فى الفترة المعاصرة يؤكد العديد من الفلاسفة أمثال "أليوت د. كوهين"، و"جون ميلز" الدور التطبيقى للفلسفة، من حيث أن لها دورًا شرعيًا فى تقديم الإرشاد النفسى والعلاجى، جنبًا إلى جنب مع علماء النفس والأطباء النفسيين واستشاري الصحة العقلية والأخصائيين الاجتماعيين السريريين.. وغيرهم، ويؤكدون على أن تاريخ الفلسفة نفسه يشهد ويكشف لنا عن هذا الدور، كما هو الحال فى الفلسفات الإصلاحية والإرشادية كالفلسفة السقراطية (470-399 ق.م) وفلسفة سنيكا (5- ق.م- 65م). وفى الفترة المعاصرة بدأ الاعتراف بالدور العلاجى للفلسفة، وبدأ حصول الطلاب فى الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الأوروبية على درجات فى الممارسة والإستشارة الفلسفية، وأُنشأت العديد من المراكز المعتمدة للتدريب عليها؛ فعلى سبيل المثال، تقدم جمعية الاستشارة الفلسفية الوطنية " The National Philosophical Counseling Association" (NPCA)  بالإشتراك مع معهد التفكير النقدى  The Institute     of Critical Thinking دورات تدريبية مكثفة لمدة ستة أسابيع لتدريب الحاصلين على شهادات عليا فى الفلسفة والاستشارات فى الصحية العقلية.

وتوصف الممارسة الفلسفية أو الإرشاد الفلسفى "Philosophical Counseling" كنوع من الحكمة العملية إن جاز التعبير، وهى مجموعة من الطرق لعلاج المشكلات والضغوطات اليومية لدى البشر باستخدام الأساليب والمهارات الفلسفة.

وتتكون العملية العلاجية الفلسفية من ثلاث عناصر:

‌أ- المرشد الفلسفى وهو القائم بالعلاج.

‌ب- المريض الذى يطلب المشورة الفلسفية.

‌ج- المناقشة العلاجية التى تدار بشكل معين وبترتيب منطقى يتم من خلاله العلاج.

وأهم طرق العلاج تتمثل فى  الأدوات المعرفية التي يمتلكها المرشد، وهي مهارات التحليل المفاهيمي والتفكير النقدي. ومساعدة المريض أو المستنصح فى التعبير عن وجهة نظرة فى المشكلة موضوع مرضه. ومساعدته على الفحص الدقيق لجوانب الإشكالية، وأيضًا مساعدته على التغير وتقبل بدائل جديدة، وإثراء الحياة وتطويرها. وبالتالي، فى حالة تقديم المشورة، سيكون هدف الممارس الفلسفي هو مساعدة العميل على التفكير بشكل أكثر نقديًا ووضوحًا.

وبالرغم مما تقدم فإن العلاقة بين الممارسين للعلاج الفلسفى والممارسين النفسيين ليست علاقة تكاملية إلى الآن؛ بل يعتقد كثير من الفلاسفة أن الإرشاد الفلسفى والنفسى مجالان متميزان ومستقلان من ناحية الممارسة، بينما ذهب آخرون من علماء النفس وممارسى الصحة بأن الفلاسفة يجب أن يلتزموا بأدوارهم التقليدية كمعلمين ومفكرين ومنظرين، ويتركوا المجالات الصحية لأصحابها، فضلًا عن أن منهج الفلسفة مختلف تمامًا عن المناهج العلاجية؛ فمنهج الفلسفة منهج عقلى وتخمينى، فى حين تعتمد الممارسات العلاجية والنفسية على أساس تجريبى مُحكم.

***

ناجى مجدى أحمد العوضى

.................

المراجع:

1-  رياض العاسمى: ما بين الإرشاد الفلسفى والنفسى صراع أم تعاون؟، مجلة نقد وتنوير، ع5، مارس 2016.

2- Elliot D. Cohen and Samuel Zinaich Jr: Philosophy, Counseling, and Psychotherapy, Cambridge Scholars Publishing, 2013.

3-     Peter Raabe: Philosophy's Role in Counseling and Psychotherapy, Jason Aronson, the United States of America, 2014.

في المثقف اليوم