قضايا

أولاد طنط فكيهة

في كتابي "نحو مجتمع عربي متحضر" ناقشت مفهوم التعاطف وأنواعه ومشاكله في المجتمع العربي، والمصري خاصة، في مقالين "تعاطف المصريين.. خطأ في البوصلة!‏" و"قل لي مع من تتعاطف أقل لك من أنت".

في المقال الأول منهما ركزت على وجود مشكلة خاصة بالتعاطف في المجتمع المصري وربما العربي، وأن نسبة لا بأس بها تنحرف بوصلتهم، فيتعاطفون مع الطرف الخطأ في كل قضية اجتماعية، حتى أن من بينهم من يتعاطف مع القاتل والمغتصب ويتباكى على شبابه الضائع، وماذا ستفعل أمه من بعده، وخالته وعمته وزوجة خال جارتهم وزوجة بواب عمارتهم!

وقلت إن من أسباب ذلك الحول العاطفي ولا شك أن نسبة كبيرة من أفراد المجتمع لديهم مهارات متدنية في التفكير، والتعليم ‏السيء الذي يتلقونه مسئول بالأساس عن افتقاد الخريجين القدرة على التفكير الناقد، وسيادة ‏التفكير العاطفي كما لو كانوا أفرادًا في قبيلة بدائية.‏ وهناك مثل عامي شهير في مصر يقول: "ضربني وبكى، وسبقني واشتكى"، ففي مصر يمكن أن تقتل أو تغتصب أو تتحرش حتى بطفل أو طفلة، ثم تظهر الضعف والخنوع، فتلقى تعاطفًا من بعض الحمقى كاسدي العقل والرأي!

وفي مقال "قل لي مع من تتعاطف أقل لك من أنت" صنفت مستويات وحالات التعاطف من خلال خبراتي الميدانية إلى خمسة أصناف "التعاطف الإنساني- اللا تعاطف- التعاطف مع صاحب الحق- التعاطف الفئوي- التعاطف المرآوي". ويختلف التعاطف المرآوي عن التعاطف الفئوي في أن التعاطف يكون مع من يشبهك كفرد وليس من ينتمي لجماعتك، وقد يلعب النوع (ذكر/أنثى) دورًا في زيادة درجة التعاطف المرآوي.

وحقيقة فإنني كنت قد تصورت أنني قد شرحت ومثّلت بما يكفي لتوضيح مفهوم التعاطف ومستوياته، حتى فرضت إحدى القضايا الاجتماعية نفسها كمثال تطبيقي للتعاطف المرآوي، وهي قضية مقتل طالبة بجامعة المنصورة على يد زميلها عمدًا مع سبق الإصرار والترصد، بعد أن اعتاد لأكثر من سنتين التعرض لها وتهديدها بالإيذاء لرفضها الارتباط به بعد تقدمه لخطبتها ورفضها إياه، وهي القضية التي تظهر لنا إلى أي حد بلغت درجة انحدار الذكاء الاجتماعي والانفعالي لدى بعض البشر؛ كونهم تعاطفوا مع القاتل وأمه بدلًا من القتيلة وأهلها.

وقبل أن نفهم علاقة ما يحدث بالتعاطف المرآوي، يجب أن نشرح القضية باختصار وفقًا لما صح من معلومات، فأمامنا قاتل سبق أن اعترف في تحقيقات النيابة أنه اشترى سكينًا جديدًا مسنونًا قبل بدء الامتحانات الجامعية بغرض قتل المغدورة، وكان يداوم على حمله في جرابه في جيبه، وأنه ترصد للقتيلة مرات في أيام الامتحانات الأولى محاولًا قتلها ولكنه لم ينفرد بها ليتمكن من تنفيذ جريمته، وأنه ركب الحافلة التي استقلتها القتيلة مع صديقاتها إلى الجامعة في يوم القتل من محطة تالية ليتأكد أنها استقلتها؛ ولعلمه أنها لن تستطيع أن تهبط من الحافلة لتنتظر موعد الحافلة التالية لها وإلا فإنها لن تلحق موعد امتحانها.

لكن كان من بين أقواله التي بدّلها في المحكمة، أنه كان يحمل السكين المسنون معه –ربما كان يتنزه به- وأنه لم يكن يخطط لقتلها يومها، وكان يتمنى ألا يلقاها في هذا اليوم، ولكنها كانت تتضاحك مع زميلاتها في الحافلة التي كان يركبها معهن طوال الطريق، ما أثار ضغينته؛ لأنه ظنها تتضاحك معهن عليه. علمًا بأن صديقات الفتاة اللاتي كن معها عندما سُئلن في التحقيقات أجبن بأنهن لم يرين القاتل عندما ركب الحافلة.

وغالبًا فإن هذا التغيير في أقواله تم بتلقين من محاميه بعد أن أفهمه أن اعترافه بشرائه وحمله السكين في جيبه طوال الامتحانات السابقة ليوم الامتحان الخامس الذي سفك فيه دم القتيلة هو إقرار بالعمد والترصد، وذلك في محاولة منه لنفي صفة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، فكأن القاتل –وفقًا للتعديل في القصة- لم يكن ينوِ القتل ولكنه غضب من القتيلة فوجد السكين الذي كان –صدفة- في جيبه فقتلها في لحظة غضب غير مخطط لها! وأعتقد أن هذه النقطة ستكون أحد الألاعيب القانونية التي ينوي المحامي فريد الديب أن يضمنها مذكرة النقض في حكم الإعدام، كما أنه -ولا شك عندي في ذلك- سيشكك في القاضي رئيس المحكمة، بأنه استبق الحكم على المتهم.

كذلك ادعى المتهم في اعترافاته في المحكمة أنه قتل الفتاة انتقامًا لأنها استغلته، وهو ادعاء صار يكثر المحامون من تحفيظه لموكليهم المتهمين في قضايا القتل العمد المتلبسين بجرمهم، وليس أمامهم سوى الاعتراف، والسبب أن هذه كانت الحجة التي تم تخفيف الحكم لأجلها على ملياردير مصري شهير استأجر قاتلًا محترفًا لقتل مطربة عربية تلاعبت به ورفضت إتمام الزواج بعد أن دفع لها ولأجلها أكثر من مائة مليون دولار. فصار كل من اشترى علكة يقلده ويدعي أنه تم استغلاله وأنه كان ينفق على من قتلها!

والحقيقة أن وكيل النيابة قد أنصف الفتاة في مرافعته، وحكى القصة بتمامها من واقع التحقيقات وشهادات الشهود وتفريغ مراسلات هاتف الضحية والقاتل، وكذا القضاة الذين نظروا القضية يستحقون الإشادة، خاصة رئيس المحكمة، فلم يعبأ ولم يهتم بتغير أقوال المتهم نوعًا في تفاصيل لا أهمية لها أراد بها تضليل المحكمة وإطالة أمد القضية، فالاعتراف بالجريمة ثابت وقد أقر القاتل بجُرمه على الملأ في المحكمة، وقد مثّل جريمته بنفسه في موقع الحادث، والشهود على كثرتهم لم يغير أي منهم حرفًا من قوله، والتصوير من كاميرات المراقبة طوال الطريق منذ هبوط الفتاة من الحافلة إلى بوابة الجامعة حيث غدر بها لا شبهة فيه، ومحاولة القاتل تغيير توصيف الاتهام، ونفي القتل العمد والترصد لا يعتد به عاقل، فسلاح الجريمة كان في جيبه، فهو لم يقتلها بطوبة تلقفها من الشارع وهوى بها على رأسها، بل بسلاح أقر بشرائه وإبقائه في جرابه مسنونًا والمداومة على حمله لغرض تنفيذ الجريمة بطعنها طعنات كثيرة متفرقة في جسدها، ومحاولة نحرها وفصل رأسها عن جسدها. وهناك تهديدات بالقتل مرسلة من هاتفه إلى هاتف القتيلة، فعلى من يتذاكى هذا المجرم الوضيع؟ وعليه فقد حكمت المحكمة عليه بأقصى العقوبة بالإعدام شنقًا بعد موافقة مفتي الديار المصرية.

السيكوباتي المدلل

في مقال "الكفاءة في الزواج ما بين العصامي والمتسلق والسيكوباتي" تحدثت عن شخصية السيكوباتي وكيف يوهم نفسه بعلاقات عاطفية وهمية لا مكان لها سوى رأسه، ويبقى متعلقًا بها سنوات. كما سبق أن أشرت في مقال عن الفتاة قاتلة صديقتها في كفر الدوار عام 2021 أن السيكوباتيين لا يلجأون للقتل إلا بعد أن يفشلوا أن يدمروا الضحية معنويًا، فتشويه السمعة هو سلاحهم الأول الذي يشنونه على الضحية التي يضمرون لها الشر، وعندما لا يؤثر التشويه ويجدون الضحية في أحسن حال ولا تعبأ بهم، تتحرك دغالة قلوبهم صوب القتل.

وفي مقال "الفن ومشكلات المجتمع" في كتابي "نحو مجتمع عربي متحضر" تحدثت عن "التشنيع" كمشكلة اجتماعية، وحكيت ضمن ما حكيت عن قصة طويلة، نُشرت في بريد الجمعة بجريدة الأهرام، وقت أن كان يشرف عليه المرحوم الأستاذ عبد ‏الوهاب مطاوع، عن شاب مدلل فاسد أحب فتاة رائعة فائقة الجمال وعلى خلق، ولأنها ‏رفضته صار يشهر بها وبسمعتها ليطرد عنها الخاطبين، ثم يعاود طلب خطبتها، حتى اضطرها أهلها ‏لقبول زواجها منه لأنه الحل الوحيد –كما رأوه- لتنقية سمعتها وإعادتها كما كانت وكشف كذبه، ثم ‏يطلقونها منه بعد إتمام الخطة!‏

وأرجو عدم الاستخفاف بقاتل المنصورة فهو سيكوباتي مدلل ذكي، وهو واعٍ ومسئول عن أفعاله، وليس مسلوب الإدراك، وهذه النوعية من البشر من أخطر ما يكون، يعانون غالبًا من اضطراب التعلق، ويكذبون كما يتنفسون، ويتدربون منذ صغرهم نتيجة التربية الفاسدة المدللة التي يتلقونها على أن يستدروا التعاطف، ويتحايلون مرارًا وتكرارًا لدفع الآخرين لتحقيق رغباتهم، ولا ينضجون انفعاليًا مهما بلغ سنهم.

وعلى العكس من ذلك فالشخص القوي صاحب الحق لا يستدر التعاطف، ولكن كما أوضحنا فالفئة العاقلة التي تتعاطف مع الحق وليس غيره هي فئة واحدة من خمس فئات.

ومن خلال تعاملي مع كثير من حالات السيكوباتيين المدللين فأنا متأكدة بنسبة 100% أن القاتل يظن أن بإمكانه أن يخدع الجميع وينجو، وكانت تعبيرات وجهه فاضحة له طوال إدلائه بأقواله في المحكمة، وما نسميه بـ "ابتسامة المخادع" لم تفارق وجهه. كما أن السيكوباتي المدلل متبلد المشاعر، فالأمر وما فيه كان رغبة تملك تجاه القتيلة وليس حبًا؛ لذا فهو لا يندم مهما سبّب من ضرر، فلم ينبس بكلمة اعتذار أو إبداء ندم طوال محاكمته.3947 منى زيتون

والحق أن الحقير قاتل نيرة أفلح كثيرًا في استدرار التعاطف من كاسدي العقل والرأي وإيهامهم أنه ضحية، هؤلاء الذين لا زالوا يتلمسون لقابيل سببًا لقتله هابيل، ويرددون أكذوبة زواجه من الجميلة التي رأى قابيل نفسه أحق بها، فالتبرير للتافهين ذوي الشخصيات الضعيفة لدى هؤلاء حاضر؛ كونهم يرون فيهم أنفسهم، والتعاطف المرآوي الفاضح لدخائل النفوس واضح كضوء الشمس، وهذا رد على من يتساءل عن أسباب هذا التعاطف غير المبرر بالنسبة للعقلاء.

والحقيقة التي يعرفها التربويون وعلماء النفس أن النساء الجاهلات الفاشلات في التربية يدللن أطفالهن، كل منها على قدرها وبحسب طبقتها الاجتماعية، فالتدليل غير مقتصر على الأغنياء، ويخرجن للمجتمع أشباه رجال فاقدي النخوة والكرامة، اعتماديين، تربوا على أن تدعمهم المرأة لا أن يدعموا المرأة، وعلى ألا يتحملوا المسئولية تجاهها وتجاه أنفسهم، وربما يعيش أحدهم على مال المرأة ولا يعمل، ولا يرى في ذلك بأسًا، بينما النساء المحترمات المثقفات هن من يربين الرجال. والقاتل تلقى تربية مدللة من أمه رغم شدة فاقتها، لتعويضه عن يُتمه المبكر.

وفي المجتمع المصري يشيع وصف "ابن طنط فكيهة" للتعبير عن أشباه الرجال، ممن تدللوا صغارًا حتى أصبحوا مسوخًا بشرية من حيث الشخصية، فشخصياتهم أنثوية ولا علاقة لهذا بالشذوذ الجنسي كما قد يتبادر إلى ذهن البعض، وكل دلوعة ماما من بينهم لم تفهمه أمه معنى الكرامة وكيف يكون رجلًا، يتعاطف تعاطفًا مرآويًا مع القاتل، فهو تافه ذو شخصية هشة مثله، يتعلق تعلقًا مرضيًا بالأشخاص، ويبحث عن امرأة يعتمد عليها مثلما كان يعتمد على أمه، ولا يتصور أن ترفضه وتصده.

فإن أردت أن ترى الرجال وليس أشباههم، فانظر إلى القضاة على المنصة وإلى وكيل النيابة، ‏وإلى كل من رأى في فعلة القاتل خسة ونذالة، وليس لأولاد طنط فكيهة فاقدي الكرامة ممن ‏يدافعون عن شبيههم.‏

ادعاءات المتعاطفين مع القاتل

تجولت في موقعي الفيسبوك واليوتيوب وقرأت التعليقات المتعاطفة مع القاتل من ذوي الفطرة الفاسدة، ويمكن تلخيص الأفكار الرئيسية فيها –وبألفاظ بعض أصحابها- في الآتي:

- قهر الرجل صعب، قليل من يتحمله!

- القاتل ضحية عدم اهتمام من الطرف المقتول!

- لماذا لم تُعطه فرصة، وهو يحبها؟!

- غبي، كان اغتصبها أحسن!!

- القتل حدث في لحظة نفسية صعبة، ومؤكد أنه لم يتعمده!

- القتيلة هددته فاضطر أن يقتلها!

- القتيلة استغلته وتستحق ما حدث لها!

- القتيلة بنت عابثة، تشرب الخمر وتدعم الشواذ جنسيًا، ومثلها تستحق القتل!

- الفتاة كانت متبرجة، والاختلاط والسفور سبب الجريمة!

- لماذا لا نربي بناتنا؟! أبوها وأمها هما سبب قتلها!

- المتهم (القاتل) تليفونه لم يتم تفريغه! ومؤكد أن هناك أدلة قوية على علاقتهما توجد عليه!

- القانون في مصر لا يُطبق سوى على الفقير، فلان قاتل فلانة ولم يصدر ضده حكم بالإعدام.

- لماذا تم الإسراع بإجراءات التقاضي؟!

وكما نرى من نوعية التعليقات أنها يستحيل أن تصدر عن أسوياء؛ فالقاتل معذور، والقتيلة تستحق القتل، والدولة تتآمر على هذا الشاب المسكين لأنها تطبق القانون سريعًا، رغم أنه أخذ حقه الكامل في الدفاع!

وهو المنطق الذكوري الغبي المعتاد، نتاج التربية الحقيرة التي يتلقاها بعضهم من أمه وأبيه في صغره، ولم يكن ينقصهم إلا أن يقولوا: كيف يُعدم رجل بامرأة؟! ولا ننسى منذ سنوات عندما كان هناك طفل في الحضانة يتحرش بطفلة زميلته، وكلما ابتعدت عنه وجلست في مقعد بعيد عنه طاردها، ولم يجد أبوه في سلوكه بأسًا، وقال في المدرسة: "ابني يعمل اللي هو عايزه، واللي عنده معزة يربطها".

وهناك تحويل تام في نقاشات المتعاطفين مع القاتل لتوصيف القضية من قتل عمد إلى الحكم على سلوك الفتاة؛ لإيجاد مبررات للقاتل، وكأن الإساءة لها وإظهارها في صورة سيئة كفيل بتقرير استحقاقها للقتل! وأكثروا في المقابل في دعاوى تفوق القاتل وأن مستقبلًا باهرًا كان ينتظره، وأنه كان سيُعين معيدًا في الجامعة، ولا أعرف من يمكن أن يتأكد أن طالبًا لا زال في سنواته الجامعية الأولى ولا شك سيُعين معيدًا!

ولم تتورع هذه الفئة من المعلقين عن الكذب وارتكاب شتى المغالطات لتبرئة ساحة قاتل خسيس وضيع قتل ضحيته عمدًا في وضح النهار بعد أن افترى على الضحية في عفتها وشرفها في حياتها لأنها رفضته، فيما لم يجرؤ في التحقيقات أن يمس شرفها بكلمة لفرط جبنه.

ورغم أن تقرير الطب الشرعي أثبت أن القتيلة عليها رحمة الله كانت عذراء لم تُمس بكارتها، ولكن هؤلاء المتعاطفين كانوا ولا زالوا يرددون أنها ماجنة عابثة داعرة متعددة العلاقات! ويتداولون صورة بعيدة للغاية وجانبية ولا تظهر فيها ملامح لصاحبتها نهائيًا، يدعون أنها لها وهي تمسك كأس خمر. ‏﴿‏أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ‏﴾‏ [هود: 18].

ومن بين أصدقائها الذين هم بالمئات على الفيسبوك، أشاروا إلى علامة إعجاب وضعتها على منشور لشخص سبق أن دعم مجموعة من الشواذ منذ أعوام بعيدة، ومن ثم فهي ولا شك مثله تدعم الشواذ!

وقد دخلت بنفسي إلى صفحة القتيلة الحقيقية على الفيسبوك، ووجدت أنها وضعت علامات إعجاب على أربع صفحات باسم "التاريخ الإسلامي"، وصفحة باسم "دولة الخلافة العثمانية"، وصفحات إخبارية وجامعية، ومثل هذه الصفحات لا توحي بأن من أعجب بها شخصية تافهة عابثة. ومع ذلك فكل ما سبق من قبيل مغالطات عدم الترابط ولا دخل لها ولا علاقة بقضية القتل.

والقتيلة –وفقًا للسفهاء- استغلت القاتل النابه الذي لم يوجد مثله في كلية آداب المنصورة، في سنتها الجامعية الأولى، وهنا لا بد أن يتساءل العقلاء عن قيمة المساعدة في الكليات النظرية، ومنذ متى والشباب هم من يذاكرون للبنات في هذه الكليات، وكل أساتذة الكليات النظرية في الجامعات المصرية يعرفون أن ما لا يقل عن 50% من الطلبة لن ينجحوا ما لم تساعدهم زميلاتهم، وهل مساعدة القاتل للقتيلة بشأن بحث طُلب منها في إحدى المواد في عامها الجامعي الأول الذي تصادف أنه كان عام استشراء فيرس كورونا، وذلك بصفته الطالب المعين لجمع الأبحاث من زملائه، يعتبر استغلالًا أو يُرتب له حقوقًا عليها؟!

لقد اعترف القاتل على رءوس الأشهاد أن القتيلة بدأت مطالباتها له بالابتعاد نهائيًا عنها منذ عامهما الجامعي الثاني، حتى أنها بعثت له رسائل صوتية تحتوي سبابًا، وأنه قد أسمعه لكثيرين، وأنه تلقى مطالبات من كثيرين بالابتعاد عنها؛ لأنها لا تريده، ولو كانت ترغب في استغلاله أو أنه حقًا يقدم لها خدمات جليلة لما سبّته ونهرته بعنف وحظرته في بداية السنة الجامعية الثانية فأمامها ثلاث سنوات جامعية.

 ثم إن القاتل ادعى في التحقيقات أنه طاهٍ لتبرير دافعه لقتلها بأنها استغلته ماديًا أيضًا، وأنه كان ينفق عليها، وتأكيد دعاواه أنها ارتبطت به في عامها الجامعي الأول، تلك الادعاءات التي لا يؤيدها سيل المراسلات منه والتجاهل ثم الحظر من جانبها. والسبب أن شحاذًا مثله يستحيل أن يملأ عين ست البنات، ولا بد له من ادعاء مصدر للمال الذي يكذب بشأن إنفاقه عليها، كما أن بإمكان المحامي الطعن في النقض بأن السكين التي ارتكب بها القاتل الجريمة كانت معه لأجل العمل، وهو ما نفاه جيرانه في شهاداتهم في مقاطع الفيديو على موقع اليوتيوب، ومداخلاتهم مع القنوات الفضائية، فأبوه المتوفى كان رجلًا شديد الفقر يعمل عاملًا في معمل مخللات، مات وأبناؤه صغارًا ولم يترك معاشًا، وعملت أمه حتى انحنى ظهرها لتربيتهم، وهناك مساعدات تتلقاها الأم من أقاربها لمعاونتها على المعيشة، ولم يقل أحدهم في شهادته أن القاتل كان يعمل رغم سؤاله المباشر عن مصدر دخل الأسرة، ونفى أحدهم تمامًا أنه عمل طاهيًا عندما سُئل عن ذلك، وقال إنه ربما وقف في بقالة للبيع مرة، ولكن لم يُعرف عنه أنه يعمل. والأمر بسيط وغير مُعجز في التفسير، فمثل هذا المدلل الاعتمادي لا يتحمل المسئولية، فحتى إن كان قد تعلّم صنعة الطهي، فهو سيعمل يومًا ويتعطل سنة، ونعود لنقول إنه ينتظر من أفراد المجتمع أن يعاملوه مثلما عوّدته أمه.

علمًا بأن الفتاة كانت تعمل أثناء دراستها بإحدى الشركات بالقاهرة، وتركت المحلة وذهبت للعيش في القاهرة مع أختها، لأن زوج أختها سافر للعمل خارج مصر، ومع ذلك ورغم عدم حضورها للمحاضرات غالبًا وابتعادها عن القاتل فقد استمر في مطاردتها عبر وسائل التواصل.

ورغم أن مراسلات تطبيقات التواصل الاجتماعي تنفي أي علاقة حقيقية بين القتيلة والقاتل، وتوضح أنها حظرته منذ زمن بعيد بعد أن حاول تجاوز حدود الزمالة وملاحقتها، ولم تجد التجاهل كافيًا، فتنزلًا أنه لو صح –وهو لم يصح- أن الفتاة ارتبطت به ثم رأت في شخصيته ما أنكرته عليه، أو أن أمها كما يدعي القاتل هي سبب فشل الارتباط بينه وبين القتيلة، ورفضت أن يتقدم لها ويخطبها، فهذا حقها، وليس في هذا أدنى استغلال أو تحيل، وأي أم لو أخبرتها ابنتها أن زميلًا لها يريد خطبتها، وهو فقير فقرًا مدقعًا، وغير قادر على الزواج ربما قبل عشر سنوات، فستأمرها بنسيان الأمر ورفضه. وهناك من يتزوجون ويتطلقون، ولكننا بتنا نسمع كثيرًا عمن يصطنع أزمة لأن الطرف الآخر فسخ الخطبة أو رفضها من البداية، وكأن الطرف الآخر مخلوق لتلبية طلباته وليس له حق في الرفض.

وأعرف فتاة تقدم لها طبيب صديق لأخيها، وكانت والدته بصحبته، وأحواله المادية جيدة، وتمت قراءة الفاتحة، ثم رفضوه بعد ذلك بسبب ما رأوه من فرط الاختلاف الطبقي، فلا اعتبر الشوكولاتة التي اشتراها يوم ذهب للتقدم للفتاة استغلالًا، ولا اعتبر الرفض له معيبًا في حقه. ورغم اقتناعي أنهم أخطأوا برفضهم شابًا مكافحًا لهذا السبب إلا أن الرفض يبقى من حقهم، وليس لأحد أن يسلبهم إياه ويلزمهم بالموافقة.

إن المنطق يقول إن أمامنا روايتين؛ رواية أهل القتيلة وصديقاتها وبقية الشهود ورواية القاتل، ورواية القاتل ليست أكثر من تشنيعات على القتيلة بسوء السلوك، وكأن سوء السلوك هذا إن صح يعفيه من عقوبة القتل العمد، أو كأنه سيغير مسمى الاتهام في القضية، والأدهى أن بعض ما قال يصدق على رواية أهل الضحية لسبب بسيط أن هناك شهودًا كثرًا عليه لن يستطيع تكذيبهم، فليس باستطاعته الادعاء بعدم تحرير محاضر في الشرطة له بعدم التعرض للقتيلة، ولن يستطيع إنكار أن هناك جلسة عرفية عُقدت لإلزام أهله بتربية ابنهم المهووس بالفتاة، ولن يستطيع إنكار أن كثيرين سمعوا سبابها له في الرسائل الصوتية، ولا أنها قالت لكثيرين في الجامعة أنه يطاردها وهو كاذب وأنها غير مرتبطة به، وأنهم كلموه في شأن ضرورة ابتعاده عنها.

ولأنه من فمك أدينك، ولكن أنى للتافهين أن يُقيّموا أمرًا بشكل صحيح؟! فالمتفق عليه بحسب كلا الروايتين أن القاتل فاقد الرجولة والكرامة، فهو معترف أن القتيلة منذ نحو عامين لم تترك سبيلًا لإبعاده عنها إلا وفعلت، ولو كانت سيئة السلوك –كما ادعى- فقد كان هذا مدعاة لأي رجل حقيقي أن يلفظها لا أن يطاردها، ولو كانت تسافر دون علم أهلها –وهو ما نفوه- فهل هناك رجل يتصل بأهلها ليرفع صوته عليهم أن كيف تركوها تسافر وحدها ودون إخباره؟! ومن تكون حتى يخبروك؟! ولو كانت زوجتك يا فاقد الكرامة وسافرت دون إخبارك –وإن أخبرت أهلها- للزمك أن تطلقها لا أن تلتصق بها بغراء يأبى أن يُفك، ولكن اعترافاتك التي أردت أن تشين بها القتيلة أشانتك ودللت على فقدك النخوة والكرامة.

وبإمكاني أن أقرر أن قاتل المنصورة هو أكثر حالات السيكوباتيين التي درستها ‏انحطاطًا وقذارة، فهو حثالة بشرية وضيعة تمشي على الأرض، وليس بأقل انحطاطًا منه من يدافعون ‏عنه.‏

بلبلة ولغط موجه في المجتمع

أتساءل، أين خال القاتل الذي حضر الجلسة العرفية التي طلب فيها أهل نيرة من فاقد الكرامة الابتعاد عن ابنتهم؟ وأين أخته الثانية التي لم أقرأ أي محاولة دفاع لها عنه؟ ولماذا لم يُطلبا للشهادة؟

وقد لفتت النظر في مقالي "خطيئة حواء مجددًا" إلى أن رفاق القاتل في الجامعة لا بد أن لهم يدًا في تحريضه على التشهير بالفتاة عبر الحسابات الوهمية التي اختلقها في حياتها ثم على قتلها، ولا شك عندي أن لهم يدًا أيضًا في شن حملة التعاطف الحالية مع القاتل والتشهير بالقتيلة، والذي وجد صداه لدى المتعاطفين مرآويًا من أشباه الرجال، وبعض من النساء أيضًا، فالتعاطف المرآوي لا يقتصر على أبناء النوع الواحد، لكن الأمر يبدو أكبر من هؤلاء الرفاق إلا إن كان من بينهم من يعرف الكثير عن الانترنت، وهناك بلبلة كبيرة حادثة في مصر، والجنازة حارة والميت (أعني القاتل) كلب. ويجب تكثيف البحث عن مصدر هذه البلبلة وفضحه. كما أنه من الواضح أن إحدى أختي القاتل مندمجة مع المتعاطفين معه، وأعتقد أن زيارة الأجهزة الأمنية لمنزل عائلة القاتل ومنازل أصدقائه وفحص أجهزة الكمبيوتر والتليفونات بها قد صار ضرورة.

وبعد أن شاع أن حملة ستدشن لجمع 5 ملايين جنيه دية عن نيرة، وأعلن أهل الفتاة رفضهم لها، ظهر شخص سوري لم يعلن عن هويته، في مقطع فيديو طالبًا السماح له بدفع دية 10 ملايين جنيه مصري لأهل القتيلة في محاولة لإغرائهم بتغيير رأيهم وقبول الدية، لتخفيف الحكم على زهرة شباب مصر الذي سنفقده ونحطم مستقبله اللامع كقاتل متسلسل، وغالبًا فإن هذا السوري كاذب ولا ينوي دفع شيء، بل هناك من يريد تشويه أهل القتيلة مزيد تشويه وإظهارهم في مظهر المتاجرين بها، ولو كانت تلك الملايين لا تلزم السوري وفائضة عن حاجته إلى هذا الحد فلِم لم يدفعها للاجئي بلده الذين يتضور بعضهم جوعًا وبعضهم قتله برد الشتاء؟!

ثم إنني غير مقتنعة أن فريد الديب قد قرر أن يدافع عن القاتل بنفسه مجانًا، وهو من أعلن اعتزاله الترافع منذ فترة رغم ما يتلقاه من ملايين أجرًا للدفاع، فمن دفع له؟! ولماذا؟! أم أن الشباب الذين زاروه وعدوه بالدفع وآثر عدم الإعلان عن ذلك؟!

وأما الموقف المقابل بطلب مرتضى منصور وبهاء الدين أبو شقة تولي الدفاع طرف القتيلة مجانًا، فأكثر مقبولية، فهي المجني عليها، ومن الطبيعي أن تجد بشرًا طبيعيين يتعاطفون معها.

وخلاصة القول إنه لا نيرة قد قتلت أحدًا، والقاتل هو ولي الدم وقرر أن يقتص في غيبة القانون، باعتبار أننا نعيش في القرن التاسع عشر، ولا هي البيج نيرة وكونت عصابة قطع طريق وتستحق القتل حدًا للحرابة، ولا دخل للمهووس بها ولا بسلوكها الذي حاول تشويهه بشتى السُبل، متوهمًا أن هذا سبيله للفكاك من حبل المشنقة، وإمعانًا في انتقامه منها، بينما البنت ماتت بكرًا، وفحص تليفونها لم يظهر ما يشين مطلقًا في علاقتها بالقاتل قبل أن تحظره، ولا بغيره.

والله سبحانه وتعالى وجه الخطاب في آية القصاص فقال: ‏﴿‏وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏﴾‏ [البقرة: 179]، ولم يقل: (يا بني آدم)؛ لأن المخابيل المختلين عقليًا، يسيطر عليهم التفكير العاطفي، فيتعاطفون مع من يتمسكن، وينسون ماذا فعل وكيف أجرم، ودائمًا يبررون للمجرمين ويطالبون بالعفو عنهم.

وفي الحث على تنفيذ الجلد في حد الزنا، قال تعالى: ‏﴿‏وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‏﴾‏ [النور: 2]، ولا شك أن القتل أبشع الجُرم، فإن كان هناك نهي عن الرأفة والرحمة بالزاني فالقاتل العمد أولى بهذا النهي، ومن يبحثون عن مخرج للقاتل ويتحايلون لتبرئته يتعدون حدود الله الواضحة، ‏﴿‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ‏﴾‏ [الأحزاب: 36].

ويجب أن يفهم المتعاطفون مع القاتل (ومع أنفسهم) أن هذه الفعلة لن تمر على خير. فهذا التافه يجب أن يُنفذ فيه القصاص بأسرع ما يمكن حسمًا للبلبلة وإخراسًا لهذا اللغط، وأن تجد الجهات الأمنية طريقًا لإيقاف الحمقى المعترضين على حكم الله تعالى في قاتل عمد، فاعتراضهم وسفههم يتعدى الاعتراض على حكم القضاء العادل، وإلا فالحادثة ستتكرر، وهناك كثيرين من الذكوريين المدللين التافهين ممن لا يحترمون الأنثى، ولا مشكلة لديهم في أن تُعنف أو تُقتل لأنها أغضبت حقيرًا من بينهم، ويمكن أن يحذو بعضهم حذو القاتل ما لم يلق جزاءه وفاقًا.

ويكفي أن إظهار بعضهم التعاطف معه على وسائل التواصل الاجتماعي قد أدى إلى تكرر الحادثة بعدها بأيام قلائل في عدد من البلاد العربية؛ فقتل تافه طليقته التي خلعته في الإمارات، وقتل شاب شابة في جامعتها في الأردن، وغيرها، ولم يوقف هذه النوعية من الحوادث النابتة كنبت الشيطان، سوى حكم الإعدام السريع على قاتل نيرة، الذي تتضافر جهود أولاد طنط فكيهة لإبطاله، ظانين أن بإمكانهم أن يصلوا لهدفهم!

وهناك من لا يتعاطفون مع القاتل لكنهم يتاجرون بالقضية ويستغلونها لتحقيق الأرباح خاصة على موقع اليوتيوب، فهناك مقاطع فيديو بعناوين زائفة أو تحوي صورًا أو أخبارًا مفبركة عن الضحية، فأحدهم يضع فيديو مفبركًا بأنها موهبة غناء جديدة، وهناك من وضع صورًا مركبة بالمايوه يبدو أنه دفع على تركيبها 20 جنيهًا كاملة، لذا فهي غاية في الجودة حتى أن أي طفل صغير بإمكانه كشفها! ولا يعنيهم التشهير بالمغدورة، ويجب أن يحاسبوا.

ومن أهم الجهات التي يجب أن تُحاسب حسابًا عسيرًا كلية الآداب بجامعة المنصورة، والمسئولون بها، فكل منهم نموذج للمربي الفاشل الذي لا يستشعر مسئوليته تجاه طلابه، وقد حاولت القتيلة الاستنجاد بهم ولم يستجيبوا لها، واعتبروا ملاحقة القاتل لها لا تعنيهم لأنها تحدث خارج أسوار الكلية، رغم ثبوت أنه لاحقها وتحرش بها مرات داخل الكلية، كما لم تهتم الكلية بإصدار أي بيان عن واقعة القتل!

وليت من أكثروا الحديث عن سفور البنات يكفوا عن حالة العور الفكري المتفشية لديهم، ويتحدثوا مع الشباب عن الذين يؤذون المحصنات المؤمنات، ويؤلفون القصص عن علاقاتهم العاطفية المكذوبة بهن، والتي أضرت بالكثير من الفتيات، ويقنعوهم أن الشاب الناجح هو الواقعي الذي يضع قدميه على الأرض ولا يخلق واقعًا مشوهًا، ويعيش في أوهامه في بالونة في رأسه. ينمي قدراته ومهاراته، ويتطلع نحو تحقيق أهدافه ويخطط لها. وليس الذي يقضي وقته في اختلاق القصص الغرامية عن ولع الجميلات به.

ويجب أن تعلم الفتيات أن هناك من تعني كلمة "صباح الخير" له معنى آخر، وأن يميزن مع من يتعاملن، وأن يعلم أهل الفتيات أن أمثال هؤلاء من فاقدي الكرامة لا يتقبل الواحد منهم الرفض، ويبقى يدور على أهل الفتاة وجيرانها وصديقاتها، ويجب أن يلقى صدًا بجفاء وليس بذوق، فرفضه بذوق يكون أول مرة فقط، فإن تكرر طلبه وجب له التعنيف، واللياقة والشياكة والرقي في التعامل معه لن يجعلوه ينزع الفتاة من رأسه. ونصيحة لكل ولي أمر ألا تفتح الباب لمن تعرف أنك سترفضه، لأن بعضهم سيعتبر أن هناك أملًا طالما هناك تواصل بينه وبين العائلة، ولن يقبل بقطع هذا الحبل، فهؤلاء أشبه بالقُراضة.

وهناك أيضًا إشكالية "السابقة الأولى" التي تعشش في أدمغة كثير من المصريين، فلا بد أن يرتكب المجرم سلسلة من الجرائم ليقتنعوا بكونه مجرمًا. وهنا يظهر انعدام التمييز في أجلى حالاته، فكأن المتهم سرق رغيف خبز ليأكل، ومطلوب إعفائه من السابقة الأولى كي لا يضيع مستقبله، والقتل تحديدًا استثناء، ولا يكون القاتل قاتلًا عندما يقتل مائة فتكفيه نفس واحدة يزهقها، والله تعالى يقول في محكم كتابه: ‏﴿‏مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا‏﴾‏ [المائدة: 32]. وربما لأنهم لم يعتادوا أن يُقتص من القتلة صار ذلك مبررًا للمطالبة بالمساواة غير واعين أن القاتل هذه المرة ليس له أدنى عذر ليتم تخفيف الحكم عليه، بل هو معترف بالتحرش بالقتيلة لسنتين على الأقل، ولم يأل جهدًا في مضايقتها بكل ما أمكنه من سُبل.

كما أن هناك تصورًا لدى بعض العرب أنهم يفهمون أكثر من المختصين، فبعضهم يفتي على صفحة دار الإفتاء ويُكذب الفتوى الصادرة عنها، وآخر يصف دواء في مجموعة طبية معقبًا على تعليق لطبيب! ولأنني أول من تحدث عن أثر التدليل في الصغر عند نقاش قضية ذبيحة المنصورة، فقد لفتني أن بعض التعليقات رفضت هذا التفسير، وقرأت كلامًا لا وزن له عن القاتل المحترم المهذب اليتيم الذي يستحيل أن يكون مدللًا، وأن الأغنياء فقط من يدللون أبناءهم. وهؤلاء يثبتون أن كون الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يتحدث اللغة ليس ميزة لدى جميع البشر، فبعض البشر كان من الأفضل لهم وللبشرية جمعاء لو ولدوا خُرسًا.

***

د. منى زيتون

الاثنين 11 يوليو 2022

 

في المثقف اليوم