قضايا

هل جاءت الأديان من اجل عذابات البشر؟

عبد الجبار العبيديأي دين هذا، الذي يقر بتدمير القيَم؟

كل كتب الاديان السماوية والأرضية أبتداءً من الزبور مرورا بالتوراة والانجيل وختاما بالقرآن العظيم، تحدثت عن عذابات البشر والجنة والنار للناكرين لأستقامة الأديان، والمعروف والمنكر، والفرقان (الوصيا العشر)، والقضاء والقدر، وجدلية الكون والأنسان، والرحمن والشيطان، والرجل والمرأة، والأنبياء والرسل، والاسلام والدين، ولا ندري لماذا هذه الوصايا معتمين عليها اصحاب الاديان في مجتمعات الأنسان، رغم انها تحدثت بنسب مختلفة بين الأديان، دون تَدخل في حياة الأنسان.

أما الديانات الارضية مثل الزرادشتية والمانوية والبوذية والهندوسية، فقد طرحت افكارا دينية تشابهت الى حدٍ معين مع الاديان السماوية في نظرية الجزاء، وخاصة فيما يخص الثواب والعقاب، ولا زال أصحابها يؤمنون بها، أيمانهم بالأنسان.لكن هذه الاديان تقلصت وبقي اتباعها يؤمنون بها سرا احيانا خوفا من اقتحامهم من قبل بعض اصحاب الاديان السماوية الذين تنكروا للحرية الأنسانية في الأديان، فبقيت ساكنة في قلوبهم رغم ان بعضاً منها لازال مطبقا بينهم دون خوف من احد كالصابئية والبوذية، وخاصة بعد ان ضَمنت القوانين الدولية حرية ممارسة الاديان في مجتمعات الأنسان.

لا يمكن للكاتب ان يفهم كيفية شروط التطبيق وما جاءت به كتب الاديان مالم يسير معها خطوة خطوة، من اجل الوصول الى الحقيقة التي تنطبق عليها بحق وصدق قراءة معاصرة لألزامية الأيمان، لتكن النظرة اليها مبنية على الدقة المتناهية في صياغة ما جاء فيها من معاني انسانية الانسان، حتى يمكن من ايصالها الى القارىء كما أراد هو، والتعتيم على جوانب اخرى قد يُظن أنها تسيءُ للأديان، وذلك بغية استغلالها في خدمة مقاصد يسعى الى تحقيقها الناكرين لحرية الاديان، وهنا وقع معظم فقهاؤنا ومؤلفينا في خطر الاحادية التي افرزت كل خطأ في التفسير الديني الذي ولد لنا المذهبية والعنصرية والطائفية المتقاتلة، ولا زالوا لم يحددوا معنى من هم الكافرون ومن هم المؤمنون في الآديان.

ان معظم ما جاء به هذا التوجه الفقهي الخاطىء هو عدم استيعابهم اختلاف المناهج اللغوية المستخدمة في الـتأليف عند الفقهاء.وخاصة ان غالبيتهم ابتعد عن المنهج التاريخي العلمي في التأليف معتمدا على المنهج اللغوي المختلف في المعنى والتأليف، هذا المنهج الذي يرى ان اللغة هي نظام لربط الكلمات كما عند عبد القاهرالجرجاني وأبي علي الفارسي وابن جني في الخصائص، للأنطلاق من ان اللغة نظام لظاهرة اجتماعية عامة، هنا ضرورة استخدام المنهج التاريخي العلمي في التأليف الفقهي والذي يعتمد على قواعده الاساسية وهي بداية نشاة التفكير الانساني وتطوره الذي جاء الزامياً في التطبيق، وليس باعتماد الترادف اللغوي في المعنى والتأليف وخاصة في معاني ايات القرآن الكريم، لكن غالبية الفقهاء حتى القرن الخامس الهجري لم يدركوا هذه النظرية وخاصة بعد ان سخروا الفقه الديني لصالح سلطة السياسة البويهية والسلجوقية، لا مشاريع الانسان.

ولكي نركز على هذا الجانب علينا ان ندرك ان الفكر الانساني ما هو الا كائن ناطق حي ومفكر اجتماعي، تولد عندنا عبرالزمن، لنتمكن من فهم الواقع التاريخي المتحرك الذي يسعى للتغيير عبر الزمن، اي خضوعه للصيرورة التاريخية المتحركة، التي تقف معارضة للتفسير الديني اللغوي الجامد، لأابقاء المعنى للكلمة هي كما جاءت عندهم منذ بداية التفسيروما أكثر التفاسير المختلفة والمتناقضة في القصد والمعنى، هذا الذي جعل الرسول(ص) ان يمتنع من تفسير أو تأويل القرآن خشية التغيير التاريخي عبر صيرورة الزمن وتبدل الاحوال، لأن التفسير النبوي لو حصل لأعتبر نصاً غير قابل للتغيير.وهنا تقع كارثة تفسير النص، فيتوقف المعنى المتحرك في مفهومية النص في التطبيق ويصبح النص القرآني جاء لمرحلة وليس عبر الزمن في التطبيق، لذا ظل التصور السائد في فهم النصوص الدينية قائم على ترادف الكلمة فبقي المعنى دون تحريك، من هنا نشأ الاختلاف الذي ابرز لنا المذاهب الدينية المتعددة والتصور الخاطىء في التطبيق .

ان هذا التصور الجامد القديم دعا المؤلف الى ضرورة معرفة الدعوة لفقه جديد للنص الديني ولكل الاديان التي سبقت الاسلام والاسلام معاً، ينطلق من مبدأ التلازم بين الاستقامة والحنيفية (التطور)، لكي نعرف تماما القصد القرآني في الاختلاف بين الأديان هل هو نص قدسي ثابت غير متحرك أم ظاهرية تطورية عبر الزمن، وهل الفرق بين الرجل والمرأة وحقوقهما التي اختلفنا فيها من جهة وأنشئنا المحاكم الشرعية المختلفة في الرأي والحقوق ، وبين الاختلافات الفقهية بين الاسلام والديانات الاخرى في التطبيق، من جهة اخرى خاضعة لحركة تاريخية تطورية، أم نصية ثابتة، ساعتها سنخرج من اشكالية زمانية اوقعتنا في بحر الكراهية لفقهاء السلطة بين الأديان وحقوق الأنسان في التطبيق، لا بل أنشأت مجتمعات مختلفة في فهم النص رغم انها تنتمي لعقيدة واحدة، المفروض ان يكون اصحابها متفقين، رغم الفارق الزمني في النزول.

 الغريب حين نقرأ النص نراه لا يتطابق مع رأي الفقهاء في التطبيق، كما عند فقهاء البويهية والسلجوقية، أنظر نصوص الكليني وابن بابوية والماوردي والغزالي وأبن تيمية وغيرهم كثير، حتى مال معها المسلمون الى التعامل مع الواقع والوقائع والخضوع لها، خصوصا بعد انصرام عهد الخلافة، حيث أصبح النص الديني لا يشكل المعيار الوحيد للسلوك السياسي، فتغلبت الحياة العامة والعلاقات الواقعية تدريجيا على ما افردوه في النص، كنص ثابت دون تغيير.

كل النصوص الدينية تكون فكرة واضحة عن التقدم والاخوة والترابط المجتمعي بين الانسان والاخر، لان كل شيء مرتبط بكل شيء في حياة الجماعة، فتمسك جماعة بأمتياز غير مشروع وان كان موروثا بطريقة قانونية يعوق الانسانية عن التقدم والوقوف بوجه الطامحين الكادحين وحرمانهم من الحقوق، لذا لابد ان يدخل النص الديني المتطور في كل مكان بغض النظر عن ألزامية الدين والغاء الفقه الجامد التصوري عندهم دون ندٍ أكيد، لذا فالصيرورة التاريخية تستدعي وضع قوانين عامة وعادلة وتطبيقها تطبيقا سليما على ايدي قضاة يملكون حرية التصرف وفق القانون والضمير، من هنا ستزول امتيازات الطبقات التي تحسب نفسها فوق القانون - كما عندنا اليوم حين نسبت لنفسها التقديس - والتي اخلت بالنظام المجتمعي السليم،

اذا طبقت هذه النظريات العادلة سيكسب المجتمع القوة الاجتماعية بحيث يستطيع ان يوقف الظلم ويرد السلطة الجائرة عن هواها وبذلك سيسود النظام كلية المجتمع فلا حاجة لتوافقات باطلة وولي فقيه ميت الافكار يدعي الغيب والعصمة وهو لا ينتمي اليهما فالعصمة في الكتاب والغيب لله وحده دون الاخرين، لتبقى لأفكار نيرة وللجماهير ساندة اذا تحقق القانون.(هكذا ظلمنا اليوم ) في دولة تدعي القانون وهي تحكم باسم الآلهية الشخصية لا الآلهية الربانية التي هي الحق والقانون، وبذلك ستكسب الدولة احترام نفسها حين تترفع عن التفرقة في تطبيق القانون، ,بعد ان يتعالى المسؤول عن الدنية، وبالتالي ينشأ الوعي الخلقي والانساني القائم على الحق والعمل ونشاط الحركة في التغيير.

وعلى اساس من هذا الوعي الخلقي ينشأ قانون جديد عملي لمعاملات الناس، وبذلك ينتقل المجتمع الى الرخاء والاستقرار، ويصبح القانون هو البديل. فيسود التفائل ويعم التقدم سائر نواحي النشاط الانساني، وهنا يصبح الامان والاطمئنان والعدالة والقانون، عقيدة، فهل يفهمون من يتعرضون اليوم لمحنة الباطل الذي فيه الحكام يؤمنون، ؟كفاية لقد شبعتم مالا وسلطة ومذلة الناس والتاريخ، اما تشعرون، اذن أنتم والدين على طرفي نقيض في التطبيق ؟

من هنا ينشأ المجتمع الجديد على انقاض القديم، ومن يقرأ كتاب مارك بلوك الفرنسي المترجم للعربية بعنوان (المجتمع الاقطاعي المنشور عام 1961) عن المجتمعات الظالمة في العدالة الاجتماعية بين مجتمعات الاقطاع الديني والسلطة السياسية يرى كيف ان الأفكار الجريئة التي وجد من يطبقها لعبت دورا في التغيير، لصالح الانسان والدين.

لكن مع الاسف نحن نتباهى بالاديان ونعتبرها المفضلة، ولكن منذ اكثر من1400 سنة ولازلنا لم نخرج من عنق الزجاجة على الاطلاق في الاصلاح لان ما من ندعيه مصالح ذاتية وليس دينية آلهيه في التطبيق الصحيح، دين ومذاهب يخدمون السلطة ولا يخدمون عامة الناس، نظام عقيم أجرد لا يمكن ان ينبت فيه شيء يقدم للقانون اصلاح المصلحين.كما في عراق المتخاصمين على المصالح الذاتية اليوم دون وعي الضمير، بعد ان ضربوا حقوق الناس والوطن وفتحوا المجال للأخرين من اعداء الوطن التربص له للأنقضاض على الحقوق دون معايير النص المقدس محتجين بالفقهاء والأولياء من محتكري الاديان الكثير.

لقد حان الوقت بعد هذا الاستغلال الشامل للدين ووصولنا الى أعلى مراحل الغباء والتدمير، ضرورة التخلي عن التعصب، الديني والمذهبي الذي تقوده عصابات التدمير، فيجب الاعتراف بان الحقيقة الدينية تتغير وتتطور، وليست هي مطلقة ومنقوشة فوق حجر.

***

د. عبد الجبار العبيدي

في المثقف اليوم