قضايا

ديانات سكان الأهوار

صلاح جبارمنذ نشوء الأهوار ووفرة المياه والزراعة، لجأت لهذا المكان مجتمعات وأديان مختلفة، وتألفت فيما بينها بحسن المعاشرة، فالسومريون وغيرهم من السلالات الحضارية المتعاقبة التي سكنت الأهوار وعشقت محاسنها الكثيرة ،وذكروها في أثارهم  ورسوماتهم وتحفيا تهم المكتشفة من قبل لجان التنقيب، وبالرغم من اختلاف المعتقدات و الأديان لسكان الأهوارالا انهم تسودهم المودة  والمحبة وكل حسب ديانته، وفي بلاد مابين النهرين، تتعايش منذ القدم أديان ومذاهب عدة، فمعظم المدن العراقية الكبرى مختلفة الأديان والمذاهب، وفي هذا الفصل نتناول الديانات المختلفة التي سكنت بيئة الأهوار منذ القدم.

الصابئـــة

وهم الصابئة المندائيون يتكلمون اللغة المندائية (man  daean) وهي من اللغات السريانية الآرامية واهم طقوسهم الاغتسال والوضوء بالماء فهم يعتقدون أن الماء هو العنصر الذي يعطي الحياة للجسم والروح لذا فهم يغتسلون به بقدر مايستطيعون وفي أوقات مختلفة، وكل شيء يؤكل يجب أن يغسل بالماء الجاري، ولهم أعياد خاصة بهم، وأيام صيام يصومون فيها، وهم لا يتزوجون بغير النساء الصابئيات ويتجنبون أي اتصال وثيق مع ذوي الأديان الأخرى، ويبلغ عددهم عام 195.حوالي أربعة الأف نسمة في العراق و مهنهم الأساسيه في القدم  هي الحدادة وصياغة الفضة وبناء الزوارق وصناعة المناجل وأدوات الحفر، أما في الوقت الحاضر فمهنهم صياغة الذهب ولهم تجار معروفون.

لقد استوطن الصابئة الأهوار، ويبدو أن الدين الصابئي هو الدين الأقدم بين الديانات العراقية، وانتشر الصابئة بين قرى الأهوار على شكل أسلاف وبيوت، فمثلا كان يقطن في قضاء الجبايش 12. أسرة من هذه الديانة وتزداد نسبتهم في مدينة سوق الشيوخ، وما زالوا يتحدثون المندائية (لهجة أرامية) في المراسيم الدينية وحتى المنطقة التي يسكنوها قرب نهر الفرات في سوق الشيوخ سميت بأسمهم منطقة (الصبة) ويقطنون كذلك في اقضية ونواحٍ وقرى محافظة العمارة، والذي لايعرف طقوس هذا الدين يتخيل انهم من عٌباد الماء واكثر طقوسهم ترتبط به ويجلون نهر الفرات ولهم ارتباط وثيق به، وقد اشار عدد من مؤرخي الملل والنحل الى هذا النوع من العبادة...

والمندائيون الصابئة هي التسمية التي وردت في القرآن الكريم وتسميتهم هذه  وردت في كتبهم الدينية كذلك بأسم (المندائيين) وقد اختلف المؤرخون قديما وحديثا في أي بقاع من العالم تطورت فلسفتهم وطقوسهم الدينية، اعتبرهم بعض المؤرخين من بقايا سلالات الأقوام السومرية، وطوروا مقدساتهم نحو مرور الزمن.

ويرى قسم من المؤرخين وكما جاء في الكتب المندائية المقدسة، ككتاب (كنز أربا) وكتاب (هران كوثة) وكتاب (دراشة بهيا) بأن نشأتهم في فلسطين، وعلى نهر الأردن أقيمت طقوسهم حيث قام مرشدهم ونبيهم (يحيى بن زكريا) بألتعميد.

وبعد تعرضهم لمجازر كثيرة في فلسطين قبل الميلاد بسبب معتقداتهم الدينية المتعارضة مع الطوائف اليهودية حيث قتل الرومان عدد من رؤساءهم الروحانيين وعلى اثر ذلك هاجروا قبل الميلاد على شكل مجموعات اتجه قسم منهم إلى مدينة (حران) وقسم منهم وصل جنوب العراق واستقروا في اهواره  وبقوا محافظين ومطورين عقائدهم الفلسفية متأثرين ومؤثرين بمن حولهم، وعندما جاء الفتح الأسلامي للعراق عوملوا كأهل المدينة.

أما ديانتهم فيؤمنون بالتوحيد بالحي العظيم، ويؤمنون بان نبيهم الأول ادم، وما يؤكد قدم هذا الدين هو صلته الوثيقة بالديانة البابلية، وكما أسلفنا بان كتابهم المقدس (كنز أربا) يقع في ست مئة صفحة، وتسعين صفحة من الحجم الكبير، والمعتمد دينيا أن يكون مستنسخا باليد وباللهجة أللآرامية وترجم إلى اللغة الانكليزية والألمانية والأيطالية وغيرها، وأخيرا ترجم في عام 1998 من اللهجة المندائية الى اللغة العربية بواسطة لجنة مختصة لهذا الغرض.

يحتوي (كنز أربا) على عدة فصول تبحث في وصف الخالق ووصايا عامة والتعميد وخلق الأكوان والأسنان وهبوط النفس وعروجها ثانية الى الخالق ومحاورات فلسفية حول الموت والحياة والانسان، كما أن صراع الأضداد آو مايسمى (الثنوية)

هو الشكل الرئيسي في صياغة أفكار كتابهم المقدس فالكون بأكمله قائم على صراع محتدم بين ضدين متلازمين متصارعين لاينفصلان ولا يلتقيان والكون هو عبارة عن عالمين  هو عالم الخير ويطلق بالمندائية (المنادنهورا) ويوصف بأنه علم الطيبة، ويتربع على عرشه ملك النور العظيم، خالق جميع الظواهر، لانقص فيه أنت النور الذي لاضلام ولا غضب فيه، أذن الصابئة ديانة سماوية لأديان توطنوا الأهوار منذ القدم، ولازالت مساكنهم تحاذي الفرات قرب الأهوار...

اليهودية:

وهي ديانة سماوية اعتنقها اليهود، ويتكلمون (العبرية) وكتابهم المقدس (التوراة) وتوطنوا بلاد ارض مابين النهرين منذ القدم، وكانت نسبتهم كبيرة في قضاء العز ير التابع لمحافظة العمارة، ثم هاجروا الى إسرائيل وبقوا طوال سنواتهم في المنافي يحنون الى بيوتهم ومواطنهم السابقة على ضفاف الفرات ودجلة في منطقة العز ير وغيرها، وللحاخامات اليهود صفة مميزة ألا وهي اطالة اللحى ووضع طاقية فوق الرأس ويمتاز يهود العراق بألفتهم مع المسلمين ويتكلمون كما أسلفنا العبرية وهي لغتهم الرسمية، ولهم معابدهم الخاصة وأعيادهم المختلفة، واليهودية عكس الماسونية لأن الأولى ديانة سماوية والثانية عصابة صهيونية ضالة هدفها محاربة الإسلام وبقية الأديان واحتلال البلدان.

أن اليهود توطنوا الجنوب العراقي منذ القدم، وبنوا بيوتهم قرب الأهوار بنسب كبيرة في أقضية ونواحي محافظة العمارة، وحتى بعد هجرتهم الى الغرب والدول الغربية كانوا يقصدون (العزير) ذو القبة الزرقاء كل عام الذي سمي القضاء باسمه ولا زالت الرسومات  والأسماء العبرية منقوشة في هذا الضريح المقدس، ولا زالت التوراة تزين رفوف هذا الضريح ويمارس اليهود.

***

صلاح جبار ابوسهَير

 

في المثقف اليوم